تحاول السعودية العودة إلى الساحة العراقية عبر الملف الاقتصادي، وذلك بعدما انتهت خريطة التحالفات السياسية في العراق إثر الانتخابات البرلمانية، إلى دخول قوى سنّية في تحالف مع معسكر "البناء" المدعوم إيرانياً، لتبدو الرياض أكبر الخاسرين.
وجاءت زيارة وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، أمس السبت، إلى العاصمة العراقية بغداد، في هذا السياق، فعلى الرغم من أن الملفات التي بحثها تتعلق بالتعاون الاقتصادي بين البلدين، لكنها كانت بأبعاد سياسية. وكشف مسؤول سياسي عراقي، لـ"العربي الجديد"، أنّ الطرفين العراقي والسعودي "بحثا إمكانية التعاون في مجال تزويد العراق بالطاقة الكهربائية، بعدما كانت المملكة قد رفضت ذلك في الصيف الماضي"، موضحاً أن "السعودية تريد من خلال هذا الملف أن تكسب ثقة حكومة عادل عبد المهدي، من خلال عرض التعاون في مجال توفير الطاقة الكهربائية، لسد النقص الحاصل فيها في العراق، والتي تعدّ من أكبر التهديدات الخطيرة التي يواجهها عبد المهدي، وقد تدفع باتجاه تظاهرات ضد الحكومة في كل صيف".
هذا الحراك يأتي بعدما أنتجت الانتخابات البرلمانية معسكرين سياسيين رئيسيين في بغداد، أكبرهما "البناء" الذي تدعمه طهران ويملك أكثر من 140 مقعداً برلمانياً، وتشكّل من تحالف "الفتح" الممثل السياسي لمليشيات "الحشد الشعبي" بزعامة هادي العامري و"ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي أبرز رموزه، قبل أن تلتحق به بشكل مفاجئ وغير مسبوق، كتل سياسية سنّية، لترجح كفة هذا المعسكر في صراعه مع الأطراف المقابلة، وهم مقتدى الصدر وحيدر العبادي وإياد علاوي.
وكانت الكتل السياسية السنّية تلك قد تلقت خلال الانتخابات العراقية وما سبقها من حملات انتخابية، دعماً سخياً من الجانب السعودي، وتحديداً من الوزير ثامر السبهان، الذي أشرف على تنظيم عدة مؤتمرات لقوى عربية سنّية عراقية، مرتين في أنقرة، وثلاث مرات في العاصمة الأردنية عمّان، بغية دخولها في تحالف واحد لمناكفة إيران، فيما استثنيت كتل سياسية سنّية أخرى من الدعم.
تلك القوى التي تلقت مبالغ مالية من السعودية خلال عام واحد "تكفي لإعمار مدينة كاملة من تلك المدن المحررة من قبضة تنظيم داعش، سرعان ما تخلت عن حلفها مع الرياض والتحقت بقوى محسوبة على طهران"، بحسب زعامات سياسية عربية في بغداد تحدثت لـ"العربي الجديد"، قائلة إن ذلك حصل بسبب سوء السياسة الخارجية السعودية تجاه العراق تحديداً، وعدم اختيارها الأشخاص المناسبين، معتبرة أن السبهان ساهم في تشرذم القوى السنّية بشكل أكبر من السابق.
وفي هذا السياق، يتحدث مسؤولون عراقيون وأعضاء في كتل سياسية لـ"العربي الجديد"، عن فشل الجهود السعودية في العراق والتي أطلقتها بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وقال عضو في تحالف "المحور" (السنّي)، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن أبرز الزعامات التي دعمتها الرياض الآن موجودة في المحور المدعوم من طهران، بعد ضمانات قدّمها الإيرانيون للقيادات السنّية خلال فترة المفاوضات في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين، تتعلق بسحب الفصائل المسلحة من مدن شمال وغرب ووسط العراق، ودعم مرشحهم للوصول إلى رئاسة البرلمان، ودعم حل ملف المختفين قسرياً وإطلاق سراح المعتقلين، وهو ما اعتبرته تلك القوى مكسباً لها.
والتحق 54 نائباً عن محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وكركوك وبغداد وبابل والبصرة، يُمثّلون المكون العربي السنّي، ويشكّلون تحالف "المحور"، بالتحالف الذي جمع زعامات مليشيات "الحشد" ونوري المالكي وفالح الفياض، ودعمه قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني والسفير الإيراني إيرج مسجدي بقوة للظفر برئاسة الوزراء. ومن أبرز زعماء "المحور"، رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، زعيم "حزب الحل" جمال الكربولي، زعيم "كتلة صلاح الدين" أحمد الجبوري، وزعيم "صحوات الأنبار" أحمد أبو ريشة، وخميس الخنجر، وغيرهم.
اقــرأ أيضاً
وقال عضو تحالف "القرار" أثيل النجيفي، لـ"العربي الجديد"، إن "الدعم السعودي للشخصيات السياسية السنّية، لم يكن في مكانه الصحيح، إذ إن المملكة دعمت سياسيين وشخصيات محددة، غير مقبولة لدى الجمهور العربي السنّي، بالإضافة إلى عدم قبولهم على المستوى السياسي المحلي، لذا فإن السعودية فشلت في احتواء البيت السنّي وجمعه بعد احتلال تنظيم داعش لمدن العراق". ولفت إلى أن "السعودية كانت تتصور أن الدعم المالي كافٍ لخلق زعامات، واعتقدت أن توجيه الأموال سيؤدي لحل مشاكل المكون السنّي، وبالتالي خلق حالة من الوحدة لدى أحزاب هذا المكوّن، ولكنها (السعودية) لم تتعامل بواقعية مع توجّهات الشخصيات السنّية وتاريخها وقبولها الشعبي في البلاد، فقد اتسم الدعم بطابع العلاقات الشخصية، من دون النظر إلى أهمية العمل السياسي".
وأضاف النجيفي أن "المرحلة الحالية التي تشهد عدم تجمّع الكتل السياسية على أساس المذاهب والطوائف، هو أمر صحي، لأن "تحالف القوى" سابقاً لم يخدم المجتمع السنّي إطلاقاً بل تسبّب بخلق أذى كبير، فقد كان يعتمد في عمله على مجاملة الفاسدين واضطرار التغطية على بعض الأمور الخاطئة بحجة جمع السُنّة"، مشيراً إلى أنه "ليس مهماً أن تجتمع الأحزاب السنّية في تحالف واحد، بل المهم أن يكون هناك توجه قياسي حقيقي يمكن أن يعود بالمصلحة على الشعب العراقي، إذ من الأصلح في مثل هذه الظروف أن تتشكل قوى سياسية متنوعة حتى يتمكن القضاء في العراق أن يحاسب المقصرين من دون تأثيرات حزبية".
من جهتها، قالت عضو "ائتلاف الوطنية" التابع لأياد علاوي، جميلة العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "الطبقة السياسية وتحديداً الشخصيات التي تسيطر على الحكم في العراق، كلها تعاونت مع الاحتلال الأميركي إبان غزو العراق عام 2003، وهي التي هدمت البنى التحتية للبلاد وعلاقاتها ومنظوماتها الاقتصادية، واليوم العراق متأثر بإيران ومصالحها، التي استطاعت خلق نفوذ كبير لمحاربة أميركا، وهو الأمر الذي أدى إلى تغيير شكل العملية السياسية، وأصبحت غالبية الكيانات السياسية في البلاد متأثرة بطهران وتوجهاتها".
واعتبرت العبيدي أن "السياسيين السنّة لا يعملون لخدمة مجتمعهم، كذلك الحال مع الساسة الأكراد الذين لا يفكرون بأوجاع المجتمع الكردي، والأمر ينطبق على الشيعة، فالمصالح الشخصية للكيانات السياسية هي الأهم، حتى وإن خضعت لإرادة دولية ما، والتوافقات على توزيع المناصب هو اللاعب الأبرز في كل ما يجري في العراق، حتى أصبحت مؤسسات الدولة هشة"، لافتة إلى أن "الدول الخليجية التي تدعم الأحزاب السنّية تريد الحصول على مكاسب هي الأخرى، والحال نفسه ينطبق على إيران التي تريد مصالحها عبر دعمها الأحزاب الشيعية".
أما المحلل السياسي العراقي غالب الشاهبندر، ففسر فشل السعودية في دعمها الأحزاب السنّية وتوحيد صفوفها، بأنها "تعاملت مع الشخصيات الخطأ". وقال لـ"العربي الجديد"، إن "المكون السنّي مليء بالقمم السياسية والرؤوس الكبيرة، والكيانات السنّية لها علاقات مهمة بدول الخليج وإيران والكويت، وهذا التعدد والتشعب خلق من شخصياتها رموزاً أصبحت قادرة على عدم الخضوع للإرادة السعودية"، موضحاً أن "جهود السعودية فشلت في جمع الأحزاب السنّية في مؤتمرات عمان وباريس وأنقرة، والرياض أخطأت كثيراً بملف التعامل مع السياسة العراقية، ولن تتمكن في المستقبل من جمع شتات الأحزاب السنّية في البلاد".
وجاءت زيارة وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، أمس السبت، إلى العاصمة العراقية بغداد، في هذا السياق، فعلى الرغم من أن الملفات التي بحثها تتعلق بالتعاون الاقتصادي بين البلدين، لكنها كانت بأبعاد سياسية. وكشف مسؤول سياسي عراقي، لـ"العربي الجديد"، أنّ الطرفين العراقي والسعودي "بحثا إمكانية التعاون في مجال تزويد العراق بالطاقة الكهربائية، بعدما كانت المملكة قد رفضت ذلك في الصيف الماضي"، موضحاً أن "السعودية تريد من خلال هذا الملف أن تكسب ثقة حكومة عادل عبد المهدي، من خلال عرض التعاون في مجال توفير الطاقة الكهربائية، لسد النقص الحاصل فيها في العراق، والتي تعدّ من أكبر التهديدات الخطيرة التي يواجهها عبد المهدي، وقد تدفع باتجاه تظاهرات ضد الحكومة في كل صيف".
هذا الحراك يأتي بعدما أنتجت الانتخابات البرلمانية معسكرين سياسيين رئيسيين في بغداد، أكبرهما "البناء" الذي تدعمه طهران ويملك أكثر من 140 مقعداً برلمانياً، وتشكّل من تحالف "الفتح" الممثل السياسي لمليشيات "الحشد الشعبي" بزعامة هادي العامري و"ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي أبرز رموزه، قبل أن تلتحق به بشكل مفاجئ وغير مسبوق، كتل سياسية سنّية، لترجح كفة هذا المعسكر في صراعه مع الأطراف المقابلة، وهم مقتدى الصدر وحيدر العبادي وإياد علاوي.
تلك القوى التي تلقت مبالغ مالية من السعودية خلال عام واحد "تكفي لإعمار مدينة كاملة من تلك المدن المحررة من قبضة تنظيم داعش، سرعان ما تخلت عن حلفها مع الرياض والتحقت بقوى محسوبة على طهران"، بحسب زعامات سياسية عربية في بغداد تحدثت لـ"العربي الجديد"، قائلة إن ذلك حصل بسبب سوء السياسة الخارجية السعودية تجاه العراق تحديداً، وعدم اختيارها الأشخاص المناسبين، معتبرة أن السبهان ساهم في تشرذم القوى السنّية بشكل أكبر من السابق.
وفي هذا السياق، يتحدث مسؤولون عراقيون وأعضاء في كتل سياسية لـ"العربي الجديد"، عن فشل الجهود السعودية في العراق والتي أطلقتها بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وقال عضو في تحالف "المحور" (السنّي)، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن أبرز الزعامات التي دعمتها الرياض الآن موجودة في المحور المدعوم من طهران، بعد ضمانات قدّمها الإيرانيون للقيادات السنّية خلال فترة المفاوضات في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين، تتعلق بسحب الفصائل المسلحة من مدن شمال وغرب ووسط العراق، ودعم مرشحهم للوصول إلى رئاسة البرلمان، ودعم حل ملف المختفين قسرياً وإطلاق سراح المعتقلين، وهو ما اعتبرته تلك القوى مكسباً لها.
والتحق 54 نائباً عن محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وكركوك وبغداد وبابل والبصرة، يُمثّلون المكون العربي السنّي، ويشكّلون تحالف "المحور"، بالتحالف الذي جمع زعامات مليشيات "الحشد" ونوري المالكي وفالح الفياض، ودعمه قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني والسفير الإيراني إيرج مسجدي بقوة للظفر برئاسة الوزراء. ومن أبرز زعماء "المحور"، رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، زعيم "حزب الحل" جمال الكربولي، زعيم "كتلة صلاح الدين" أحمد الجبوري، وزعيم "صحوات الأنبار" أحمد أبو ريشة، وخميس الخنجر، وغيرهم.
وقال عضو تحالف "القرار" أثيل النجيفي، لـ"العربي الجديد"، إن "الدعم السعودي للشخصيات السياسية السنّية، لم يكن في مكانه الصحيح، إذ إن المملكة دعمت سياسيين وشخصيات محددة، غير مقبولة لدى الجمهور العربي السنّي، بالإضافة إلى عدم قبولهم على المستوى السياسي المحلي، لذا فإن السعودية فشلت في احتواء البيت السنّي وجمعه بعد احتلال تنظيم داعش لمدن العراق". ولفت إلى أن "السعودية كانت تتصور أن الدعم المالي كافٍ لخلق زعامات، واعتقدت أن توجيه الأموال سيؤدي لحل مشاكل المكون السنّي، وبالتالي خلق حالة من الوحدة لدى أحزاب هذا المكوّن، ولكنها (السعودية) لم تتعامل بواقعية مع توجّهات الشخصيات السنّية وتاريخها وقبولها الشعبي في البلاد، فقد اتسم الدعم بطابع العلاقات الشخصية، من دون النظر إلى أهمية العمل السياسي".
وأضاف النجيفي أن "المرحلة الحالية التي تشهد عدم تجمّع الكتل السياسية على أساس المذاهب والطوائف، هو أمر صحي، لأن "تحالف القوى" سابقاً لم يخدم المجتمع السنّي إطلاقاً بل تسبّب بخلق أذى كبير، فقد كان يعتمد في عمله على مجاملة الفاسدين واضطرار التغطية على بعض الأمور الخاطئة بحجة جمع السُنّة"، مشيراً إلى أنه "ليس مهماً أن تجتمع الأحزاب السنّية في تحالف واحد، بل المهم أن يكون هناك توجه قياسي حقيقي يمكن أن يعود بالمصلحة على الشعب العراقي، إذ من الأصلح في مثل هذه الظروف أن تتشكل قوى سياسية متنوعة حتى يتمكن القضاء في العراق أن يحاسب المقصرين من دون تأثيرات حزبية".
واعتبرت العبيدي أن "السياسيين السنّة لا يعملون لخدمة مجتمعهم، كذلك الحال مع الساسة الأكراد الذين لا يفكرون بأوجاع المجتمع الكردي، والأمر ينطبق على الشيعة، فالمصالح الشخصية للكيانات السياسية هي الأهم، حتى وإن خضعت لإرادة دولية ما، والتوافقات على توزيع المناصب هو اللاعب الأبرز في كل ما يجري في العراق، حتى أصبحت مؤسسات الدولة هشة"، لافتة إلى أن "الدول الخليجية التي تدعم الأحزاب السنّية تريد الحصول على مكاسب هي الأخرى، والحال نفسه ينطبق على إيران التي تريد مصالحها عبر دعمها الأحزاب الشيعية".
أما المحلل السياسي العراقي غالب الشاهبندر، ففسر فشل السعودية في دعمها الأحزاب السنّية وتوحيد صفوفها، بأنها "تعاملت مع الشخصيات الخطأ". وقال لـ"العربي الجديد"، إن "المكون السنّي مليء بالقمم السياسية والرؤوس الكبيرة، والكيانات السنّية لها علاقات مهمة بدول الخليج وإيران والكويت، وهذا التعدد والتشعب خلق من شخصياتها رموزاً أصبحت قادرة على عدم الخضوع للإرادة السعودية"، موضحاً أن "جهود السعودية فشلت في جمع الأحزاب السنّية في مؤتمرات عمان وباريس وأنقرة، والرياض أخطأت كثيراً بملف التعامل مع السياسة العراقية، ولن تتمكن في المستقبل من جمع شتات الأحزاب السنّية في البلاد".