اختتم وفد من فصائل المعارضة في الجنوب السوري، أمس الأربعاء، لقاءات أجراها في عمّان خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، بهدف الاطلاع على تفاصيل اتفاق "تخفيض التوتر" الخاص بالمنطقة الجنوبية. وسلّم الوفد غرفة العمليات الدولية المشتركة "الموك"، ملاحظات فصائل الجنوب على هذا الاتفاق. وذلك في وقتٍ راجت فيه تسريبات عن قرب وصول أفراد الشرطة العسكرية الروسية إلى محافظة درعا، للمساهمة في تطبيق الاتفاق، والذي برزت اعتراضات إسرائيلية عليه أخيراً، بسبب عدم تضمّنه نصاً صريحاً، بشأن إبعاد ايران ومليشياتها من الجنوب السوري، في ظل أنباء عن قرب الإعلان عن اتفاق مماثل يشمل الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي. في المقابل، اندلع قتال عنيف في إدلب، المنطقة الرابعة المشمولة باتفاق أستانة، بين الفصيلين الرئيسيين هناك، "حركة أحرار الشام" و"هيئة تحرير الشام".
في هذا السياق، أفاد قائد فصيل "توحيد الأمة"، العامل في المنطقة الغربية من درعا، خالد الفراج، بأن "لفصيله مندوباً شارك في اجتماعات عمّان". غير أن المتحدث باسم "الجبهة الجنوبية" عصام الريس، الموجود في عمّان، قال لـ"العربي الجديد" إنه "لم تجر حتى الآن أية لقاءات بين فصائل المعارضة والدول الراعية للاتفاق، ولكن ذلك قد يحدث في الأيام القليلة المقبلة". وأوضح الريس أنه "يوجد مندوبون في عمّان لأغلب الفصائل بشكل دائم، وربما تكون جرت اتصالات مع بعضهم بشكل فردي. لكن عادة في حال وجود أمر مهم، فإن الفصائل تكون ممثلة بقادة الفصائل، وليس عبر المندوبين".
وبشأن أبرز ملاحظات الفصائل على الاتفاق، قال الريس إنه "لا توجد حتى الآن ورقة مطالب نهائية متفق عليها بين الفصائل، لكن رأيي الشخصي أن الاتفاق يجب أن يضم الغوطة الشرقية والبادية السورية، فضلاً عن ضرورة توثيق الانتهاكات الكثيرة التي تقوم بها قوات النظام للاتفاق في كل من درعا والقنيطرة". وأعرب عن اعتقاده بأنه "لن يطرأ أي تغيير على وضع معبر نصيب بين سورية والأردن، الذي يخضع حالياً لسيطرة فصائل المعارضة".
وكانت مصادر مقربة من وفد المعارضة في عمّان، قد ذكرت لـ"العربي الجديد"، أن "وفداً من فصائل المعارضة سلّم خلال المشاورات في عمّان، والتي شارك فيها المبعوث الأميركي إلى سورية مايكل راتني، ملاحظاته ومطالبه بشأن الاتفاق في الجنوب، وأبرزها الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية، وتثبيت وقف اطلاق النار مع قوات النظام بشكل دائم وعلى مراحل، واستصدار قرار من مجلس الأمن يدعم إعلان جنيف واتفاق الجنوب، وسحب مليشيات إيران من كامل الجنوب السوري، واعتراف النظام بسلطة المعارضة في المناطق التي تسيطر عليها، إضافة إلى مواصلة تقديم الدعم لفصائل الجبهة الجنوبية، وإدخال المساعدات الإنسانية للجنوب السوري".
وكانت قد راجت تسريبات صحافية بأن "السيطرة على معبر نصيب هو أبرز النقاط المختلفة عليها في مفاوضات عمّان، إذ يريد الأردن رفع علم النظام على المعبر، مع وجود موظفين سوريين محايدين لإدارته، على أن يبقى المعبر تحت سيطرة قوات المعارضة".
وذكرت المصادر أن "الفصائل تصرّ على ضم الغوطة الشرقية بريف دمشق، والتي تتعرّض لمحاولات مستمرة من قبل مليشيات إيران لاجتياحها، إلى اتفاق الجنوب، فضلاً عن البادية السورية، خصوصاً شرقي السويداء، وهو مطلب أردني أيضاً، لكنه ما زال يواجه برفض من النظام وروسيا".
بدوره، أكد عضو القيادة العسكرية في "الجبهة الجنوبية"، أيمن العاسمي، حصول اجتماعات في عمّان بين الفصائل والدول الراعية للاتفاق. واعتبر العاسمي، المتحدث باسم وفد قوى الثورة العسكري في "أستانة 5" في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب الذي دخل حيّز التنفيذ في 9 يوليو/ تموز الحالي، يمثّل الخطوة الأولى لفصل الجنوب عن بقية البلاد وإخضاعها للقوى الدولية".
وأوضح أن "الاتفاق ينص على وجود شرطة عسكرية روسية تحيط بمناطق المعارضة لمنعهم من التحرك وتهديد النظام، حيث من المقرر أن تنتشر هذه الشرطة من حدود الجولان غرباً عبر مدينة أزرع حتى مدينة السويداء، فضلاً عن نقاط التماس". وأشار إلى أن "الاتفاق يقضي بفتح معبر جديد في السويداء، في حال تعذّر إعادة فتح معبر نصيب الحدودي"، معتبراً أن "هذا الأمر يصبّ في مصلحة النظام".
وحذّر العاسمي من أن "يتيح الاتفاق للنظام الاستفراد بالغوطة الشرقية، مستغلاً الهدنة في الجنوب لتعزيز قواته في الجبهات الأخرى"، منوّهاً إلى أن "الاتفاق في حقيقته يحوّل الجنوب إلى منطقة منزوعة السلاح، لتأمين الحدود للإسرائيليين".
وعن أبرز مطالب المعارضة خلال هذه المفاوضات، أوضح ممثل فصيل "توحيد الأمة"، أبو توفيق، بأنها "تتمثل في انسحاب حزب الله والمليشيات التابعة لإيران إلى خط لا يقلّ عن 40 كيلومتراً باتجاه دمشق، ووقف القصف الجوي، وفتح المعابر تحت إشراف إدارة مدنية من مجلس محافظة درعا، مع الرفض الكامل لوجود النظام أو علمه على المعابر". وأضاف بأن "فصائل المعارضة رحّبت بوجود مراقبة من جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والأردن على المعابر. كما تمّت الموافقة على عبور قوافل الإغاثة لكل سورية من الحدود الأردنية".
وكانت مصادر مختلفة قد ذكرت أن "المليشيات التي تدعمها إيران أعادت انتشارها في الجنوب السوري، وذلك تطبيقاً للاتفاق الثلاثي في الجنوب، بينما ما تزال قوات النظام تنتشر في مواقعها في محافظتي القنيطرة ودرعا". وقال شهود عيان إن "أرتالاً من مليشيات إيران وحزب الله وحركة النجباء العراقية انسحبت من الجبهة الشرقية لمخيم درعا، ومن جبهة حي سجنة في درعا القريبة من الحدود الأردنية"، مرجّحة أن "تكون عملية الانسحاب هذه تطبيقاً لاتفاق الجنوب والذي يقضي بانسحاب المليشيات إلى مسافة 40 كيلومتراً عن الحدود الأردنية".
إلى ذلك، توقعت صحيفة "الوطن" المقرّبة من النظام السوري وصول مراقبين روس إلى درعا قريباً، لمراقبة تطبيق الاتفاق. وأوضحت أن "هناك خرائط محددة بدقة لنقاط توزع المراقبين على خطوط الجبهات، وفي مناطق سيطرة النظام والمعارضة"، لافتة إلى أن "المراقبين في مناطق المعارضة قد لا يكونون من الشرطة العسكرية الروسية، بل من جنسيات أخرى".
من جهته، أعلن "مكتب توثيق الخروقات في جنوبي سورية"، أنه "وثّق خروقاً جديدة لقوات النظام في محافظتي درعا والقنيطرة، مثل استهداف قوات النظام في سرية طرنجة وتل أحمر، وبلدة طرنجة وتلة الحمرية شمالي القنيطرة، بالرشاشات الثقيلة وقذائف، واستهداف قرية الوردات بمنطقة اللجاة شمال شرقي درعا، وقرية جنين بالرشاشات الثقيلة وقذائف الهاون، بالإضافة إلى استهداف حاجز الشرع وكتيبة الصديق في مدينة درعا، وبلدة النعيمة شرقي درعا بقذائف المدفعية الثقيلة".
إلى ذلك، وبعد إعلان إسرائيل عن مخاوفها إزاء اتفاق الجنوب السوري، سارع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى طمأنتها بأن مصالحها في سورية جرى أخذها في الحسبان. ولا تتحفظ إسرائيل على وجود قوات إيرانية ومن المليشيات التي تدعمها وحسب، بل على نشر قوات روسية لتثبيت وقف إطلاق النار في المناطق المشمولة بالاتفاق، معتبرة، بحسب مصادر إسرائيلية الانتشار الروسي على حدودها، بتكريس الوجود الإيراني.
غير أن هذه المصادر أبدت ارتياحها من مشاركة الولايات المتحدة في الإشراف على وقف إطلاق النار في المنطقة، على الرغم من أن هذا الإشراف لا يتطلب وجود قوات برية أميركية على الأرض.
في غضون ذلك، نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء عن مصدر وصفته بالمطلع، قوله إن "روسيا والولايات المتحدة قد تعلنان هدنة ثانية في سورية، تشمل ريف حمص، والتي أعلنتها كل من تركيا روسيا وإيران منطقة تخفيف تصعيد بموجب اتفاق أستانة في مايو/ أيار الماضي".
وأوضح المصدر أن "خبراء من أميركا وروسيا، يجرون مشاورات في إحدى العواصم الأوروبية حول هذا الموضوع". وتوقّع أن "يتم الإعلان عن الهدنة قبل الجولة المقبلة من اجتماعات أستانة، المقررة في شهر أغسطس/ آب المقبل"، مرجّحاً أن "يبدأ سريان وقف إطلاق النار، في أواسط الشهر المقبل، من دون أن يستبعد أن يشمل الاتفاق الجديد الغوطة الشرقية في ريف دمشق أيضاً".
في السياق نفسه، قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في معرض تعليقه على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حول الجهود للتوصّل إلى "هدنة ثانية" في سورية، إن "الجانب الروسي على اتصال بالشركاء الأميركيين حول إقامة مناطق تخفيف التوتر بسورية في سياق عملية أستانة".
من جهتها، نفت فصائل في الجيش السوري الحر في محافظة حمص وغوطة دمشق الشرقية، علمها بهذه المعطيات. وقال العقيد فاتح حسون، والذي يمثل أحد فصائل حمص في تصريحات صحافية، إنه "لا علم لهم بإجراء مشاورات حول اتفاق وقف إطلاق نار في مناطق انتشارهم".
بدوره، اعتبر المتحدث باسم "فيلق الرحمن" التابع للجيش الحر، العامل في دمشق وريفها، أن "مثل هذه التسريبات تأتي لإرضاء فصائل درعا، لقبول الهدنة هناك، بعد أن اشترطت تلك الفصائل أن تشمل الهدنة الغوطة الشرقية مقابل قبولها باتفاق الجنوب".