فضيحة النمسا: هل تفرمل تمدُّد فاشيي أوروبا وشعبوييها؟

20 مايو 2019
تحرّك الشارع في ميلانو "ضد الفاشية" (فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من أن فضيحة نائب المستشار النمساوي (بمثابة نائب رئيس الحكومة) المستقيل هاينز كريستيان شتراخه وقعت في النمسا، فإن تداعياتها قد تؤدي إلى ضرر كبير جداً لدى اليمين القومي المتطرف في كل أوروبا، خصوصاً أنها تأتي قبل أيام من إجراء الانتخابات البرلمانية الأوروبية، من 23 إلى 26 مايو/ أيار الحالي، والتي كان يعول اليمين المتطرف على أن يحصد فيها "حزب الحرية" النمساوي عدداً من المقاعد، تضاف إلى المكاسب التي ستحصدها الأحزاب العنصرية والشعبوية الأخرى. وبدأت تداعيات فضيحة زعيم "حزب الحرية" هاينز كريستيان شتراخه تنفجر في الشارع الأوروبي، الذي تحرك في ميلانو "ضد الفاشية"، في إشارة إلى اجتماع قيادات الأحزاب اليمينية والشعبوية المتطرفة في ميلانو، برعاية زعيم "حزب الرابطة" ووزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني. وتفجرت "فضيحة إيبيزا" مع نشر وسائل إعلام ألمانية فيديو صوّر بكاميرا خفية، يظهر شتراخه وهو يناقش في فيلا في جزيرة إيبيزا، قبل أشهر من الانتخابات التشريعية في عام 2017، مع امرأة يُعتقد أنها مرتبطة بشخصية روسية نافذة، احتمال تقديم مساعدات مالية مقابل منحها مدخلاً لعقود حكومية مع النمسا. وتناول الحديث خصوصاً الصحيفة الأولى في النمسا "كرونين تسايتونغ"، وتضمّن اقتراحاً باستثمار الروسية في الصحيفة، لدفعها إلى نشر عناوين موالية لحزب شتراخه.

وأجبرت الفضيحة "حزب الحرية" النمساوي على التغيّب عن الاجتماع، الذي شارك فيه ممثلون عن أحزاب من 11 دولة أوروبية، بينها "التجمع الوطني" الفرنسي و"البديل من أجل ألمانيا" و"الحرية" الهولندي.

وبالتزامن مع الاحتجاجات في ميلانو، كان محيط قصر الحكومة في العاصمة النمساوية فيينا يشهد هتافات ضد الائتلاف الحكومي، المحافظ والمتشدد، وسط شعور بنشوة الانتصار لسقوط واحد من أقطاب التطرف القومي في أوروبا، مع التوجه قريباً إلى انتخابات مبكرة في النمسا، بحسب ما أعلن المستشار النمساوي سيباستيان كورتس في مؤتمره الصحافي الذي أخذ طابع "كفى يعني كفى"، في إشارة إلى الارتباط الذي صار علنياً بين الحركات الفاشية في أوروبا والكرملين، والرئيس فلاديمير بوتين شخصياً. وسارع الرئيس النمساوي ألكسندر فان دير بيلين إلى الموافقة على التوجه إلى انتخابات مبكرة في البلاد، معتبراً أنه "من الضروري إعادة بناء الثقة بالمؤسسة السياسية، من خلال التوجه إلى انتخابات مبكرة"، وأوصى بعد لقاء مع كورتس بأن تجرى الانتخابات مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل. ووصف مقطع الفيديو الذي ظهر فيه شتراخه بأنه "مخجل"، معتبراً أن "المشهد لا ينسجم مع القيم الأخلاقية للشعب النمساوي". وقال "ليس من حق أحد أن يحرج النمسا". ووضع اللقاء بين كورتس ودير بيلين، الذي امتدح بشكل لافت الصحافة بالقول إن "السلطة الرابعة أدّت دورها كاملاً"، النقاط على الحروف لإعلان انتخابات مبكرة في البلد، والتي يتوقع أن تأتي في مصلحة "المحافظين"، وتتويجاً لمحاولة كورتس، خلال عام ونصف العام من عمر الحكومة الائتلافية، خلق مساحة بينه وبين خطاب التطرف في "الحرية".

تأثيرات داخلية
وانعكست فضيحة شتراخه على لوائح مرشحي حزب "الحرية" لانتخابات البرلمان الأوروبي، إذ تراجع مرشحان رئيسيان على قوائمه للانتخابات، مع توقع المراقبين أن تكون الانعكاسات أفدح على شعبية الحزب. وتتوقع الصحافة النمساوية أن تتدفّق الأصوات لمصلحة مرشحي حزب "المحافظين"، بزعامة كورتس، بدل مرشحي "الحرية". وحتى لو عُهد للقيادي السابق في "الحرية" ووزير النقل نوربرت هوفر قيادة الحزب، بديلاً عن شتراخه الذي استقال من رئاسته، فإن الضربة التي تلقاها اليمين المتطرف "ليست بسيطة"، وفق أغلب التقديرات في النمسا وعلى الساحة الأوروبية.


ويبدو أن شعور كورتس بالغضب والامتعاض في مؤتمره الصحافي، مساء أول من أمس السبت، لم يكن فقط بسبب هذه الفضيحة، وإن كانت الكبرى في التاريخ السياسي الحديث للبلد، بل لأن تحالف "المحافظين" مع "الحرية" خلق جواً مشحوناً داخلياً و"أضرّ بصورة البلد وسمعته" باعتراف المستشار. لكن، ورغم إعلان شتراخه السبت انسحابه من الحياة السياسية، فإنه لم يتأخر عن محاولة ضرب كورتس بادعاء وجود فيديو يشارك فيه الأخير "في الغرف الخلفية للجنس والمخدرات"، بحسب ما نقلت الصحافة النمساوية عن السياسي الذي وقع في "الفخ الروسي".

مخاوف اليمين المتشدد
ويأمل اليمين القومي المناهض لأوروبا والمحافظون المشككون في جدوى الوحدة الأوروبية والشعبويون المناهضون للنظام السياسي، في تحقيق النتائج نفسها إن لم يكن الحصول على نسبة أكبر. وتشير التوقعات إلى احتمال فوز 173 عضواً، من أصل 751، تحت رايات هذه المجموعات. لكن التحقيقات في مصادر تمويلهم يمكن أن تضر بطموحاتهم، وقد أدى كشف قضية من هذا النوع يوم السبت الماضي إلى استقالة شتراخه اليميني القومي. وحاولت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اللعب على وتر الفضيحة، مطالبة السياسيين الأوروبيين بـ"ضرورة الوقوف بوجه" سياسيي اليمين المتطرّف "الذين يبيعون أنفسهم" (لروسيا ربما).

والضرر الذي أصاب صورة اليمين القومي المتطرف في أوروبا ينبع من المخاوف على انهيار شعبية "الحرية" النمساوي وعدم التصويت له في الانتخابات الأوروبية. وبحسب الصحافة الإيطالية والأوروبية فإن زملاء حزب "الحرية" النمساوي في معسكر التطرف الشعبوي الأوروبي، والذين كانوا بضيافة سالفيني، أول من أمس، أصيبوا بخيبة أمل كبيرة. وقال الباحث الدنماركي جون أوسترغورد، لـ"العربي الجديد"، إن "الخيبة تأتي نتيجة المخاوف من انعكاسات الفضيحة التي ضربت شتراخه وحزبه على النسبة المئوية لحزب الحرية النمساوي في الانتخابات الأوروبية بعد أيام، ما يعني أن عدد المقاعد سيكون أقل من تلك التي عوّلت عليها تلك القوى". ولا يبدو أن هذه الأضرار، التي يمكن أن تصيب التحالف المتشدد الجديد، ستصبح أخف مع انضمام زعيم حزب "الحرية" الهولندي غيرت فيلدزر، يوم السبت الماضي، إلى بقية الأحزاب الأوروبية إلى جانب مارين لوبان، وسط تغيّب ممثل "الحرية" هارالد فيلمسكي، الذي يبدو أيضاً أنه سيخرج مبكراً من المنافسة على مقعد في البرلمان الأوروبي كنتيجة مباشرة لفضيحة حزبه.

والانعكاس الذي يشير إليه أوسترغورد "لا يعني بالتأكيد أن ضربة قاسمة وجهت إلى معسكر التطرف"، مشيراً إلى أن استطلاعات الرأي كانت قد أعطت "الحرية" النمساوي يوم الخميس الماضي، أي قبل يوم واحد من انفجار تسريب شريط الفيديو، 23 في المائة تقريباً، موضحاً أن النسبة قد تتراجع، لكنه أشار إلى أنه "يجب الاعتراف بأن استطلاعات الرأي تمنح بقية الأحزاب المتطرفة نسب تصويت لا بأس بها". وأشار إلى أن التوقعات، قبل انفجار الفضيحة، كانت تشير إلى أن "سالفيني استطاع الحفاظ على نسبة لا تقل عن 30 في المائة، ليتحول حزبه الرابطة إلى أكبر الأحزاب الإيطالية المنتصرة، وهذا يعني أنه سيقفز من 6 أعضاء في البرلمان الأوروبي إلى 26. ومارين لوبان تتجه إلى رفع نسبة مقاعد حزبها من 15 إلى 20، فيما البديل من أجل ألمانيا سيرفع عدد مقاعده من 1 إلى 11. لكن يجب الانتظار لنرى خلال الساعات المقبلة إلى أين ستتجه انعكاسات الفضيحة على هذا المعسكر".

عضو البرلمان الدنماركي، ومرشح اليسار للانتخابات البرلمانية الأوروبية، نيكولاي فيلومسن يختصر التأثير السلبي على هذا المعسكر الشعبوي المتطرف بالقول، لـ"العربي الجديد"، "ربما أهم نقطة كشفها الشريط المسرب، بغضّ النظر عن أهداف من سرّبه، فتلك قصة أخرى، أنه يمين يسوق نفسه على أنه الأحرص على الوطنية والسيادة، فيما جملة: أحب روسيا (التي قالها شتراخه في الشريط المسرب) وانفضاح علاقة شتراخه وغيره في هذا المعسكر مع النخبة الروسية يكشفان كم هم مستعدون للمساومة من أجل مصالحهم الحزبية الضيقة، ولو ناقضوا كل خطابهم الموزع على البسطاء في أوروبا".