فرنسا تربط حربها على "العدو" بين الداخل والخارج

16 يناير 2015
تعيش فرنسا أجواء حربية حقيقية (GETTY)
+ الخط -

أغلب الظنّ أن هجمات فرنسا المتواصلة، ستظلّ تطبع كل شيء في البلاد لفترة طويلة؛ في الإعلام والأمن والحياة السياسية عموماً، في ظل أجواء حربية حقيقية، مع سعي إلى ربط "الحرب على العدو الإرهابي في الداخل" الفرنسي، بتلك التي تشارك فيها فرنسا "في الخارج".

وليس من المبالغة في شيء القول إن هذا الامتحان العسير في فرنسا شكل "نبأً ساراً" للعديد من الصحف الفرنسية من الناحية الاقتصادية، مثل "شارلي إيبدو" ذاتها، التي انتقلت من حالة الإفلاس الكامل والاختفاء من المشهد الإعلامي والفكاهي، إلى صحيفة أكّد الرئيس الفرنسي أنها "حية وستظل حيّة"، وقطفت أكثر من 10 ملايين يورو (من المبيعات ومن الاشتراكات ومساعدات الدولة والأفراد وعائدات استغلال بعض المواقع للماركة التجارية "أنا شارلي"، من بينها أمازون وإي باي). وقد اضطرت "شارلي إيبدو"، لليوم الثاني، إلى إعادة طبع أكثر من 5 ملايين نسخة من عدد الأربعاء، بعد أن اختفى من الأكشاك، يوم الخميس، أيضا. كما سجلت صحيفة "ليبراسيون" ارتفاعا كبيرا في مبيعاتها، ونفدت في كثير من الأكشاك، شأنها شأن "لوكنار أونشنيه"، التي ساهمت التهديدات الإرهابية الساخرة أيضاً، التي قالت إنها تلقتها، في قفز مبيعاتها.

المعالجة الأمنية، حتى الآن، هي الحل الذي تركز عليه الحكومة الفرنسية، ويتم تنفيذه على عدة مستويات؛ فإضافة إلى استقدام 11 ألف جندي فرنسي لفرض الأمن، وأيضا الوعود الرئاسية بعدم المضي قُدُما في تقليص ميزانيات الجيش والأمن والاستخبارات، الذي كان مبرمجا، تمضي السلطات القضائية في مشروع عزل السجناء الراديكاليين والجهاديين عن غيرهم، خوفا من انتقال عدوى التطرف إلى المساجين "العاديين".
كما أن المجال التعليمي، هو الآخر، ليس غائبا عن مراقبة صارمة من قبل الاستخبارات الفرنسية. وإذا كان رئيس جامعة باريس السادسة، جان شامباز، يعترف بأنه "من الصعب مراقبة كل الطلبة"، لأن وظيفة الجامعة، هي قبل كل شيء، "تكوين الطلبة ومساعدتهم على ولوج سوق العمل"، فإن جان- لو سالزمان، رئيس جامعة باريس 13، سابقا، ورئيس مجلس رؤساء الجامعات، حاليا، يعترف بـ"وجود تعاون وثيق بين الجامعات الفرنسية والأمن الوطني منذ سنوات". ويقول "نعم، إن الجامعات تعمل، عن طريق مراسل، مع موظفين كبار في الدفاع والأمن، إضافة إلى بعض الأجهزة المتخصصة في وزارة الداخلية، من أجل رصد طلبةٍ خَطِرين".

باتريوت آكت فرنسي

إذا كانت مختلف التصريحات الرسمية والعديد من تصريحات زعماء اليمين، تؤكد أن فرنسا لن تطبق سياسة "باتريوت آكت"، وبالتالي لن تنجرّ إلى تقليد أميركا بعد تفجيرات 11 سبتمبر /أيلول 2001، فإن كثيرا من الإشارات تشير إلى انزلاق حكومي نحوها. وضع سلطت افتتاحية صحيفة "لاكروا" الضوء عليه، أمس الخميس، حين كتبت أن "ذكاء الحكومة، من أجل ضمان الإجماع، تلخص في تبني الكثير من اقتراحات المعارضة اليمينية ومن اقتراحات ساركوزي، بشكل خاص، من أجل تكريس تطابُق وجهات النظر". ولكن الصحيفة تشير إلى أنه "من الصعب جدا التمييز بين الإجراءات الاستثنائية التي يطالب بها رئيس الوزراء، مانويل فالس، وبين إجراءات الاستثناء، التي يرفضها".
وتحذر الصحيفة المحسوبة على الكنيسة الكاثوليكية، من أن "تتحول إجراءات الاستثناء، بسرعة، إلى المؤقت الذي يدوم. وإن احترام القانون الصارم، في مثل هذه الظروف، يعتبر أفضلَ من الأمراض الاستثنائية ومن فخاخها العديدة".

ولم يكن موقف صحيفة "لوكنار أنشينيه" بعيدا عن صحيفة "لاكَرْوا" في هذا الصدد، حين عنونت مقالاً بعنوان: "باتريوت آكت، ولكن تقريباً"، أشارت فيه إلى مزايدات من قبل ساسة يمينيين، منهم نيكولا دوبونت، الذي طالَب بـ"حالة طوارئ" على طريقة ديكتاتوريات أميركا اللاتينية. في حين طالب إيريك سيوتي بـ"مراكز اعتقال" من أجل "إبعاد الخطر" عن الفرنسيين، بعد أن "ثبتت خطورة" هؤلاء "الإرهابيين". وتتساءل الصحيفة بقلق، إن كان يتوجب على فرنسا أن "تغير الدستور من أجل منع الجهاديين من الدخول إلى فرنسا وتجريدهم من الجنسية الفرنسية، كما يقترح ساركوزي". ولأن الحرب هي "في الداخل والخارج"، شاء الرئيس الفرنسي أن يعلن نشر 10 آلاف جندي وشرطي من أجل حماية المدارس والكنائس والمساجد والمعابد، من على متن حاملة الطائرات "شارل ديغول"، التي أرسلها "للقيام بعمليات في العراق بفعالية وكثافة أكبر، وسنعمل عن كثب مع قوات التحالف (الدولي)" ضد تنظيم "داعش"، وذلك "كردّ على الإرهابيين، نحن نحاربهم، وينبغي علينا استخدام الوسائل العسكرية المناسبة لمواجهة هذه التحديات".
واستغل هولاند انعقاد منتدى "النهضة الجديدة في العالم العربي"، الذي كان مقررا منذ فترة طويلة، في معهد العالم العربي، فقرر إدخاله في تحركاته وخطاباته، وألقى خطابا مؤثرا، أكد فيه على أن "المسلمين هم ضحايا الإرهاب الأوائل". وأشار إلى "مصير مشترك يوحّد العالم العربي وأوروبا، والإسلام متناسق مع الديمقراطية، في حين أن الإسلام الراديكالي يهدد المسلمين أولا". وفيما يخص المسلمين في فرنسا، شدد الرئيس الفرنسي على أن لهم نفس الحقوق والواجبات مثل غيرهم، وبالتالي يجب حمايتهم. وأعلن أيضا أن النظام الجمهوري سيقمع كل اعتداء على كل من يهدد المسلمين وغيرهم وكل من يعتدي على أماكنهم الدينية، وشدد على أن هذه الصرامة في محاربة معاداة السامية والعنصرية (لم يشر إلى الإسلاموفوبيا) ستكون "قضية وطنية". ولم ينس الرئيس الإشارة إلى الصراع العربي- الإسرائيلي، فقال إن فرنسا "اتخذت بادرة لحل قضية الصراع في الشرق الأوسط". ولفت إلى "واجب التضامن مع الشعوب العربية"، وكرر فهمه للصراع في سورية، وأكد، مرة أخرى، أن "السبب فيما يحصل (في إشارة إلى اتساع نفوذ داعش) يعود إلى عدم حل المسألة السورية"، متهماً المجتمع الدولي "بالتلكؤ في اتخاذ المواقف". ولخّص الأمر في سورية بالقول: "نظام سوري يقمع شعبه، ومعارضة إرهابية".