فصل جديد من توتر علاقات باكستان وبنغلاديش

09 يناير 2016
يُخشى ألا تقف الأزمة عند طرد الدبلوماسيين (متين أقطس/الأناضول)
+ الخط -
تبادلت كل من إسلام آباد وداكا، طرد دبلوماسيَيْن، على خلفية تهم متفاوتة، لتشهد العلاقة بين البلدين فصلاً جديداً من الصراع الذي يعود إلى يوم انفصال بنغلاديش عن باكستان، وذلك بعدما شهدت العلاقات تحسناً ملحوظاً نتيجة التبادل التجاري بينهما؛ توتر يتوقع أن يؤثر على صراعات المنطقة، حيث تملك كل دولة أدوات نافذة داخل أراضي جارتها.

اقرأ أيضاً: كشمير.. نصف قرن من الصراع

وطلبت الحكومة الباكستانية من موظفة دبلوماسية تعمل في سفارة بنغلاديش لدى إسلام آباد مغادرة البلاد، بحجة أنها تخطت الأعراف الدبلوماسية. وعلى الرغم من أن البيان الرسمي إزاء طرد الموظفة البنغالية، اكتفى بأن موشومي رحمن كانت تمارس أنشطة تتعارض مع طبيعتها الدبلوماسية، إلا أن مصادر في الخارجية الباكستانية تؤكد ضلوع المستشارة في أعمال ضدّ باكستان، بحسب ما توصلت إليه أجهزة أمن الدولة.

جاء الحادث، الذي قد يكون بداية صفحة جديدة من الصراع بين باكستان وبنغلاديش، بعد أسبوع واحد من طرد بنغلاديش موظفة دبلوماسية تعمل في السفارة الباكستانية في داكا، وهي فرينة أرشد، بتهمة التواصل مع عناصر إرهابية. وأكدت السلطات البنغالية آنذاك، أن الموظفة الباكستانية كانت لها صلات مع جماعة "المجاهدين".

وتستهدف الجماعة منذ ظهورها في عام 2005 منشآت حكومية ومؤسسات أجنبية، رغم تلقيها ضربات قاسية من قبل الحكومة البنغالية عبر اعتقال عدد كبير من مسلّحيها، وتنفيذ حكم الإعدام في حق زعيمها عبدالرحمن ونائبه صديق الإسلام، وقيادات بارزة فيها في مارس/ آذار من عام 2007. 

وليست هذه المرة الأولى التي تتهم فيها السلطات البنغالية دبلوماسيين باكستانيين بالتنسيق مع عناصر إرهابية، وتقوم بطردهم بعدها. ففي الخامس من شهر فبراير/شباط من العام الماضي، طلبت السلطات البنغالية من الخارجية الباكستانية سحب أحد أعضاء بعثتها الدبلوماسية، محمد مظهر، بحجة أن له صلات بعدد من الجماعات الإرهابية، وبأنه يوفر دعماً مالياً لها.

من جهتها، تصرّ باكستان على رفض الاتهامات البنغالية. وقالت الخارجية، في بيان لها على إثر طرد بنغلاديش فرينة أرشد الأسبوع الماضي، إن التهم التي وجهتها السلطات البنغالية لفرينة لا أساس لها من الصحة، وإن بنغلاديش أطلقت حملة ضدّ الدبلوماسيين الباكستانيين بتهم ملفقة.

وبالنظر إلى الأسلوب الباكستاني، يبدو جلياً أنّ ما فعلته إسلام آباد هو العمل بالمثل والردّ على ما فعلته داكا من طرد موظفة باكستانية. ويخشى أن الصراع بين الدولتين قد يطول ويأخذ منحى جديداً بتبادل طرد الدبلوماسيين، وذلك في ظل التقارب بين الهند وبنغلاديش من جهة، وإظهار الحكومة البنغالية العداء مع كل ما هو باكستاني وكل من له صلة بباكستان من جهة أخرى.

الصراع بين باكستان وبنغلاديش ليس وليد الساعة، إنما يعود إلى حرب انفصال بنغلاديش عن باكستان في عام 1971، حين أصبحت بنغلاديش دولة مستقلة بعدما كانت جزءاً من باكستان. استمر الصراع المسلح بين دولة باكستان وبين الباكستان الشرقية (بنغلاديش حالياً) لمدة تسعة أشهر. وانتهى بعد مقتل مئات الآلاف وبعد تدخل الهند لصالح انفصال بنغلاديش عن باكستان. تلك الحروب الدامية التي يسميها البنغاليون بحروب التحرير والاستقلال، لا تزال تلقي بظلالها القاتمة على علاقات بنغلاديش وباكستان، إذ إن الأولى تعدم حالياً كل من تعاون مع باكستان في حرب 1971، أو رفع صوتاً ضدّ دولة بنغلاديش، فيما تُدين الثانية تلك التصرفات.

إعدامات توتر العلاقة بين الجارتين

وخلال السنوات الأخيرة، تحسنت العلاقات الباكستانية البنغالية نسبياً، ولعبت التجارة دوراً كبيراً في هذا التطور. إذ شهدت العلاقات التجارية بين باكستان وبنغلاديش تطوراً منظوراً خلال فترة ما بين عامي 2000 و 2010. وأثرت العلاقات التجارية إيجاباً على العلاقات السياسية، بحيث ارتفعت أصوات من داخل الأحزاب السياسية في باكستان تطالب بتحسين العلاقات مع بنغلاديش. وفي ديسمبر/كانون الأول من عام 2012، طلب عدد من أعضاء البرلمان الباكستاني أن تقوم باكستان باعتذار رسمي لبنغلاديش عما حصل في عام 1971.

ولكن هذا التحسن لم يدم طويلاً، وكان تنفيذ حكم الإعدام في حق قيادي في الجماعة الإسلامية عبد القادر ملا في ديسمبر/كانون الأول من عام 2013 من قبل السلطات البنغالية، بتهمة ارتكاب جرائم الحرب أيام انفصال بنغلاديش عن باكستان، بمثابة ضربة قوية للعلاقات الباكستانية البنغالية. يومها، شهدت باكستان إدانات وشجبا للحادث الذي وصفته باكستان حكومة وشعباً بالمأساوي. 

رغم ذلك، توالت الإعدامات في حق قيادات الجماعة الإسلامية في بنغلاديش. في المقابل، تواصلت ردود الفعل في باكستان المتمثلة بالشجب والإدانة، والتي اعتبرتها بنغلاديش تدخلاً في شؤونها الداخلية. ولجأت تارة إلى إخراج التظاهرات ضدّ باكستان، وتارة أخرى إلى استدعاء السفير الباكستاني من قبل خارجيتها.

والأهم هو أنّ إعدامات قيادات الجماعة الإسلامية شكّلت مسمارا في نعش العلاقات الباكستانية البنغالية، وأعادت إلى الوراء كل الجهود الرامية إلى تحسن العلاقات بين الدولتين.

وفي حين تستعد السلطات البنغالية لتنفيذ حكم الإعدام في حق رئيس "الجماعة الإسلامية" مطيع الرحمن نظامي، بعد إدانته بتهمة ارتكاب جرائم الحرب خلال حرب استقلال بنغلاديش عن باكستان عام 1979، يتوقع أن تتوتر العلاقات البنغالية الباكستانية أكثر.

الهند حاضرة

كما لم يغب دورها في بنغلاديش يوم دعا البنغاليون للانفصال عن باكستان عام 1971، تملك الهند اليوم تأثيراً كبيراً على العلاقات بين باكستان وبنغلاديش.

الصراع الهندي الباكستاني له آثار قاتمة على وضع المنطقة بشكل عام. وهو الأساس للكثير من الصراعات مثل قضية كشمير، إضافة إلى ما يحدث في أفغانستان، من حرب بالإنابة بين الجارتين النوويتين، الهند وباكستان. لهذا لا يستبعد مراقبون، أن يكون للهند دور في اشتداد الصراع بين باكستان وبنغلاديش، خصوصاً أن الأخيرة تعول كثيراً على علاقاتها مع الهند منذ سنوات، بعدما حلت مشاكل الحدود والمياه بينهما. وفيما ترفض إسلام آباد نفوذ الهند في أفغانستان وتتصدى له، فهي تبذل جهوداً أيضاً في التصدّي لنفوذ الهند في بنغلاديش.

المساهمون