18 نوفمبر 2024
فصائل الجيش الحر وخيارات "النصرة"
يطرح الواقع الدولي، وقرارته المتعلقة بالوضع السوري، أمام المعارضة السورية مسؤولية توضيح خياراتها تجاه الواقع الذي تفرضه جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً)، خصوصا أنها لا تعترف بالثورة ولا بكياناتها. أيضا لا تستطيع المعارضة التملّص من المسؤوليات الواجبة عليها، والناتجة من سياسات هذه الجبهة؛ خصوصاً في ظل أوضاعها الصعبة، وقدراتها المحدودة والمداخلات الدولية والإقليمية في الشأن السوري. من زاويةٍ أخرى، لا تستطيع المعارضة الوقوف صامتةً إزاء تجاهل هذه الجبهة الأوضاع المأساوية التي يمر بها السوريون، والظروف المعقدة التي تمر بها الثورة، ولا تجاهل الموقف الدولي والإقليمي الحاسم في طلبه من المعارضة، بكياناتها السياسية والعسكرية، ضرورة النأي عن هذه الجبهة، خصوصاً مع كل الأضرار والتداعيات الخطيرة التي قد تنجم عن ذلك على شعبنا وثورتنا.
السؤال الذي يمكن طرحه في هذا السياق: ما هي علاقة ثورتنا بجبهة النصرة؟ أو بالأحرى ما علاقة هذه الجبهة بالثورة؟ أي أن هذا السؤال لا علاقة له بأي خلفياتٍ، لا سياسية ولا فكرية، ولا بمواقف مسبقة، لا سلبية ولا إيجابية، إذ ينطلق من واقع موضوعي.
منذ قامت هذه الجبهة، شكلت حالة افتراق عن الثورة، فهي لم تر في نفسها جزءاً منها، ولم تتبنّ أهدافها، ولم تنضو في كياناتها، ولا حتى رفعت علمها، بل إنها ناهضت ذلك كله، معلنة انتماءها لتنظيم القاعدة، ولمشروع آخر مختلف، ومتبنّيةً ثقافةً غريبة عن ثقافة السوريين، ومنها الإسلام المعتدل والمسالم (وإن أعلنت افتراقها عنها أخيراً بتغيير اسمها)، أي أن هذه الجبهة لم تقطع مع الثورة السورية فقط، وإنما قطعت أيضا مع مجتمع السوريين متنوع ومتعدّد الثقافات.
المؤسف أن هذه الجبهة أيضاً ظلًت قريبة من "داعش"، حتى أن التنقل سهل جداً بينهما، وعلى الرغم من اقتتالهما في هذه المنطقة أو تلك، بين فترة وأخرى، إلا أنهما أقرب إلى بعضهما في الثقافة والأيديولوجيا السياسية، وفي التعصب الديني والإكراه والعنف في مواجهة المجتمع.
وللتذكير، ليست سيرة جبهة النصرة مع جماعات الجيش الحر أفضل حالاً، إذ إنها لعبت دوراً كبيراً في قضم المناطق التي كان يسيطر عليها هذا الجيش، وفي إضعافه وإنهاكه، بعد استهدافها له، ولمقرّاته ونهبها مستودعاته.
أيضا، المناطق المحرّرة التي تسيطر عليها هذه الجبهة (وبعض قوى أخرى) لم تستطع أن ترضي السوريين، باعتبارها بمثابة أنموذج بديل عن نظام الأسد، لأنها اعتمدت القوة والإكراه في فرض سلطتها، بل وتصوّراتها واجتهاداتها عن الدين والمجتمع والمرأة، وتدخلها الفظ في الشؤون والمسلكيات الشخصية، إذ نمّى ذلك كله مخاوف السوريين من مختلف المكوّنات من هذه الجبهة وإمكان تحكّمها بهم، وقد تم التعبير عن ذلك في مظاهراتٍ عديدة ضدهم في درعا ودمشق وسراقب والمعرّة مثلا.
لا أقلل من جهد الجبهة في مقاتلة النظام، لكن هذا الجهد قام به أبناؤنا الذين لم يجدوا أمامهم
سوى هذه الجبهة، لسبب أو لآخر، ثم إن من دفع الثمن هم أهلنا أيضاً الذين خضعوا للقصف والحصار والجوع والتشريد، بسبب هيمنة الجبهة على مناطقهم، وطريقتها في الصراع العسكري ضد النظام، مع ضعف الإمكانات العسكرية، والاعتماد على دعم هذه الدولة أو تلك، وهو دعم محدود ومقيّد، ولا يتناسب مع ما تحاوله هذه الجبهة، كما ثبت بالتجربة.
وعليه، لا يجوز لهذه الجبهة، ولا لغيرها، أن تمنن على شعبنا بجهدها العسكري في مقاتلة النظام، لأن هذا لم يؤثر في تغيير موازين القوى منذ أكثر من أربعة أعوام، ولأن إمكاناتنا محدودة في العمل العسكري، والدعم العسكري يأتي بالقطارة. وأقصد أن على من اختار هذه الطريق أن يُخضعه للمساءلة والمحاسبة، وعليه أن يقدّر تضحيات شعبنا وعذاباته نتيجة هذا الطريق، فكيف إذا علمنا أن ذلك أتاح للنظام تحويل البيئات الشعبية إلى مناطق محاصرة، أو فارغةً بعد البطش بسكانها أو تشريدهم؟
الأهم أن هذه الجبهة، في ما تطرحه من أفكار، أثارت المخاوف عند كل مكونات السوريين منها، (وضمنهم السنة)، ومن الثورة عموماً، وأضعفت التعاطف الدولي مع قضيتنا، وأثارت الشكوك حول مطالبنا بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة.
أكرّر، ليست القصة ما تتبناه هذه الجبهة من أفكار، ولهذا نقاش آخر، وإنما في أنها لا تعتبر حالها جزءاً من الثورة، وأن لديها مرجعية أخرى، ومشروعاً مختلفاً، أيضاً في أن طريق هذا الجبهة يفضي إلى إعادة إنتاج الاستبداد، وفي أنها تعتبر نفسها وصيةً على الإسلام والمسلمين، وأنها ترى حتى الجماعات الإسلامية الأخرى، والتي تحظى بتأييد واسع، ضالةً أو منحرفة، وأنها تستخدم القوة والقسر لفرض رأيها.
ليست هذه دعوة إلى نفض اليد، وإنما لنقاش آثاره حديثٌ مع أصدقاء، مفعم بروح المسؤولية إزاء كيفية التعامل مع ظاهرة جبهة النصرة، بعد أن أضحت عبئاً على السوريين، بسبب مواقفها وتصرفاتها التي ثير مخاوفهم، وأيضاً بسبب المطالبات الخارجية. في النقاش المذكور، طرح سؤال مفاده إن كانت جبهة النصرة، وأخواتها، تستطيع إسقاط النظام في ظروف تشرّد أغلبية السوريين، وخروجهم من معادلات الصراع، وفي الظروف العربية والدولية والإقليمية الراهنة؟ وفعلاً، يجيب سؤالٌ كهذا على كل شيء، فمن غير المسموح لهذه الثورة أن تسقط النظام وفق منطق هذه الجبهة، ومن غير المسموح تمكين هذه الثورة من تحقيق هدفها بإسقاط النظام من دون التكيف أو المواءمة مع معايير الواقع الدولي والإقليمي الراهن.
في هذا الوضع، لا مناص من إبداء الضغط على هذه الجبهة، أو على العناصر الخيّرة فيها، لترشيدهم إلى هذا الواقع الصعب، ووضعهم أمام خيار الانحياز لمصلحة شعبهم، للتخفيف من معاناته وعذاباته، إذ لن يجدي الإمعان في الطريق الأحادي والإقصائي، ولن يوصلنا إلى شيء، بل هذا يفيد النظام، ويخدم تعويمه، سيما أنه كان، منذ البداية، يجرّنا إلى حربٍ أهلية وطائفية لنعت الثورة بالإرهاب، وبالحرب الدينية.
لذا، من مصلحة شعبنا وثورتنا وضع حد لهذا الإرباك، الناجم عن وجود جبهة النصرة، وتجاوز تداعيات الموقف الدولي والإقليمي المناوئ لها، بتأكيد الطابع الوطني الديمقراطي لثورتنا من أجل الحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، ولاسيما بوضع حد لتشرذم الكيانات العسكرية، من خلال الانصهار في كيان واحد يكون هدفه تحديداً حماية البيئات الشعبية الحاضنة للثورة.
وعلى الرغم من أني لا أعتبر أن الثورة أتت من رحم الكفاح المسلح، بل إن ذلك جاء في معرض الرد على انتهاج النظام أقصى العنف ضد الثائرين بوجه استبداده وقمعه وتنكّره لاستحقاقات الحرية والكرامة والمواطنة التي طالبه بها الشعب السوري، إلا أنني أجد نفسي مضطرةً للتعامل مع هذا الواقع على أرضية الحفاظ على سلامة مسار الثورة، وتحقيق أهدافها.
السؤال الذي يمكن طرحه في هذا السياق: ما هي علاقة ثورتنا بجبهة النصرة؟ أو بالأحرى ما علاقة هذه الجبهة بالثورة؟ أي أن هذا السؤال لا علاقة له بأي خلفياتٍ، لا سياسية ولا فكرية، ولا بمواقف مسبقة، لا سلبية ولا إيجابية، إذ ينطلق من واقع موضوعي.
منذ قامت هذه الجبهة، شكلت حالة افتراق عن الثورة، فهي لم تر في نفسها جزءاً منها، ولم تتبنّ أهدافها، ولم تنضو في كياناتها، ولا حتى رفعت علمها، بل إنها ناهضت ذلك كله، معلنة انتماءها لتنظيم القاعدة، ولمشروع آخر مختلف، ومتبنّيةً ثقافةً غريبة عن ثقافة السوريين، ومنها الإسلام المعتدل والمسالم (وإن أعلنت افتراقها عنها أخيراً بتغيير اسمها)، أي أن هذه الجبهة لم تقطع مع الثورة السورية فقط، وإنما قطعت أيضا مع مجتمع السوريين متنوع ومتعدّد الثقافات.
المؤسف أن هذه الجبهة أيضاً ظلًت قريبة من "داعش"، حتى أن التنقل سهل جداً بينهما، وعلى الرغم من اقتتالهما في هذه المنطقة أو تلك، بين فترة وأخرى، إلا أنهما أقرب إلى بعضهما في الثقافة والأيديولوجيا السياسية، وفي التعصب الديني والإكراه والعنف في مواجهة المجتمع.
وللتذكير، ليست سيرة جبهة النصرة مع جماعات الجيش الحر أفضل حالاً، إذ إنها لعبت دوراً كبيراً في قضم المناطق التي كان يسيطر عليها هذا الجيش، وفي إضعافه وإنهاكه، بعد استهدافها له، ولمقرّاته ونهبها مستودعاته.
أيضا، المناطق المحرّرة التي تسيطر عليها هذه الجبهة (وبعض قوى أخرى) لم تستطع أن ترضي السوريين، باعتبارها بمثابة أنموذج بديل عن نظام الأسد، لأنها اعتمدت القوة والإكراه في فرض سلطتها، بل وتصوّراتها واجتهاداتها عن الدين والمجتمع والمرأة، وتدخلها الفظ في الشؤون والمسلكيات الشخصية، إذ نمّى ذلك كله مخاوف السوريين من مختلف المكوّنات من هذه الجبهة وإمكان تحكّمها بهم، وقد تم التعبير عن ذلك في مظاهراتٍ عديدة ضدهم في درعا ودمشق وسراقب والمعرّة مثلا.
لا أقلل من جهد الجبهة في مقاتلة النظام، لكن هذا الجهد قام به أبناؤنا الذين لم يجدوا أمامهم
وعليه، لا يجوز لهذه الجبهة، ولا لغيرها، أن تمنن على شعبنا بجهدها العسكري في مقاتلة النظام، لأن هذا لم يؤثر في تغيير موازين القوى منذ أكثر من أربعة أعوام، ولأن إمكاناتنا محدودة في العمل العسكري، والدعم العسكري يأتي بالقطارة. وأقصد أن على من اختار هذه الطريق أن يُخضعه للمساءلة والمحاسبة، وعليه أن يقدّر تضحيات شعبنا وعذاباته نتيجة هذا الطريق، فكيف إذا علمنا أن ذلك أتاح للنظام تحويل البيئات الشعبية إلى مناطق محاصرة، أو فارغةً بعد البطش بسكانها أو تشريدهم؟
الأهم أن هذه الجبهة، في ما تطرحه من أفكار، أثارت المخاوف عند كل مكونات السوريين منها، (وضمنهم السنة)، ومن الثورة عموماً، وأضعفت التعاطف الدولي مع قضيتنا، وأثارت الشكوك حول مطالبنا بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة.
أكرّر، ليست القصة ما تتبناه هذه الجبهة من أفكار، ولهذا نقاش آخر، وإنما في أنها لا تعتبر حالها جزءاً من الثورة، وأن لديها مرجعية أخرى، ومشروعاً مختلفاً، أيضاً في أن طريق هذا الجبهة يفضي إلى إعادة إنتاج الاستبداد، وفي أنها تعتبر نفسها وصيةً على الإسلام والمسلمين، وأنها ترى حتى الجماعات الإسلامية الأخرى، والتي تحظى بتأييد واسع، ضالةً أو منحرفة، وأنها تستخدم القوة والقسر لفرض رأيها.
ليست هذه دعوة إلى نفض اليد، وإنما لنقاش آثاره حديثٌ مع أصدقاء، مفعم بروح المسؤولية إزاء كيفية التعامل مع ظاهرة جبهة النصرة، بعد أن أضحت عبئاً على السوريين، بسبب مواقفها وتصرفاتها التي ثير مخاوفهم، وأيضاً بسبب المطالبات الخارجية. في النقاش المذكور، طرح سؤال مفاده إن كانت جبهة النصرة، وأخواتها، تستطيع إسقاط النظام في ظروف تشرّد أغلبية السوريين، وخروجهم من معادلات الصراع، وفي الظروف العربية والدولية والإقليمية الراهنة؟ وفعلاً، يجيب سؤالٌ كهذا على كل شيء، فمن غير المسموح لهذه الثورة أن تسقط النظام وفق منطق هذه الجبهة، ومن غير المسموح تمكين هذه الثورة من تحقيق هدفها بإسقاط النظام من دون التكيف أو المواءمة مع معايير الواقع الدولي والإقليمي الراهن.
في هذا الوضع، لا مناص من إبداء الضغط على هذه الجبهة، أو على العناصر الخيّرة فيها، لترشيدهم إلى هذا الواقع الصعب، ووضعهم أمام خيار الانحياز لمصلحة شعبهم، للتخفيف من معاناته وعذاباته، إذ لن يجدي الإمعان في الطريق الأحادي والإقصائي، ولن يوصلنا إلى شيء، بل هذا يفيد النظام، ويخدم تعويمه، سيما أنه كان، منذ البداية، يجرّنا إلى حربٍ أهلية وطائفية لنعت الثورة بالإرهاب، وبالحرب الدينية.
لذا، من مصلحة شعبنا وثورتنا وضع حد لهذا الإرباك، الناجم عن وجود جبهة النصرة، وتجاوز تداعيات الموقف الدولي والإقليمي المناوئ لها، بتأكيد الطابع الوطني الديمقراطي لثورتنا من أجل الحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، ولاسيما بوضع حد لتشرذم الكيانات العسكرية، من خلال الانصهار في كيان واحد يكون هدفه تحديداً حماية البيئات الشعبية الحاضنة للثورة.
وعلى الرغم من أني لا أعتبر أن الثورة أتت من رحم الكفاح المسلح، بل إن ذلك جاء في معرض الرد على انتهاج النظام أقصى العنف ضد الثائرين بوجه استبداده وقمعه وتنكّره لاستحقاقات الحرية والكرامة والمواطنة التي طالبه بها الشعب السوري، إلا أنني أجد نفسي مضطرةً للتعامل مع هذا الواقع على أرضية الحفاظ على سلامة مسار الثورة، وتحقيق أهدافها.