فشل الجيوش العربيّة

04 فبراير 2015
اضطر السيسي لمضاعفة رواتب العسكريين لكسب ولائهم (getty)
+ الخط -
تخوض مجموعة من الجيوش العربية تجربة تُعتبر جديدة عليها. تواجه هذه الجيوش، في العراق ومصر وسورية ولبنان، حرب عصابات في وجه مقاتلين إسلاميين متشددين، من دون تجاهل الفوارق بين هذه التجارب، إن لجهة حجم هذه الجيوش وقدرتها وخبرتها العسكرية، أو لجهة الواقع الداخلي في كلّ بلد. أو لجهة الاحتضان الشعبي لهذه الجيوش.

فبينما يصل الدعم الشعبي للجيش اللبناني إلى أعلى مستوى ممكن، يتراجع هذا الدعم في سورية والعراق إلى مستويات متدنية ويقبع الجيش المصري بين هذين المستويين.

ومن الفوارق أيضاً مستوى التماسك لكلّ جيش. ففي سورية، انشق عدد من الجنود والضباط، من دون القدرة على تنظيم عمليّة انشقاق منظمة وواسعة، رغم قمع الجيش لثورة شعبية. أمّا في العراق، فانهار الجيش معنوياً، واستسلم (مدينة الموصل نموذجاً) بشكلٍ مفاجئ جداً وحاد. أمّا في مصر، فاضطر الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مضاعفة رواتب العسكريين لكسب ولائهم، وضمان استمرارهم في المعركة، وهو مؤشر على ضعف الحالة المعنوية للجنود وفشل أساليب التعبئة الداخلية. وجاءت خطوة السيسي هذه بعد إعلانه عن ضرورة التقشف. أما في لبنان، فالحالة المعنوية للعسكريين جيدة، نتيجة الاحتضان الواسع، ولم تضطر السلطة إلى رفع الرواتب، رغم أحقية العسكريين بهذا الأمر.

ماذا عن التشابه بين هذه التجارب إذاً؟ قدّم الجيش السوري التجربة الأولى (الحديثة) في قمع حراك شعبي، بحيث يؤدي هذا القمع إلى توجه المعترضين إلى السلاح لحماية أنفسهم. مع تقدم الأشهر وانعدام الأفق، ولأسباب مختلفة، صار المتشددون الإسلاميّون اللاعب الأقوى في الساحة السورية المعارضة للأسد. أمّا في العراق، فقد دفع رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، العشائر السنية دفعاً إلى أحضان تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش). اللافت أن السيسي يُكرّر الخطأ عينه الذي قام به المالكي، عبر رمي عشائر سيناء في أحضان "داعش".

الصورة في لبنان تختلف قليلاً، وإن كان هذا البلد الصغير يعيش تداعيات ما جرى في سورية، والإدارة اللبنانيّة الرسمية القاصرة عن مواجهة هذه التداعيات، ثم دخول حزب الله إلى جانب النظام السوري. لكن الجيشين المصري واللبناني كرّرا الخطأ السوري والعراقي، عبر إذلال جموع الناس، وهو ما ينطبق على أبناء سيناء، أو اللاجئين السوريين في لبنان.

المثير للاهتمام، أن هذه الجيوش فشلت في حسم المعركة عسكرياً. ذهبت سورية والعراق إلى خيار وضع ميليشيات مذهبية في وجه المتشددين الإسلاميين، وهو أمر يُعزّز من قوة هؤلاء المتشددين. لاحقاً، حاولت الولايات المتحدة إعادة إدماج السنة في محاربة "داعش". أما في مصر ولبنان، فلا يزال البلدان في المرحلة الأولى وأمامهما خياران: إما الركون إلى المعالجات ذات الطابع الفئوي، والتي ستؤجج الصراع، وتدمّر البلدين، أو سلوك الطريق الأطول والأصعب، لكن الأكثر منطقيةً، وهو إعادة صياغة عقد اجتماعي جديد، وإعادة الاعتبار لقيمة المواطنية التي تساوي بين الجميع، لسحب كلّ الذرائع من أيدي التكفيريين.