في عرض أوبرالي متكامل، شهدت "دار الأوبرا السلطانية" في مسقط مؤخراً عرض "دون جيوفاني"، الذي قدمته أوركسترا وجوقة "أوبرا دو ليون الفرنسية" بقيادة المايسترو ستيفانو مونتاناري وإخراج أدريان نوبل من نص أوبرالي كتبه لورينز دا بونتي وموسيقى فولفغانغ أماديوس موتسارت.
كما هو معروف، يعالج العمل فكرة مغوي النساء الذي تأخذه العدالة الإلهية في نهاية العمل إلى الجحيم. عرضت الأوبرا أوّل مرة عام 1787 على "مسرح براغ" وهو مأخوذ عن مسرحية "دون جوان" للكاتب المسرحي الفرنسي موليير.
تُفتح ستارة الفصل الأول على مكان يشبه ساحة عامة تطل عليها شرفات منازل ريفية مع صخب الدون (أداء: سيموني ألبرجيني) مع خادمه ليبوريلو. ووسط محاولات الدون الفاشلة لمغازلة دونا آنا يقتل الدون والدها وهو يحاول الدفاع عنها، فتنوح دونا آنا على جثمان أبيها في مشهد تراجيدي مؤثر، مطالبة خطيبها دون أوتافيو بالثأر وتأجيل زواجهما، فيعدها بذلك.
يستمر الدون في مطاردة النساء ومنها تتعدّد جرائمه ويتعدّد هروبه، فتتبّع الدارما صعود دون جيوفاني نحو هاوية. وفي أحد الفصول، يقرر الفلاح ماسيتو، زوج زرلينا التي حاول الإيقاع بها، قتل دون جيوفاني، لكن الدون يتمكن من التغلب على الزوج في المبارزة ويستل منه سيفه ويهرب من جديد، لتتضاعف خطايا ومآثم الدون الماجن الذي ينتشي أكثر بسعادته وانتصاراته المتتالية، لتأتي النهاية من خلال مشهد "تمثال القائد" في الساحة العامة. التمثال الذي يردّد عبارته التحذيرية لدون جيوفاني الذي لا يكف عن الضحك الصاخب ويعده بأنه "لن يظل يضحك بحلول اليوم الجديد" إذا استمر في غوايته وتلاعبه بمشاعر النساء، لكن الدون المعتد بنفسه يرفض نصيحة التمثال الحجري بطريقة متعالية، لتحاصره فجأة أشباح مخيفة تأخذه إلى الجحيم وهو يردّد: "ما هذا العذاب .. ما هذا الفزع.. يا له من رعب.. الجحيم.. آه الجحيم"، فيما تردد الجوقة في نهاية العمل:
"والآن أيها الطيبون
فلنردد الأغنية القديمة
هذا مصير كل الأشرار
والأشرار يموتون كما عاشوا".
حول العمل الذي تناغمت فيه موسيقى موتسارت بثنائيتها التراجيدية والمُبهجة، يحدّثنا الناقد الموسيقي والأكاديمي العُماني ناصر الطائي بالقول: "إن الأجواء المظلمة لموسيقى موتسارت عكست افتتانه بالنغمة التراجيدية المخيفة والمُرعبة، لكن حركة التنوير تقتضي وجود ضوء في مقابل هذا الظلام، فلا بد أن يسود الضوء لضمان الاستقرار والنظام".
ويضيف الطائي متحدّثاً عن روح العمل وبطله: "يعيش دون جيوفاني في عالم ليلي مظلم، يجسّد موتسارت القناع الذي يرتديه وعدم اتزانه النفسي، وانعدام مبادئه الأخلاقية بألحان سعيدة مرتبطة بعالم المتعة والملذات الذي ينغمس فيها، لكن دون جيوفاني في نفس الوقت بطل جذاب ونبيل وشجاع بالرغم من تباهيه بنبذ المبادئ الأخلاقية سعياً وراء المتع الحسية".