فرنسا لا تُختصر في شعار "أنا شارلي"

21 يناير 2015
دوبريه: لسنا في حالة حرب (جويل ساجيه/فرانس برس)
+ الخط -
في ظلّ أجواء الغضب الشديد، الذي يجتاح البلدان الإسلامية، بسبب تعمّد صحيفة "شارلي إيبدو"، وطاقمها الجديد، معاودة نشر رسومات عن النبي محمد، في موازاة انحسار حالة الحزن والحداد في فرنسا بعد الاعتداءات الأخيرة، خرج رئيس الوزراء السابق، دومينيك دوفيلبان عن صمته، ليقول إن "فرنسا لا يمكن أن تُختصر في شعار أنا شارلي".

وجاء كلام دوفيلبان، في مقابلة مع صحيفة "لوفيغارو"، أمس الثلاثاء، ردّ فيها على تصريحات رئيس الوزراء، مانويل فالس، الذي اعتبر أن "فرنسا في حالة حرب". وقال إن "التعبئة الوطنية والشعبية شكّلت قفزة مؤثرة، والشعب اختار الوفاء لفرنسا. وهذا الخيار، يبدو لي الأصحّ والأكثر توفيراً للحماية".

واعتبر أن "الإرهاب ينصب فخّاً لنا، ويريد دفعنا إلى ارتكاب الأخطاء، بينما يكمن الخطأ في وصف ما يجري بالحرب. يريد فالس خلط وتجميع الحساسيات المختلفة، من خلال الاعتماد على أشكال من التعاطف وعلى شعور الإهانة والرفض".

ولفت إلى أن "معركة فرنسا هي معركة أمن، ولكنها معركة وحدة وطنية أيضاً". ولا يخفي دوفيلبان ضرورة "قيام المسلمين في فرنسا بإصلاحات، وتنظيم أنفسهم بشكل أفضل". وشدد على أهمية "تكوين الأئمة والاعتماد على أموال داخلية تُجنّب التبعية للخارج". وقدّم دوفيلبان نصيحته للمرحلة المقبلة من السياسة الخارجية الفرنسية، فذكر أنه "لا يُمكن حصر أجوبتنا الدبلوماسية الوحيدة في إرسال الجيش. الحلّ العسكري يجب أن يكون مُصاحباً برؤية سياسية واستراتيجية. إن الجهاديين يرتكزون على ماضينا الاستعماري، ويعثرون على وسيلة، كي يؤكّدوا للسكان المسلمين، بأننا نريد مرة أخرى ممارسة الهيمنة عليهم".

وحول قضية "أنا شارلي"، يخرج دوفيلبان برأي مخالف لما يُشبه الإجماع حوله، ويقول "لا يتعلق الأمر بالتخلي عن قِيَمنا، ولكن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار، مع الحذر الضروري، النتائج المرئية لعدد من الأعمال. يوجد سوء فهم جرى حول شعار أنا شارلي، في التظاهرات. شعار أنا شارلي، لا يمكن أن يكون خطاب فرنسا الوحيد. يجب على الدولة الفرنسية أن تدافع عن حرية التعبير، ولكن الأمر لا يعني تحمل مسؤولية الرسوم عن النبي محمد أو عن أي دين آخر".

ولا يغيب عن دوفيلبان مسؤولية فرنسا والدول الغربية، في الفوضى الحالية في العالم العربي، بعد بزوغ "الربيع العربي"، ويُطالب باستخلاص الدروس: "لقد دفعنا حركات ديمقراطية إلى إطاحة أنظمة استبدادية. وبما أن هذه الأنظمة الجديدة حذّرتنا من انحراف ديني، قُمنا، من جديد، بدعم الأنظمة الاستبدادية. كيف يمكن لسكان هذه المنطقة الرؤية بوضوح؟".

ويرى أنه "على دول الشرق الأوسط والمغرب العربي، أن تكون في الخط الأول لمكافحة الإرهاب، كي لا نكرر الخطأ عينه الذي وقع في أفغانستان، حيث لم يكن التحالف مكوّناً سوى من بلدان غربية". وحول الدروس المُستفادة من المأساة، يعتبر دوفيلبان أنه "يجب أن تُترجم إلى أفعال سياسية وفردية وجماعية، فكل بلد يستطيع القيام بالحرب، أما أسلحتنا الحقيقية فتتجلّى في مبادئنا، شرط تطبيقها وابتكار طريق آخر مختلف عن طريق المواجهة".

من جهته، يرى المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه، في لقاء مع صحيفة "رقم واحد" الأسبوعية، في عددها الأخير، أن "حرية التعبير لم تكن أبداً غير مشروطة ولا مطلقة، بل يديرها القانون، قانون 1881 الذي ينصّ على أن كل مواطن يستطيع أن يكتب ويطبع ويرسم".

ويُشدّد أنه "يمكن أن تحدث، وقد حدث، عمليات شتم وتجريح وإهانة، ولكنها تظّل مؤطرة باللجوء إلى القضاء. إن ما يجب أن ندافع عنه الآن، هو دولة القانون، أكثر من الدفاع عن الحرية المجردة. الأسوأ هو تقليد (الرئيس الأميركي السابق جورج) بوش".

ويضيف أن "تشبيه اعتداء شارلي إيبدو بـ11 سبتمبر/أيلول الأميركي، يظهر الفخ الذي وقعت فيه نُخبنا. فإضافة إلى المبالغة الحدثية، فهو أيضاً المثال النقيض. فـ11 سبتمبر برّر التعذيب والتدخلات العسكرية، التي لا معنى لها، وأجّجت الجهاديين ومنحتهم قاعدة شعبية. أشعر بالذهول حين يُطلَب منا التصرّف على الطريقة الأميركية. هل سنخترع سجناً شبيهاً بغوانتانامو؟ وهل سننشئ سجن أبو غريب جديداً ونحوّل الضاحية 93 (قريبة من باريس وتعج بالأجانب) إلى غيتو؟ إنه صراع حضارة، نعم، ولكننا لن نربح إذا خُنّا حضارتنا. علينا عدم الاستسلام لردود الفعل الهستيرية والانفعالية والغربويّة (من الغرب)".

وعن مشاركة فرنسا في التدخل الدولي في العراق ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، يرى دوبريه أنه "إذا أرادت فرنسا أن تشارك في عمليات خارجية فعلينا، قبل كل شيء، تأمين موافقة البرلمان. إن مفهوم أوبيكس (العمليات الخارجية)، لا معنى له، لأن بلداً توجد في حرب هو بلدٌ مُعرّضٌ لأن يعاني. وإذا تبنّينا حرباً أميركية في الشرق الأوسط، فلا يجب أن نقوم بها بشكل خفيّ. لا أناقش هنا شرعية هذه التدخلات، التي كنتُ أدينها منذ اليوم الأول، ولكن في حرب غير متناسقة سنتلقى ضربات شريرة".

ويرفض دوبريه تعبير "فرنسا في حرب"، التي يكررها فالس واليمين الفرنسي، ويرى أنه "تعبير ديماغوجي وغير نظيف"، ويُبدله بعبارة "صراع، أو مواجهة. فالمسألة متعلقة بشرطة واستخبارات. أنا لا أرى وحدات مصفّحة تدخل الأراضي الفرنسية. يُمكن لـ500 معتوه أن يتسببوا في بعض الأذى، ولكن الأمر لا يتعلق بالرايخ الثالث. لنبتعد عن الهذيان، ولنتذكر أنه لا توجد حروب عادلة، إلا الدفاعية منها، فالحروب الإمبريالية تنتهي بشكل سيء".

والسؤال الجوهري الذي يجب طرحه، وفقاً لدوبريه هو "كيف يمكن تأكيد الذات من دون إنكار الآخر؟ وكيف يُمكن تحمّل المسؤولية من دون الانطواء على الذات، أي التحرّك داخليّاً والتفكير بشكل شامل؟ بما يُسمّى الوطنية الجمهورية؟". ويضيف "لا تعتبروني من نوع المثقف العام، الذي يمنح دروساً أخلاقية، لست سوى كاتب ثانوي، ساذج في نافذته، ينقصُه توقّد الذهن".
المساهمون