وقد واصلت قوات النظام، أمس الجمعة، وبمساندة كثيفة من الطيران الروسي، عمليات القصف العنيفة لمحافظة إدلب وغوطة دمشق الشرقية والتي حصدت خلال الأيام الأخيرة مئات القتلى والجرحى، ودمرت ما تبقى من بنى تحتية في هاتين المنطقتين. وسقط أكثر من 75 قتيلاً و300 جريح في مدن الغوطة الشرقية وبلداتها، وأكثر من 13 ضحية بالقصف الروسي على ريف إدلب بين مساء الخميس وظهر الجمعة. وذكر مصدر من "مركز الغوطة الإعلامي" لـ"العربي الجديد"، أن "حصيلة القتلى، منذ يوم الإثنين الماضي وحتى فجر أمس، بلغت 372 قتيلاً، وأكثر من 1250 جريحاً، بينهم أطفال ونساء".
وأسفر القصف الروسي على ريف إدلب عن خروج قيادة الدفاع المدني قطاع خان شيخون عن الخدمة، فضلاً عن المركز الصحي ومدرستين ومركز للدفاع المدني في مشمشان بسبب الأضرار المادية التي لحقت بالمراكز. كما قصفت قوات النظام، أمس، بالبراميل المتفجرة والمدفعية وراجمات الصواريخ مناطق مدنية في بلدات ومدن الصرمان ومعرشورين ومعرة النعمان وجسر الشغور في ريف إدلب، موقعة أضراراً مادية جسيمة. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن "الغوطة الشرقية شهدت سقوط أكبر عدد من القتلى في أسبوع واحد منذ عام 2015، إذ قُتل 229 شخصاً في الأيام الأربعة الماضية".
وفي موقف فرنسي فُسّر على أنه تبرير للصمت الغربي والفرنسي من ضمنه إزاء جرائم النظام بالأسلحة الكيميائية، اعتبرت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، أمس، أنه "من غير المؤكد حصول هجمات كيميائية مفترضة في سورية، يحمل على القول إنه لم يتم تجاوز الخط الأحمر الذي حدده الرئيس إيمانويل ماكرون للقيام برد فرنسي". وأوضحت أنه "لدينا مؤشرات عن احتمال استخدام الكلور، لكن لا يتوافر لدينا تأكيد قاطع. لذلك فإننا نعمل مع آخرين على التحقق، لأن من الضروري تأكيد الوقائع". والخط الأحمر هو ما تحدث عنه ماكرون لدى استقباله نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 29 مايو/ أيار الماضي في فرساي، معلناً أن "أي استخدام للأسلحة الكيميائية في سورية يفسح لفرنسا في المجال للرد فوراً".
وكان ماكرون طالب بوتين، أمس، في مكالمة هاتفية، بـ"فعل كل ما بوسعه لضمان إنهاء الحكومة السورية للأزمة الإنسانية المتدهورة في الغوطة الشرقية وإدلب"، حسبما جاء في بيان لقصر الإليزيه. وجاء في بيان الرئاسة الفرنسية أن "الرئيس شدّد على الحاجة لتخطي العقبات التي تعوق المفاوضات وبدء عملية سياسية جديرة بالثقة في الأسابيع المقبلة، تحت رعاية الأمم المتحدة نحو إعادة بناء السلام والاستقرار والوحدة في سورية".
وفي إطار غارات الهجوم الأميركي في دير الزور، سعت واشنطن إلى طمأنة موسكو بأن قصف مقاتلاتها لقوات النظام السوري في شرق البلاد، كان عملاً محدوداً، وليس مؤشراً لخطط هجومية أميركية ضد قوات النظام في شرق البلاد. ووصف وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، في تصريحات صحافية، مساء الخميس، الهجوم الأميركي بأنه "مربك"، معتبراً أنه "جاء بغرض الدفاع عن النفس".
مع ذلك، أعلنت واشنطن على لسان المتحدثة الرسمية باسم وزارة الدفاع الأميركية، دانا وايت، أنها "ستواصل الدفاع عن قوات سورية الديمقراطية (قسد) لمواجهة خطر تنظيم داعش". لكنها أفصحت عن الأهداف الأميركية الأبعد من ذلك حين قالت إن "الولايات المتحدة مصممة على التحدث من موقع القوة في مفاوضات جنيف حول سورية. وهدفنا هو ضمان قدرة دبلوماسيينا على التحدث من موقع القوة في ما يتعلق بعملية جنيف". وشددّت على أن "دبلوماسيينا هم الذين سيقررون في نهاية المطاف مصير ماذا سيحدث في سورية".
في غضون ذلك، انتقل الصراع إلى مجلس الأمن، مع إحباط روسيا مشروع قرار تقدمت به الكويت والسويد لوقف العمليات القتالية في سورية، والسماح بإعلان هدنة إنسانية. واعتبر المندوب الروسي في مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا، إن إعلان وقف إطلاق النار في الوقت الراهن "أمر بعيد عن الواقع تماماً"، في موقف روسي أوحى بمواصلة معركة "كسر العظم" مع الولايات المتحدة، وتحقيق "انتصار ما" في إدلب والغوطة الشرقية. واعتبر أن "الولايات المتحدة وبريطانيا عرقلتا صدور بيان عن مجلس الأمن الدولي يدين قصف البعثة التجارية الروسية في دمشق". وقال نيبينزيا للصحافيين: "لقد عرضنا على أعضاء مجلس الأمن نص بيان يصدره المجلس للصحافة، لكن الأميركيين والبريطانيين قالوا إنهم غير مستعدين لقبوله. هذا يحدث في كل مرة. إن الولايات المتحدة وبريطانيا ترفضان دائماً اعتبار هذه الهجمات أعمالاً إرهابية، متذرعتين بنقص المعلومات. وهذا أمر مؤسف".
وفي خضم كل هذا الصراع، دعت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت، إلى "التهدئة"، معتبرة أن "استعادة العلاقات الجيدة مع روسيا أمر مهم للبلدين"، لكنها وصفت خلال موجز صحافي العلاقة بينهما بأنها "شديدة التعقيد والارتباك".
في المقابل، يبدأ وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، غداً الأحد، جولة تشمل أربع دول عربية، هي الكويت ومصر ولبنان والأردن، إضافة إلى تركيا. ومن المتوقع تصدّر الملف السوري مباحثات الوزير الأميركي في أنقرة، في ظلّ عملية "غصن الزيتون" التركية في منطقة عفرين، شمال غربي سورية، والخلافات بين البلدين بشأن دعم واشنطن المستمر للتنظيمات الكردية التي صنّفتها تركيا "إرهابية".
إلى ذلك، بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الإيراني حسن روحاني، في اتصال هاتفي، التطورات الأخيرة على الساحة السورية، في ظل اتفاق روسيا وتركيا وإيران على عقد قمة تجمع قادة هذه البلدان الثلاثة لبحث مصير اتفاق أستانة، ومناطق خفض التصعيد في ظل التطورات الأخيرة.
وكان أردوغان قال خلال كلمة ألقاها أمام ممثلي المخاتير في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، إنه "لن يتحدث أبداً مع قاتل تسبب بموت مليون سوري"، في إشارة إلى رئيس النظام السوري، معتبراً أن "غصن الزيتون ما زالت في مرحلة الإحماء". وكشف مصدر عسكري تركي عن "مقتل العشرات من عناصر الوحدات الكردية في غارات تركية، استهدفت مقر قيادة قوات الأسايش التابعة للوحدات الشعبية في عفرين". وقد تجددت الغارات التركية على مواقع الوحدات الكردية، فجر أمس، بعد توقُّف لخمسة أيام، وتركزت على منطقة كفر جنة بناحية شران، وجبل بفليون في منطقة عفرين، وأطراف مطار منغ، شمال حلب.