فرص إسرائيل للعمل عسكرياً في العراق ضئيلة رغم التهديدات

03 يناير 2019
البيئة السياسية العراقية تقلّص هامش المناورة أمام إسرائيل(فرانس برس)
+ الخط -

تبدي إسرائيل قلقاً متزايداً إزاء المؤشرات التي تقول إنّ طابع الأنشطة العسكرية التي تقوم بها إيران في العراق تهدف إلى تحسين مكانتها في أي مواجهة واسعة محتملة مع دولة الاحتلال، وتوسيع منظومة خياراتها الجيواستراتيجية، بحيث تتعدّد الساحات التي بإمكان طهران مفاجأة تل أبيب انطلاقاً منها.

وعلى الرغم من أنه سبق لإسرائيل أن أبدت اهتماماً بطابع الوجود العسكري الإيراني في العراق، إلا أنّ التحذيرات التي أطلقها قبل يومين رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، تامير هايمان، تكتسب أهمية خاصة. وبحسب الأخير، الذي تحدّث في المؤتمر السنوي الذي تنظمه صحيفة "كالكيليست" الاقتصادية، فإنّ "هناك ما يؤشر إلى أن إيران في ذروة جهودها لبناء قوتها العسكرية في العراق، بحيث تتمكّن من استخدام وجودها المسلح هناك في مهاجمة إسرائيل، ضمن مواجهة شاملة". وزعم هايمان أنّ ما يعزّز من قدرة إيران على العمل بحرية في العراق حقيقة أنّ هذه البلاد واقعة تحت تأثير متعاظم لقوات الحرس الثوري الإيراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني.

وبلهجة لا تخلو من الانتقاد للسياسات الأميركية بوصفها توفّر بيئة تسمح للإيرانيين بالعمل، قال الجنرال الإسرائيلي إنّ "السياسة الانعزالية" التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب، والتي تمثلت آخر صورها في قراره بسحب القوات الأميركية من سورية، تشجّع إيران ليس فقط على التمركز عسكرياً في العراق، بل إن ذلك يغريها بعدم التردد في مهاجمة إسرائيل انطلاقاً من هناك. ورأى هايمان، أنّ الانسحاب الأميركي من سورية واستقرار نظام بشار الأسد يزيدان من خطورة الوجود العسكري في العراق، على اعتبار أنّ هذين التطورين يسمحان لطهران و"حزب الله" والفصائل الشيعية، بتعزيز وجودها هناك، بما قد يتيح لإيران هامش حرية أكبر في التعاطي عسكرياً مع إسرائيل.

وإلى جانب تحذيرات هايمان، فقد سبق أن عمدت إسرائيل قبل ثلاثة أشهر إلى تسريب تقديرات تفيد بأنها لا تستبعد أن تبادر لشنّ هجمات ضد الوجود الإيراني العسكري في العراق، لا سيما بعد أن زعمت أن إيران سلّمت فصائل تابعة لها هناك صواريخ ذات دقة عالية، تم نصبها في مناطق من العراق، ويمكن أن تستخدم ضد تل أبيب.

لكن على الرغم من تحذيرات هايمان، وما سبقها من تهديدات، فإنّ هامش المناورة المتاح أمام إسرائيل، في كل ما يتعلق بالعمل عسكرياً ضد إيران في العراق محدود للغاية. إذ بخلاف ما هي عليه الأمور في سورية، فإنّ البيئة السياسية في العراق، تقلّص هامش المناورة أمام تل أبيب وتنزع الشرعية الدولية عن أي عمل عسكري يمكن أن تنفذه هناك. وبخلاف نظام بشار الأسد، فإنّ المجتمع الدولي ليس فقط يعترف بالحكومة المركزية في بغداد، بل إنه معني بشكل واضح بإنجاحها ولن يسمح لسلوك تل أبيب العسكري أن يؤثّر على استقرارها. ونظراً للعلاقة الوثيقة بين إيران والأحزاب والحركات الشيعية العراقية التي تشارك في حكومة عادل عبد المهدي، فإنّ السلوك العسكري الإسرائيلي سيواجه برد عراقي رسمي، على الصعد الداخلية والإقليمية والدولية.

وتبدو المفارقة أكبر عندما يتبيّن أنه في الوقت الذي سمح الوجود العسكري الروسي في سورية بتحسين قدرة إسرائيل على العمل هناك، فإنّ الوجود العسكري الأميركي في العراق يفضي تحديداً إلى نتائج عكسية. فإسرائيل تعي أنّ الولايات المتحدة، الحليف الأقرب لها، ليست معنية فقط باستقرار نظام الحكم والأوضاع السياسية في بغداد، على اعتبار أن هذا مؤشر على نجاح السياسات الأميركية في المنطقة، بل إنّ صناع القرار في تل أبيب يدركون أيضاً أنّ إدارة ترامب لا يمكنها أن تسمح بأي عمليات عسكرية في العراق لأنها ستفضي إلى تهديد أمن وسلامة الجنود الأميركيين العاملين هناك. ولا شك أنّ الأميركيين يفترضون أنّ الفصائل الشيعية ذات النفوذ الكبير في العراق قد تردّ على الهجمات الإسرائيلية باستهداف القواعد الأميركية في البلاد.

وبخلاف سورية أيضاً، فإنّ الولايات المتحدة لا تبدو مستعدة لسحب قواتها من العراق، إذ تعهّد ترامب خلال زيارته الأخيرة إلى قاعدة "عين الأسد" في محافظة الأنبار أخيراً، بعدم الانسحاب من هناك، وهو ما يفرض على إسرائيل مراعاة هذا الواقع.

وفي الوقت ذاته، على الرغم من الدعم الأميركي للموقف الإسرائيلي في ما يتعلّق بالوجود العسكري الإيراني في سورية، لم يصدر عن واشنطن أي انتقاد للوجود الإيراني في العراق، حيث إنّ كلاً من طهران وواشنطن تشاركان بشكل ما في الحرب على تنظيم "داعش". ومن الواضح أنّ ترامب غير معني بأي تحوّل يفضي إلى التدليل على عدم صدقية إعلانه تحقيق الانتصار على "داعش"، إذ يرجّح أنّ الأميركيين يفترضون أنّ المسّ بحماسة العراقيين لمواصلة العمل لضمان عدم عودة التنظيم، سيمثّل ضربة قوية لخطاب ترامب. من ناحية ثانية، فإنّ المتطلبات العسكرية والاستخبارية للعمل في العراق أكثر تعقيداً من تلك التي تمكّن إسرائيل من العمل بشكل مريح في سورية.

المساهمون