وقف هذا النزيف، بشكل جذري، هو الهدف الرئيسي للاجتماع الوزاري الذي سيعقد بعد ظهر اليوم، الثلاثاء، في مقر رئاسة الحكومة، بحضور وزراء التربية الوطنية والعدل والداخلية والإسكان وحماية الطفولة، إضافة إلى سكرتيرة الدولة من أجل المساواة بين النساء والرجال. وسيكون لقاء اليوم بداية اجتماعات ونقاشات، يحضرها وزراء معنيون وفاعلون على الأرض وجمعيات إضافة إلى عائلات الضحايا، وتدوم حتى 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
وسيكون الموضوع الرئيس وقف عنف الرجل ضد المرأة، وهو ما يعني، وفق تصريحات مارلين شيابا، سكرتيرة الدولة من أجل المساواة بين النساء والرجال، "إعلانات قوية"، من اليوم الأول، والتي سيكشف عنها إدوار فيليب، للتأكيد على جدية حكومته في مقاومة هذا الوباء، الذي نجحت حكومات أوروبية عديدة، منها إسبانيا، في لجمه، إلى أبعد الحدود.
وللتحسيس والتوعية بالعنف ومحاصرته، تم إطلاق رقم (3919)، هذا اليوم، لفائدة ضحايا العنف الزوجي، والذي روّجت له وسائل الإعلام ووضعه بعض مقدمي النشرات الإخبارية على ستراتهم وقمصانهم. وهو رقم سري ومجاني، في فرنسا من الساعة 9 إلى العاشرة ليلا، من الإثنين إلى الجمعة، ومن التاسعة إلى السادسة مساء، أيام السبت والأحد والعطل.
ووعيا من الحكومة بصعوبة الإلمام بالموضوع، وهو ما فرض حضور وزراء عديدين، تقرر تنظيم 10 مجموعات عمل، حول مواضيع رئيسية ثلاثة: الوقاية، ورعاية الضحايا، وأخيرا، معاقبة المسؤولين، وهو ما ستتفرع عنه مئات الاجتماعات المحلية تحت إشراف محافظي الأمن.
وإذا كان من الطبيعي أن تستثمر الحكومة في هذا الدخول السياسي لهذا الحدث، بشكل لافت، من خلال حضور وزراء عديدين، يترأسهم رئيس الحكومة، فالأمر لا يخلو من انتقادات، ليس مصدرها المعارضة السياسية فحسب، بل حتى المهتمين بهذا الموضوع والمناضلين منذ زمن من أجل تحريكه ووقف المآسي التي تضرب النساء في فرنسا.
وهو موقف لوك فريميوت، وهو مدع عام سابق، أطلق مع الممثلة إيفا دارلان، عريضة توقيعات "النساء في خطر"، في شهر يونيو/حزيران الماضي، والذي يرى أنها محاولة من الحكومة لكسب تعاطف الجمعيات التي تشتغل في هذا الميدان. وضرب مثلا على سلبية المواقف الحكومية، أي "الوقت الضائع"، انطلاقا من لغة الأرقام، ففي نهاية يونيو/حزيران كانت حصيلة ضحايا العنف الأسري تبلغ 70 امرأة، والآن تجاوز عدد الضحايا من النساء المائة (مقتل زوجة في سن الثانية والتسعين).
بينما صرحت إيفا دارلان، يوم الثلاثاء، بأن "هذا الاجتماع ليس ضروريا. إذ يكفي تفعيل القوانين الموجودة سلفا".
ويرى معظم منتقدي هذا الاجتماع الوزاري الكبير، أن "هذا الاجتماع لن يفعل سوى التحدث عن حلول نمتلكها منذ عشر سنوات"، كما تشدد كارولين دي هاس، الناشطة الاشتراكية السابقة. في حين أن النائبة البرلمانية عن "فرنسا غير الخاضعة"، والمناضلة المعروفة عن حقوق المرأة، كليمونتين أوتان، سخرت من أي تعزيز للترسانة القمعية، كما وعدت الوزيرة مارلين شيابا، التي صرحت لصحيفة لوباريزيان، يوم الثلاثاء، بأنه "يجب تشديد معاقبة مرتكبي جرائم قتل زوجاتهم"، وأكدت أوتان أن "القوانين موجودة وكافية، ولكن ما ينقص، إنما هي الوقاية، والأموال اللازمة لذلك..".
ويعدد منتقدو هذا الاجتماع عدم تفعيل قرارات موجودة سابقا، ومنها "هاتف الخطر الشديد"، وأيضا "السوار الإلكتروني"، الذي أقرّه قانون 2017، والذي يحول دون اقتراب الزوج العنيف من ضحيته، والتي فعّلته الجارة إسبانيا، بشكل ناجح، فلم يُجرَّب في فرنسا قط. كما أنه لا يصدر في فرنسا في السنة سوى 3000 أمر حماية، يتيح تمتيع الزوجة بالبيت الزوجي، مقابل 12 ألف أمر حماية في إسبانيا.
وتحاول سكرتيرة الدولة المكلفة بالمساواة بين النساء والرجال، مارلين شيابا، قبل بدء الاجتماعات، الكشف عن وسائل وإجراءات للتخفيف من معاناة النساء، ومنها افتتاح مقرات للإيواء تسَعُ 240 شخصا، إضافة إلى ما أعلنته يوم الخميس الماضي، عن إنشاء صندوق لدعم الجمعيات المحلية بقيمة 1 مليون يورو.
ولكن المشكل الذي تريد الجمعيات تسليط الضوء عليه، ودفع الحكومة لتقبله، ولكنه يصطدم بالميزانية ومدى استعداد حكومة ماكرون لصرف أموال في الوقت الذي تريد فيه جباية أموال جديدة لتعويض ما صرفته بعد حراك "السترات الصفراء" و"الحوار الوطني الكبير"، فهو إيجاد الإيواء للضحايا، إضافة إلى تكوين خاص للشرطة والدرك، ثم تفعيل العدالة وتنشيطها، بعد اتهامات لها بالبطء والإهمال، اللذين تسببا في مآسٍ إنسانية، كان يمكن تفاديها.
"نقص الأموال"، التي يجب إنفاقها في هذا الموضوع، هو السؤال الذي يربك السلطات، إذ إن مجموع ما تمَّ توفيره سنة 2018 اقترب من 80 مليون يورو، في حين أن الحاجيات الدنيا لرعاية الضحايا تتجاوز 500 مليون يورو، بل وتتجاوز 1 مليار يورو.
ولا شك أن هذا الحضور الوزاري الكبير، وكل الجلبة التي أثيرت من حوله، سيتمخضان، إذا ما أُخِذَت مطالبُ وهواجسُ الجمعيات وعائلات الضحايا بالاعتبار، عن إجراءات قوية وحاسمة، وهو ما وعدت به سكرتيرة الدولة المكلفة بالمساواة بين النساء والرجال، مارلين شيابا، حين تحدثت عن "سياسات عمومية جديدة وتمويلات"، ستتمخض عنها كل هذه الاجتماعات.