وفي نوع من الارتياح الظاهر، بسبب خفوت الحراك الاجتماعي، مدعوماً بنتائج جيدة حققتها الأغلبية الرئاسية في الانتخابات الأوروبية، خاطَب فيليب كل أعضاء الحكومة ونواب الأغلبية، قائلاً: "أنا فخور بما أنجز حتى الآن، فالبطالة في انخفاض منذ عشر سنوات والقدرة الشرائية نشيطة منذ عشر سنوات"، مُضيفاً "فعلنا الكثير في سنتين، ولا يزال أمامنا كثير من الأشياء التي نستطيع فعلها".
ورأى أن الفرنسيين محتاجون إلى إجراءات قوية من أجل الاستجابة لمطالبهم الشعبية وأيضاً من أجل التهدئة. وقال في هذا الصدد: "ثمة حالة استعجالية. وهذه الحالة الاستعجالية توحّدنا".
ولم يُخْفِ رئيس الحكومة أن الأمر يتعلق بالفصل الثاني من ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون، معلناً ترحيبه بكل من يأتي إلى الأغلبية الرئاسية، في إشارة إلى الملتحقين، خاصة من اليمين ومن يمين الوسط، مستدركاً: "توجد ثقافة يسار، وثقافة يمين، لكن هل تكفي من أجل تطوير الحوار؟".
ثم تطرق فيليب إلى الملفات الكبرى، التي ستشتغل عليها الحكومة فيما تبقى من ولاية ماكرون، وعلى رأسها الملف الإيكولوجي، مؤكِّداً منذ البداية أنه "لا احتكار لأحد على الملف الإيكولوجي"، داعيا إلى "تسريع إيكولوجي"، في الأشهر الاثني عشر القادمة، معبراً عن قناعته بأنه "من الممكن إيجاد نموذج اقتصادي ينتج الشغل دون أن يُلوِّثَ".
ووعد بمنح الفرنسيين "وسائل التدفئة من دون التلويث ومن دون إنفاق أكبر"، معرباً عن الأمل في "تحقيق مائة في المائة من البلاستيك المعاد تدويره".
ورأى أن الانتقال الإيكولوجي يحتم على الحكومة الدفاع عن المناخ وفي نفس الوقت القدرة الشرائية للفرنسيين.
وبعيداً عن الآمال الحكومية، يبقى الشيء الملموس في هذا المجال، إعلانه على أن الإدارات الحكومية "ستحظر كل المواد البلاستيكية المعاد تدويرها، ابتداء من السنة القادمة".
ثم تطرق لقضية العدالة الاجتماعية، معتبراً أنها تعني "إتاحة المجال للجميع للوصول إلى الشغل".
وفي هذا الصدد أعاد التذكير بما كان معروفاً من قبل من "خفض الضرائب عن الفرنسيين، خلال ولاية ماكرون، بما يعادل 27 مليار يورو"، وهي تتضمن "إعفاء كل الفرنسيين، من الآن إلى 2023، من الضريبة على السكن"، وتعني أيضاً، "خفض الضريبة على الدخل، بمقدار 350 يورو عن كل بيت، بالنسبة للقسم الأول". ولم يكشف رئيس الحكومة عن الطريقة التي ستعوض بها الحكومة الأموال التي صرفتها من أجل تعزيز القدرة الشرائية، والرد على طلبات الفرنسيين الملحة.
ثم تحدّث عن الظروف الصعبة التي تعرفها أقسام المستعجلات في المستشفيات الفرنسية، والتي تعرف إضرابات منذ ثلاثة أشهر، منوّهاً بأنها تعرف مشاكل عميقة، ومشيراً إلى خطة وزيرة الصحة لمعالجة الأمر، وهي خطة لا تقنع المعنيين بالأمر، والذين يطالبون بلقائها لعرض مطالبهم.
وفيما يخص سن التقاعد، أكد رئيس الحكومة أنه سيظل 62 سنة، ولكن الحكومة ستكشف عن "سنّ توازُن من أجل الحصول على التقاعد"، أي الحصول على تقاعد كامل، والراجح أن تصل السن إلى 64 سنة.
ومن ضمن التحديات المجتمعية التي يجب التصدي لها عدّد رئيس الحكومة الأولويات، ومنها مكافحة المتاجرة بالمخدرات، وبالطبع كانت "الإسلاموية" حاضرة في خطاب رئيس الحكومة، فكشف عن طرد 300 شخص متطرف في الـ 18 شهراً الماضية، وعن "إغلاق أماكن عبادة راديكالية"، ثم محاربة الإسلاموية الراديكالية على الشبكة.
كما تحدث عن تنظيم "الإسلام الفرنسي"، وهي المشكلة التي تؤرق كل الحكومات الفرنسية، فأكّد أنها موضع بحث، ولم يَستثن احتمال تقديم "مشروع قانون لتنظيم الدين الإسلامي"، وهو ما ترفضه تيارات واسعة من مسلمي فرنسا.
وكانت الهجرة حاضرة، أيضاً، فأكد رئيس الحكومة على ضرورة التنسيق بين الدول الأوروبية، وعلى تغيير معاهدة شينغن. وفيما يخص حق اللجوء، أكد على ضرورة "التأكد من أن طالبي اللجوء يختارون فرنسا بسبب قِيَمها"، وليس لأسباب أخرى، منها رفض طلباتهم في بلدان أخرى، ووعد بتنظيم "حوار سنوي حول اللجوء والهجرة".
المستجد الثاني يتضمنه مشروع القانون حول أخلاقيات علم الحياة، فهو تأكيد فيليب، أن حكومته ستسمح لكل النساء باستخدام "المساعدة الطبية للإنجاب"، وبالتالي فإن مشروع القانون حول هذا الموضوع، سيتم تبنيه في مجلس الحكومة، في يوليو/تموز القادم، قبل أن يُعرَض على البرلمان في سبتمبر/أيلول القادم. وهنا لا بد من التأكيد على أنه موضوع لا يثير توافق الجميع، إذ ترفضه تيارات يمينية مهمة، لكن ماكرون، الذي وعد بتنفيذه في برنامجه الانتخابي، سيعتمد إلى جانب نواب أغلبيته، على أصوات اليسار الفرنسي لتمريره.
وأخيراً، فيما يخص الإصلاح الدستوري، العزيز على قلب ماكرون، فقد فتح رئيس الحكومة الباب لتأجيله إلى ما بعد انتخابات مجلس الشيوخ، سنة 2020، في انتظار حصول توافق بين الحكومة ومجلس الشيوخ، الذي تديره الأغلبية اليمينية.
ثقة البرلمان
وكما كان متوقعاً، حاز فيليب بعد خطابه، بفضل الأغلبية الرئاسية في مجلس النواب، على ثقة نواب الأمة، وذلك بحصوله على تأييد 363 صوتاً، ومعارضة 163 نائباً.
والشيء المثير للانتباه، في هذا التصويت، هو أن رئيس الحكومة، ورغم كل التحديات القاسية التي تعرَّض لها ماكرون وحكومته، حصل، مساء اليوم، تقريباً، على أصوات مماثلة، لما كان قد حصل عليه في خطابه الأول حول السياسة العامة، في 4 يوليو/ تموز 2017، إذ أيَّدَه، حينها، 370 نائباً برلمانياً.
وتميزت النقاشات التي أعقبت خطاب رئيس الحكومة الفرنسي، بمداخلة قوية لزعيم "فرنسا غير الخاضعة"، جان لوك ميلانشون، وهي أول تصريح له، بعد الانتخابات الأوروبية التي شهدت تحقيق حركته السياسية لنتيجة مخيّبة للآمال، 6 في المائة تقريباً، وهو ما حرمه من ادعاء الهيمنة على اليسار الفرنسي. وأكد ميلانشون المعروف بأنه من أهم الخطباء المفوهين في فرنسا، رغم حالة الوهن البادية عليه، موجِّهاً خطابَه لرئيس الحكومة، إدوار فيليب: "إن محاربَتكم هي أداءُ واجِبِنَا".
ويأتي ظهور ميلانشون وخطابه ليؤكد أنه لا يزال حاضراً في المَشهد السياسي، بعد إشاعات كثيرة تحدّثتْ عن احتمال مغادرته الحياة السياسية الفرنسية، على غرار ما فعله لوران فوكييز، زعيم حزب "الجمهوريون"، اليميني، بعد تحقيق حزبه لنتائج وصفت بأنها "كارثية" و"زلزال سياسي".