فرنسا والنهضة وزيارة الغنوشي: توافق الانتخابات التونسية

21 مايو 2019
لا يمكن إبعاد النهضة والغنوشي (فتحي بعيد/فرانس برس)
+ الخط -



في خضمّ انشغال فرنسا بالانتخابات الأوروبية المقررة بين 23 مايو/ أيار الحالي و26 منه، تمّت زيارة وفد حركة النهضة برئاسة راشد الغنوشي لباريس بين 14 و20 مايو الحالي، الذي عقد لقاءات مع مسؤولين في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة الخارجية، والجمعية الوطنية (البرلمان) ومجلس الشيوخ الفرنسي، ومجموعة من رموز السياسة الفرنسية. لقاءات حضرت فيها مواضيع اقتصادية وسياسية خاصة بتونس، فضلاً عن بحث الملف الليبي جراء الحرب في طرابلس، التي أشعلتها مليشيات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر. عاد الوفد بانطباعات جيدة، بحسب تأكيدات عضو المكتب السياسي للحركة رضا إدريس لـ"العربي الجديد"، كاشفاً أنه "تمّ إعداد الزيارة منذ ثلاثة أشهر، وجاءت برغبة من الطرفين". وتحدث إدريس عن "أهمية الشريك الفرنسي على الصعيد الاقتصادي، ولا سيما أن الميزان التجاري بين البلدين هو في صالح تونس". كما تحدث عن البعد السياسي للعلاقة بين البلدين، معرباً عن اعتقاده أن "فرنسا صادقة في دعمها للخيار الديمقراطي في تونس، وخصوصاً في سياق إقليمي صعب".

وأضاف إدريس أن "الوفد كان حريصاً على الدفاع عن السياسة الخارجية للدولة التونسية، التي يعبّر عنها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ووزارة الخارجية". ولفت إلى أن "الوفد دافع عن المكاسب التي تحققت على الصعيد السياسي، لكنه توقف مطولاً عند الأزمة الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد التونسي". كما لم يخف إدريس أن "المحادثات تطرقت للملف الليبي"، إذ ندد وفد النهضة بالهجوم الذي قام به حفتر على العاصمة طرابلس. وبيّن أن "من بين الذين التقى بهم الوفد، أورليان لوشوفاليه، المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أكد أن باريس ليست منحازة لطرف ضد الآخر، كما أنها ليست مع إقصاء حفتر أو رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج أو حكومته المعترف بها دولياً". وأشار إلى وجود اتفاق بين "النهضة" والإيليزيه، مفاده بأن الحلّ في ليبيا لن يكون إلا سياسياً.



وأظهرت الجولة الفرنسية أن "النهضة" تواصل سياستها الهادفة إلى اختراق الساحات الأوروبية والأميركية تحت عنوان "الدبلوماسية الشعبية"، من أجل "تعزيز جهود الدبلوماسية الرسمية ضمن السياسات الخارجية الكبرى للدولة ومصالحها العليا"، ولكن في الوقت نفسه تسعى الحركة في خط مواز إلى إفشال محاولات عزلها دولياً، وتعميق الثقة في دورها الأساسي داخل الساحة التونسية، وأيضاً في قدرتها على المساهمة في حل بعض المشكلات الإقليمية مثل الملف الليبي. أما فرنسا فهي قلقة بسبب انهيار حلفائها الطبيعيين في تونس. فالبلاد مقبلة بعد أشهر قليلة على تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة، وسيكون هذا الاستحقاق فاصلاً في مرحلة الانتقال الديمقراطي.

وفيما يشهد المعسكر القريب من فرنسا وأوروبا تراجعاً ملحوظاً، يدرك الدبلوماسيون الأوروبيون في تونس أنّ الحزب القوي الذي بقي في الساحة من دون أن ينقسم وتفتك به الخلافات الداخلية هو حركة "النهضة". وقد عزّز لديهم هذا المشهد القناعة بأنه لا يمكن إقصاء الحركة بل على العكس يجب العمل على "ترويضها" والتعامل معها بمسؤولية، ولمَ لا تحويلها إلى "شريك" موثوق به. وبذلك تكون "النهضة" في طريقها نحو تحقيق هدف أساسي من أهدافها، يتمثل في الاندماج ضمن اللعبة الإقليمية لاعباً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه أو شطبه.

هذا "الإنجاز" يقلق خصوم "النهضة"، الذين يحرصون على البقاء جسراً وحيداً يربط تونس بأوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً. هؤلاء لا يريدون التسليم بأن قواعد اللعبة قد اختلفت عما كانت عليه في السنوات الماضية.
ويحسب للوفد الذي مثل الحركة في باريس، أنه خاطب الأطراف الحاكمة باللغة التي يفهمونها ويستسيغونها. تحدث الوفد عن "دستور تقدمي، ديمقراطي، توافقي يحفظ حقوق التونسيين وحرياتهم، ويؤسس لدولة القانون والمواطنة والمساواة وتشكيل مؤسسات وهيئات دستورية مستقلة". وأكد الغنوشي في كلمة ألقاها في المؤسسة الفرنسية للعلاقات الخارجية، تمسك حركته بـ"سياسة التوافق وحرصه على تثبيتها لتشمل كل فضاءات الشأن العام وتوسيعها لتتّسع للجميع، إسلاميين وعلمانيين وقديماً وجديداً، بديلاً عن منطق الإقصاء والاستقطاب الذي ساد تجارب مماثلة فتعثرت". كما دافع عن "الواقعية السياسية لأهمّ النخب التونسية، التي عرفت كيف تدير خلافاتها تحت قبة البرلمان وفي الفضاء السياسي العام بديمقراطية توافقية، حافظت على الحدّ الأدنى لتواصل العملية السياسية ومنعت التوقف أو الانهيار".

وأكد "الحفاظ على الدولة والإدارة وإبقاء المؤسسة العسكرية على حيادها، وإصلاح المنظومة الأمنية لتتحوّل إلى أمن جمهوري يحمي النظام العام كما يحمي كرامة التونسيين وحقوقهم وحرياتهم". إذاً، رأى مراقبون أن "ما يجب أن يدركه عموم الفاعلين السياسيين في تونس، هو أن أسلوب تخويف الغربيين من حركة النهضة لم يعد يجدي. لقد فقد هذا السلاح مفعوله ولم يعد يقنع الجهات الأوروبية. وما حققه الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي سابقاً لم يعد مستساغاً، والقول بإمكانية بناء ديمقراطية في تونس من دون الإسلاميين لم يعد وارداً على الأقل خلال الزمن المنظور".



المساهمون