‹‹ماريسكوت ماريل›› اسم يتذكره البرازيليون جيداً، فهو الضابط الذي يُنسب إليه أكثر السُنن سوءاً في تاريخ البرازيل، والمعروفة باسم "فرق الموت"، والتي اتبعها الكثير من الحكام المجرمين عبر التاريخ. مؤخراً قرر النظام المصري استحضار روح ماريسكوت ماريل الشريرة والسير في طريقه الأسود، مصطحباً معه شعباً بأكمله نحو بحر من الرمال المتحركة المليئة بالدماء.
طريق الألم
في منتصف ستينيات القرن الماضي، وبعد أن مضى النظام العسكري في البرازيل قُدماً نحو التضييق على الحريات ومصادرة الحقوق، كعادة العسكر، كتجريم الحق في التظاهر وإلغاء الأحزاب والحياة النيابية، وشن الحملات الأمنية على النقابات العمالية، والتوسع الإجرامي في استخدام التعذيب ضد المعارضين، وذلك تزامناً مع سياسات اقتصادية معادية للفقراء، تسبّبت في اتساع الفجوة بينهم وبين سُبل الحياة الكريمة، ما أدى إلى اشتعال بؤر النضال والمقاومة داخل الجامعات البرازيلية، فكانت تلك القرارات والقوانين والأخبار المتداولة عن التعذيب داخل أماكن الاحتجاز بمثابة وقود المظاهرات داخلها، والتي ازداد لهيبها يوماً بعد يوم في مسار سلمي بحت، إلى أن قام "ماريل" بابتكار طريقة لا إنسانية لمواجهة هذا النضال عرفت في ما بعد بـ "فرق الموت" أو فرق الإعدام خارج القانون. الفكرة هي عبارة عن عصابات منظمة تقوم باختطاف قيادات وأفراد المعارضة من الاتحادات والروابط الطلابية والعمالية النشطة وتقوم بتصفيتهم جسدياً بعد تعذيبهم في سرية تامة، وقد تكونت تلك الفرق من مجموعات من ضباط الشرطة والجيش العاملين والمتقاعدين وبعض القضاة، والذين كانت تمولهم مجموعات من رجال الأعمال المقربين من النظام، والذين بفضلهم تم التوسع في تلك الفرق لتنتشر سريعاً في كل الولايات البرازيلية.
من يزرع الشوك لا يحصد سواه
كان رد الفعل على تلك الفرق في غاية الخطورة، إذ قرر الكثير من الطلاب تغيير وجهتهم في المقاومة من المسار السلمي إلى الطريق المظلم الذي دفعهم إليه النظام الحاكم؛ وهو العمل السري المسلح، ليقوموا هم أيضاً بتكوين مجموعات سرية مسلحة تقوم بتفجير العديد من الأماكن الحيوية داخل البرازيل، والتي سرعان ما تطور أداؤها، ليقوموا بعد ذلك بعمليات خطف لشخصيات عامة وسفراء ودبلوماسيين أجانب، ومبادلتهم ببعض المحتجزين لدى الأمن، وقد كانت أشهر تلك العمليات، عملية اختطاف السفير الأميركي "تشارليز بيرك"، والتي تمت بمعرفة حركة "8 أكتوبر"، والذي تمت مبادلته بـ 15 من السجناء السياسيين.
الإصدار المصري
انتشرت تلك الطريقة الملعونة في عدد كبير من مناطق النزاع في العالم مثل الأرجنتين وسورية والعراق، في سرية تامة ووسط اتهامات متبادلة بين أطراف النزاع بمسؤولية تكوين تلك الفرق للتغطية على هذا الجُرم، حتى إن الحكومة الكينية قد فتحت تحقيقاً في تقرير أعدته قناة الجزيرة عن فرق للموت تابعة لها نهاية العام الماضي، وعلى عكس كل تلك الأنظمة التي سلكت هذا الطريق المؤلم نحو الهاوية والاحتراب الأهلي في إنكار مسؤوليتها وإخفاء أدلة اتهامها عن طريق توظيف ضباط خارج الخدمة أو أفراد مسلحين خارج الإطار الرسمي، تفرد النظام المصري بأن جعل تجربته بالملابس الرسمية وأمام الجميع تحت غطاء إعلامي، مُحرضاً ومُبرراً ومُشاركاً في تزييف الحقائق الواضحة كالشمس، ودافعاً الجميع إلى حالة تحريض هيستيرية جعلت من أحد القضاة المسؤولين عن تحقيق العدل عبر إجراءات ومُحاكمات يعلن مباركته لعمليات التصفية الجسدية.
القتل هو الحل... القانون العسكري الأوحد
قبل أيام، فوجئ طلاب لجنة رقم (260أ) "الدفعة الرابعة قسم كهرباء قوى" في كلية الهندسة، في جامعة عين شمس، بدخول شخص مجهول الهوية بصحبة أحد موظفي الكلية والسؤال عن الطالب "إسلام صلاح الدين عطيتو" ومطالبته بالذهاب إلى شؤون الطلاب بعد الانتهاء من امتحانه، كذلك لاحظ الطلاب انتظار هذا الشخص أمام باب اللجنة حتى الانتهاء من الامتحان واصطحاب الطالب إلى مكان مجهول ولم يُستدل على مكانه من حينها، في صباح اليوم التالي انتشرت أخبار مقتل الطالب كالنار في الهشيم، ولكنها رواية كاذبة بثتها وزارة الداخلية على أنه أحد الإرهابيين الذين تم قتلهم في أحد الأوكار بعد تبادل لإطلاق النار.
كان هذا جزءاً من بيان اتحاد طلاب كلية الهندسة بجامعة عين شمس الخاص بشهادتهم على واقعة مقتل الطالب إسلام صلاح الدين، والذي أعلنت قوات الأمن في بيان لها تصفيته جسدياً يوم الأربعاء 20 مايو/أيار الجاري بعد تبادل لإطلاق النار بأحد الدروب الصحراوية التي كان يختبئ بها في منطقة التجمع الخامس. وقالت وزارة الداخلية في بيانها إن إسلام كان أحد الضالعين في مقتل العميد وائل طاحون، وتأتي هذه الواقعة بعد إعلان مصدر في وزارة الداخلية القبض على المتهمين الأربعة بمقتل العميد وائل طاحون داخل عقار بمنطقة عين شمس وبحوزتهم البندقية الآلية المستخدمة في الحادث يوم الأحد 3 مايو/أيار أي قبل مقتل إسلام بـ 17 يوماً {http://goo.gl/vOjkgF}، والذي يأتي هو الآخر بعد إعلان مصدر بمديرية أمن القاهرة التوصل إلى قتلة العميد يوم 25 أبريل/نيسان الماضي {http://goo.gl/2GY3h9}، أي أن الشرطة قد تركت إسلام المتهم بقتل العميد 23 يوماً، ذهب خلالها لحضور الامتحان داخل الكلية، وفق بيان الكلية، من دون أن تقوم بالقبض عليه، مفضلة أن تقوم بمطاردته وتبادل إطلاق النار معه في منطقة صحراوية!!.
لم تكن عملية تصفية إسلام الأولى من نوعها، إذ قامت قوات الأمن قبلها بثلاثة أيام بعملية تصفية جسدية لاثنين قالت في بيان لها إنهم مسؤولان عن عملية زرع عبوة ناسفة أسفل سيارة المستشار معتز خفاجة رئيس محكمة جنوب القاهرة، والذي ينظر قضايا مكتب الإرشاد، ووفق شهود عيان، فقد وصلت قوات الأمن لمحيط المنزل الساعة التاسعة إلا ربعاً مساء الأحد 17 مايو/أيار وتم إطلاق نحو 10 أعيرة نارية، تلاها إطلاق نار آخر الساعة العاشرة، ومرة ثالثة في الساعة الثانية صباحاً قبل أن تخرج قوات الأمن من المنزل وبحوزتها جوالات تحوي جثث المتهمين، أي أن قوات الأمن قد قامت بمطاردتهم نحو 6 ساعات داخل شقة لا تزيد عن الـ 70 متراً!!! {https://goo.gl/gVTJrU}.
مع تعدد حالات التصفية الجسدية لمتهمين (أو بالأصح لمعارضين سياسيين)، إما خلال عمليات كسالفة الذكر أو خلال عمليات تعذيب داخل الأقسام وأماكن الاحتجاز التي يُعلن عنها يومياً، يتضح بأن الجهات الأمنية المصرية قد عزمت على السير في طريق فرق الموت عن طريق إطلاق يد ضباطها في قتل من تراهم إرهابيين أو متهمين أو معارضين، وهو ما يُنذر بانزلاق مصر في أتون احتراب أهلي سيكلفها الكثير من الدماء، ولن يجني أحدٌ منه خيراً أبداً، ولعل واقعة تصفية العميد وائل طاحون الذي تلقى 37 رصاصة في عملية انتقامية تدق في رؤوس المسؤولين إنذاراً بالخطر على مستقبل هذا البلد الذي لا تحتمل حالته الاقتصادية والسياسية والأمنية مزيداً من الغباء الذي عانت منه أمم شتى من قبله ولم تجن منه سوى الخراب.
طريق الألم
في منتصف ستينيات القرن الماضي، وبعد أن مضى النظام العسكري في البرازيل قُدماً نحو التضييق على الحريات ومصادرة الحقوق، كعادة العسكر، كتجريم الحق في التظاهر وإلغاء الأحزاب والحياة النيابية، وشن الحملات الأمنية على النقابات العمالية، والتوسع الإجرامي في استخدام التعذيب ضد المعارضين، وذلك تزامناً مع سياسات اقتصادية معادية للفقراء، تسبّبت في اتساع الفجوة بينهم وبين سُبل الحياة الكريمة، ما أدى إلى اشتعال بؤر النضال والمقاومة داخل الجامعات البرازيلية، فكانت تلك القرارات والقوانين والأخبار المتداولة عن التعذيب داخل أماكن الاحتجاز بمثابة وقود المظاهرات داخلها، والتي ازداد لهيبها يوماً بعد يوم في مسار سلمي بحت، إلى أن قام "ماريل" بابتكار طريقة لا إنسانية لمواجهة هذا النضال عرفت في ما بعد بـ "فرق الموت" أو فرق الإعدام خارج القانون. الفكرة هي عبارة عن عصابات منظمة تقوم باختطاف قيادات وأفراد المعارضة من الاتحادات والروابط الطلابية والعمالية النشطة وتقوم بتصفيتهم جسدياً بعد تعذيبهم في سرية تامة، وقد تكونت تلك الفرق من مجموعات من ضباط الشرطة والجيش العاملين والمتقاعدين وبعض القضاة، والذين كانت تمولهم مجموعات من رجال الأعمال المقربين من النظام، والذين بفضلهم تم التوسع في تلك الفرق لتنتشر سريعاً في كل الولايات البرازيلية.
من يزرع الشوك لا يحصد سواه
كان رد الفعل على تلك الفرق في غاية الخطورة، إذ قرر الكثير من الطلاب تغيير وجهتهم في المقاومة من المسار السلمي إلى الطريق المظلم الذي دفعهم إليه النظام الحاكم؛ وهو العمل السري المسلح، ليقوموا هم أيضاً بتكوين مجموعات سرية مسلحة تقوم بتفجير العديد من الأماكن الحيوية داخل البرازيل، والتي سرعان ما تطور أداؤها، ليقوموا بعد ذلك بعمليات خطف لشخصيات عامة وسفراء ودبلوماسيين أجانب، ومبادلتهم ببعض المحتجزين لدى الأمن، وقد كانت أشهر تلك العمليات، عملية اختطاف السفير الأميركي "تشارليز بيرك"، والتي تمت بمعرفة حركة "8 أكتوبر"، والذي تمت مبادلته بـ 15 من السجناء السياسيين.
الإصدار المصري
انتشرت تلك الطريقة الملعونة في عدد كبير من مناطق النزاع في العالم مثل الأرجنتين وسورية والعراق، في سرية تامة ووسط اتهامات متبادلة بين أطراف النزاع بمسؤولية تكوين تلك الفرق للتغطية على هذا الجُرم، حتى إن الحكومة الكينية قد فتحت تحقيقاً في تقرير أعدته قناة الجزيرة عن فرق للموت تابعة لها نهاية العام الماضي، وعلى عكس كل تلك الأنظمة التي سلكت هذا الطريق المؤلم نحو الهاوية والاحتراب الأهلي في إنكار مسؤوليتها وإخفاء أدلة اتهامها عن طريق توظيف ضباط خارج الخدمة أو أفراد مسلحين خارج الإطار الرسمي، تفرد النظام المصري بأن جعل تجربته بالملابس الرسمية وأمام الجميع تحت غطاء إعلامي، مُحرضاً ومُبرراً ومُشاركاً في تزييف الحقائق الواضحة كالشمس، ودافعاً الجميع إلى حالة تحريض هيستيرية جعلت من أحد القضاة المسؤولين عن تحقيق العدل عبر إجراءات ومُحاكمات يعلن مباركته لعمليات التصفية الجسدية.
القتل هو الحل... القانون العسكري الأوحد
قبل أيام، فوجئ طلاب لجنة رقم (260أ) "الدفعة الرابعة قسم كهرباء قوى" في كلية الهندسة، في جامعة عين شمس، بدخول شخص مجهول الهوية بصحبة أحد موظفي الكلية والسؤال عن الطالب "إسلام صلاح الدين عطيتو" ومطالبته بالذهاب إلى شؤون الطلاب بعد الانتهاء من امتحانه، كذلك لاحظ الطلاب انتظار هذا الشخص أمام باب اللجنة حتى الانتهاء من الامتحان واصطحاب الطالب إلى مكان مجهول ولم يُستدل على مكانه من حينها، في صباح اليوم التالي انتشرت أخبار مقتل الطالب كالنار في الهشيم، ولكنها رواية كاذبة بثتها وزارة الداخلية على أنه أحد الإرهابيين الذين تم قتلهم في أحد الأوكار بعد تبادل لإطلاق النار.
كان هذا جزءاً من بيان اتحاد طلاب كلية الهندسة بجامعة عين شمس الخاص بشهادتهم على واقعة مقتل الطالب إسلام صلاح الدين، والذي أعلنت قوات الأمن في بيان لها تصفيته جسدياً يوم الأربعاء 20 مايو/أيار الجاري بعد تبادل لإطلاق النار بأحد الدروب الصحراوية التي كان يختبئ بها في منطقة التجمع الخامس. وقالت وزارة الداخلية في بيانها إن إسلام كان أحد الضالعين في مقتل العميد وائل طاحون، وتأتي هذه الواقعة بعد إعلان مصدر في وزارة الداخلية القبض على المتهمين الأربعة بمقتل العميد وائل طاحون داخل عقار بمنطقة عين شمس وبحوزتهم البندقية الآلية المستخدمة في الحادث يوم الأحد 3 مايو/أيار أي قبل مقتل إسلام بـ 17 يوماً {http://goo.gl/vOjkgF}، والذي يأتي هو الآخر بعد إعلان مصدر بمديرية أمن القاهرة التوصل إلى قتلة العميد يوم 25 أبريل/نيسان الماضي {http://goo.gl/2GY3h9}، أي أن الشرطة قد تركت إسلام المتهم بقتل العميد 23 يوماً، ذهب خلالها لحضور الامتحان داخل الكلية، وفق بيان الكلية، من دون أن تقوم بالقبض عليه، مفضلة أن تقوم بمطاردته وتبادل إطلاق النار معه في منطقة صحراوية!!.
لم تكن عملية تصفية إسلام الأولى من نوعها، إذ قامت قوات الأمن قبلها بثلاثة أيام بعملية تصفية جسدية لاثنين قالت في بيان لها إنهم مسؤولان عن عملية زرع عبوة ناسفة أسفل سيارة المستشار معتز خفاجة رئيس محكمة جنوب القاهرة، والذي ينظر قضايا مكتب الإرشاد، ووفق شهود عيان، فقد وصلت قوات الأمن لمحيط المنزل الساعة التاسعة إلا ربعاً مساء الأحد 17 مايو/أيار وتم إطلاق نحو 10 أعيرة نارية، تلاها إطلاق نار آخر الساعة العاشرة، ومرة ثالثة في الساعة الثانية صباحاً قبل أن تخرج قوات الأمن من المنزل وبحوزتها جوالات تحوي جثث المتهمين، أي أن قوات الأمن قد قامت بمطاردتهم نحو 6 ساعات داخل شقة لا تزيد عن الـ 70 متراً!!! {https://goo.gl/gVTJrU}.
مع تعدد حالات التصفية الجسدية لمتهمين (أو بالأصح لمعارضين سياسيين)، إما خلال عمليات كسالفة الذكر أو خلال عمليات تعذيب داخل الأقسام وأماكن الاحتجاز التي يُعلن عنها يومياً، يتضح بأن الجهات الأمنية المصرية قد عزمت على السير في طريق فرق الموت عن طريق إطلاق يد ضباطها في قتل من تراهم إرهابيين أو متهمين أو معارضين، وهو ما يُنذر بانزلاق مصر في أتون احتراب أهلي سيكلفها الكثير من الدماء، ولن يجني أحدٌ منه خيراً أبداً، ولعل واقعة تصفية العميد وائل طاحون الذي تلقى 37 رصاصة في عملية انتقامية تدق في رؤوس المسؤولين إنذاراً بالخطر على مستقبل هذا البلد الذي لا تحتمل حالته الاقتصادية والسياسية والأمنية مزيداً من الغباء الذي عانت منه أمم شتى من قبله ولم تجن منه سوى الخراب.