فقدنا هويتنا ونبحث عن وطن جديد

16 ابريل 2015
من يمتلك هوية ما، فهو منتم بالضرورة (Getty)
+ الخط -

في صراع حتى الموت بحثا عن الحرية ومطالب ينشدها الثوار كل يوم، يسقط من بينهم ضحايا اليأس بعد ضغوط نفسية لا يستطيع تقديرها إلا من مر بها، وعايشها مليا على مدار أربع سنوات ونيف، هي عمر الثورة المصرية الجريحة، والتي لم يهدأ زئيرها يوما واحدا.

بدأت قصة البحث عن فاقدي الخيار لدي، حينما قرأت خبر الإفراج عن الصحافي المصري محمد فهمي، نظير تنازله عن جنسيته، وبغض النظر عن المعاناة التي ذاقها فهمي في السجن، والتي جعلته يذرف الغالي والنفيس في سبيل خروجه من جحيم السجن، إلا أن ذلك وجه أنظار بعض الشباب المحبط إلى إعادة النظر في هويتهم، وفي تحديد معنى أكثر وضوحا لكلمة "وطن"، غير ذلك المعنى الأصيل في حياتنا، والذي طالما تغنينا به في مدارسنا وفي قرانا وفي قلوبنا الحالمة دائما بمعنى كلمة وطني.

بدأت تتناثر أحاجي الهوية والانتماء بين الشباب المغلوب على أمره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي كل مكان يجمعهم حيث يحاولون قراءة مستقبلهم المقترن بلعنة الدماء التي أريقت هنا وهناك منذ اندلاع ثورة يناير/كانون الثاني 2011 مرورا بالانقلاب وفض الاعتصامات وحتى الآن، ووسط الصمت العربي ودعم الطغاة وبزوغ فجر أصحاب المصالح، ثم الإفراج عن كل المفسدين والطواغيت، والذين قامت لأجل دحرهم تلك الثورة الجريحة، تجد شباب مصر يبحثون لهم عن وطن جديد فقد فقدوا الأمل في عودة وطنهم، كما فقدوا حتى مجرد الإحساس بانتمائهم لمصر، فكل منهم كان يعقد أمله في أخ قتل، وآخر فقد أو تم اعتقاله أو في سياسي بارع يحمل قضيته بشرف وأمانة فوصمه الانقلاب بتهمة الإرهاب.

يقول صالح، وهو شاب عشريني يدرس في جامعة القاهرة، "إن الإنسان منذ وجوده يرتبط بشيئين هما المكان والزمان، فالإنسان مرتبط بالمكان من حيث وجود ذاته، وإذا كان المكان يدل على وجود الإنسان في جزء معين منه؛ فإن الزمن هو الذي يحدد مدى هذا الوجود وكميته، ولذلك فالمكان هو الوطن والانتماء المكاني هو الانتماء الوطني، وأنا الآن لا أشعر بهذا الارتباط، فقد فقدت كل شيء أحببته في وطني، وتغيرت خارطة حياتي كلها بعد اعتقال والدي... لم يكن أبي إرهابيا أو فاسدا في يوم ما، إنما كان أستاذا في الجامعة، كل ذنبه كلمة حق أطلقها في وجه الظلم، كيف تطلبين مني تحديد معنى لكلمة وطن؛ وأنا منذ أن تفتحت أذناي على أصوات المطالبين بحقوقهم لم أسمع إلا الصراخ.. جوع وتعذيب وقهر".

انتهجت عبير طريقة أخرى في التعبير عن إحباط الشباب، ومحاولة البحث عن هويتهم الضائعة ووطنهم المسلوب، فأطلقت "هاشتاغ" يجمع كتابات ساخرة حول معنى كلمة وطن.. فمنهم من كان يكتب معاني ساخرة، ومنهم من كان يبحث عن فرصة للسفر خارج مصر.

وتقول عبير "بعد فشل الثورة في تحقيق أهدافها، سقطت تحت قدميها طموحات الشباب وأحلامهم واحدا تلو الآخر؛ ما دفعهم للبحث عن موطن آخر يكترث لما تبقى منهم. من بقي من الشباب المناضل يعيش في المجتمع غامضا خائفا يترقب ساعة السفر، والتي قد تكون أي شيء غير الذي كان يحلم به؛ وهو في صفوف المتظاهرين الباحثين عن الحرية والأمل. ذلك أن من يعيش على أرض الوطن له الحق في المشاركة في بناء حضارته والمساهمة في التفاعل مع مجتمعه.

أما الباحث في العلوم الإنسانية جمال سعيد، فيرى "أن فقد الشاب لمفهوم الهوية يعتبر "أزمة" لأنها تنطوي في الأساس على معان رمزية وروحية وحضارية، تعطي الفرد إحساساً بالانتماء إلى جسم أكبر، وتخلق لديه الولاء والاعتزاز بهذا الجسم الأكبر، وعلى ذلك فإن أزمة فقدان الهوية هي عدم معرفة الشخص لذاته، سواء من حيث تكوين الشخص لماضيه أو لحاضره.

أما عن الانتماء، فلا يستقل كثيراً عن الهوية، وإن من يمتلك هوية ما، فهو منتم، ومن يفقد هويته فلا انتماء له، ومعظم العوامل التي تفقد الشباب هويته هي ذاتها التي تفقده انتماءه. وبعد تفشي أزمة الهوية والانتماء التي صارت ملاحظة عند الشباب المصري بصفة خاصة والعربي بوجه عام، نجد عوامل كثيرة تسببت في خلق هذه الحالة وذاك الشعور؛ منها: الظلم والإحباط والفقر والبطالة، ولا ننسى انتزاع الثورة من بين أيدينا فقط كنا نحلم بوطن يحن على أبنائه ويحن أبناؤه عليه".

المساهمون
The website encountered an unexpected error. Please try again later.