وما يزيد المشكلة تعقيداً، هو أن أطراف معسكر خصوم الأسد لا تبدو متوافقة بشكل واضح حول الموقف من شخصه، بل إن مواقف بعض الدول من الأسد باتت تتغيّر بشكل متسارع، بحيث يصعب على المراقبين متابعتها، وربما يُفسر ذلك بتسارع المتغيّرات السياسية والميدانية التي فرضها التدخل الروسي العسكري المباشر في الأزمة السورية.
آخر المواقف تجاه مصير الأسد ودوره في العملية السياسية، أدلى بها وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، الذي ذكر يوم الأحد، أمام المؤتمر العام لحزب "المحافظين"، أن "بريطانيا يمكن أن تقبل ببقاء الأسد في منصبه لإنهاء الصراع، وتقبل به رئيساً فخرياً لسورية لمدة ثلاث سنوات، مع التعهّد بعدم الترشح لانتخابات مستقبلية أو أكثر، إذا كان ذلك سينهي الصراع".
ويبدو موقف هاموند متناقضاً تماماً مع تصريحات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي أدان في الزمان والمكان ذاتهما دعم روسيا للأسد، ووصفه بـ"الجزار"، متوافقاً بذلك مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي أكد مجدداً أن "الصراع في سورية هو بين الشعب والديكتاتور الأسد"، وجدد القول إن "مشكلتنا مع الأسد ولا حل بوجوده".
اقرأ أيضاً: سورية: المعارضة المسلحة تردّ اعتبارها جنوباً وتقترب من الغوطة
ولا يقلّ الموقف الأميركي تناقضاً عن نظيره البريطاني، إذ قال الرئيس باراك أوباما في خطابه أمام الأمم المتحدة، إن "محاربة الإرهاب في سورية تقتضي تنحّي الأسد عن السلطة قبل ذلك"، بينما كان وزير خارجيته جون كيري، قد أفاد قبل ذلك بأن "رحيل الأسد ضروري، ولكن ليس بالضرورة أن يكون فورياً". وهو ما خلق انطباعاً بإمكانية قبول واشنطن لمرحلة انتقالية مع وجود الأسد.
ولا يقف الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، بعيداً عن رؤية كاميرون أو أوباما، فقد أكد في كلمته السنوية عن السياسة الخارجية لبلاده، بأن "الأسد لا يمكن أن يؤدي دوراً في مستقبل بلاده". وفي ذلك جدد هولاند ما قاله في خطاب بلاده أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أن "الأسد هو أصل المشكلة ولا يمكنه أن يكون جزءاً من الحل". ومع ذلك تبدو تصريحات الرئيس الفرنسي مُلتبسة مقارنة مع تصريحات وزير خارجيته لوران فابيوس، الذي اعتبر في مؤتمر صحافي عقده في قاعة المؤتمرات الصحافية خارج مجلس الأمن في الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، أن "فرنسا ترى أن بدء عملية الانتقال السياسية في سورية، تبدأ مع الأسد وتنتهي من دونه".
ولا تبدو المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، على توافق تام مع وجهات النظر السابقة، إذ دعت الأحد الماضي، إلى "إشراك نظام الأسد في المحادثات". وقالت ميركل لإذاعة "دويتشلاند ـ فونك"، إنه "من الضروري إشراك نظام الأسد في المحادثات".
ووفقاً لميركل، فإن "التوصل إلى حلّ سياسي يحتاج إلى كل من ممثلي المعارضة السورية ومَن يحكمون حالياً في دمشق، وآخرين أيضاً من أجل تحقيق نجاحات حقيقية، ثم والأهم من ذلك، حلفاء كل مجموعة". وتأتي تصريحات ميركل بعد أكثر من أسبوع على دعوة وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، إلى تشكيل حكومة انتقالية في سورية للخروج من المأزق"، مبدياً استعداده "القيام بوساطة بين الموالين والمعارضين لحوار مع الأسد".
أما في الجانب العربي، فتبدو مواقف الأطراف العربية أكثر تبايناً في ما يخص "مصير الأسد"، إذ يؤكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في خطابه في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، أن "الموقف السعودي من بقاء الأسد في السلطة واضح، وحل الأزمة السورية يستدعي تنحّي بشار عن السلطة، أو مواجهة الخيار العسكري"، معتبراً "ألا مستقبل للأسد في سورية".
أما الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي، والتونسي الباجي قائد السبسي، فيعربان عن توافقهما على "ضرورة إجراء تسوية سياسية شاملة للصراع المستمر في سورية منذ أكثر من أربعة أعوام، بما يضمن الحفاظ على وحدة وسلامة سورية ويلبي تطلعات الشعب السوري"، من دون ذكر أي تفاصيل إضافية تتعلق بمستقبل أو دور الأسد في التسوية السياسية المنشودة.
ولا يبتعد الأردن كثيراً عن الموقف المصري، لا سيما في ما يتعلق بمصير الرئيس السوري، إذ إنه لم يسجل إعلان الأردن أي موقف رسمي يصل إلى حدّ المطالبة العلنية بـ"رحيل الأسد"، أو ضرورة إبعاده عن أي تسوية سياسية حول مستقبل سورية. وهو الأمر ذاته الذي يُسجل عند البحث في المواقف الرسمية الصادرة عن المسؤولين في الإمارات، وربما هذا ما دفع بعض المعلقين والكتّاب السعوديين إلى انتقاد مواقف القاهرة وعمّان وأبو ظبي، واتهام العواصم الثلاث بـ"التحالف مع روسيا، علناً أو سراً".
اقرأ أيضاً: الأسد: موسكو لا تناقش تغيير النظام وتحركها "منظم"