وكانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد نجحت قبل أيام في جمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي على طاولة واحدة، بمشاركة مصر والأردن، لبحث المقترح الأميركي، الذي يسعى إلى جمع جهود شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لهزيمة تنظيم "داعش" والمنظمات الإرهابية الأخرى، بالإضافة إلى إنهاء الصراعات في سورية واليمن وتأمين العراق ووقع النشاط الإيراني "الخبيث" في المنطقة، وفق بيان وزارة الخارجية الأميركية. لكن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، خرج ليتحدّث عن مقاطعة قطر لمدة قد تصل إلى 50 عاماً، أسوة بما فعلته الولايات المتحدة الأميركية مع كوبا. ودفع هذا الأمر نائب رئيس الوزراء القطري، وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، للرد عليه، قائلاً "إن قطر يمكنها أن تصبر إلى الأبد، لكنها تسعى للتعامل مع التحديات في المنطقة، بدلاً من الحديث بمنطق المناكفات".
وفي تصريحاته حول التحالف الذي تعتزم الولايات المتحدة إنشاءه، قال وزير الخارجية القطري، في مؤتمر صحافي بعد ذلك، "إن التحالف يجب أن يُبنى على المؤسسات القائمة"، وتساءل عن الطريقة التي يمكن من خلالها حصول ذلك عندما تكون الدول الخليجية مشاركة في نزاع استمر أكثر من عام". وأكد "أن التحدي الحقيقي الذي يواجه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة هو حل أزمة الخليج". وشدّد على أن هناك مبادئ رئيسية يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من أي تحالف، أهمها "احترام سيادة الدول واستقلالية سياستها، وتحقيق المصالح الجمعية للشعوب التي يجمعها هذا التحالف، وأن يقوم على أساس معايير واضحة ومحايدة، لا أن يفصَّل على مقاس دولة بعينها". وأضاف "تحدثنا عن أهمية أن يكون هذا التحالف مبنياً على استراتيجيات واضحة، بحيث ينشأ بشكل متكامل وجاهز ولا ينشأ بشكل هشّ".
ورداً على أسئلة لـ"العربي الجديد" في نيويورك، حول الردّ الأميركي والخليجي على الشروط القطرية، قال الوزير "نحن لسنا في مرحلة الدخول في شروط مع الولايات المتحدة أو مع غيرها. نحن نطرح وجهة نظرنا، ويجب أن يقوم هذا التحالف على أسس واضحة. هذه وجهة نظر دولة قطر، ويجب أن تتم مناقشتها، ولكن رؤيتنا أن التحالف يجب أي يقوم على أسس ومعايير واضحة، ضمن أجواء أكثر إيجابية من الأجواء الحالية".
كذلك قال وزير الخارجية إن قطر تقدّر "كل الجهود" التي يبذلها ترامب الذي بعث برسائل عدة إلى قادة مجلس التعاون الخليجي لمحاولة حل الأزمة، لكن لسوء الحظ فإن الرد من السعوديين ومؤيديهم لم يكن إيجابياً. وعلى الرغم من بيان وزارة الخارجية الأميركية الذي قال إن المشاركين اتفقوا على ضرورة مواجهة تهديدات من إيران، موجهة إلى المنطقة والولايات المتحدة، وإن الوزراء أجروا مناقشات مثمرة حول تأسيس ما يُعرف باسم "التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط" لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، فإن مراقبين في الدوحة يقللون من فرص نجاح هذا التحالف في حال إنشائه.
وتسعى إدارة ترامب، منذ فترة، إلى إنشاء تحالف أمني من الدول الخليجية الست، بالإضافة إلى مصر والأردن، كما تخطط لعقد قمة في يناير/ كانون الثاني المقبل لتدشين الحلف الجديد. ويقول الكاتب الصحافي، صالح غريب، إن إدارة ترامب ستفشل في إقامة تحالف حقيقي، وإن اجتماع يناير/ كانون الثاني المقبل قد يكون مصيره مصير اجتماع "كامب ديفيد" الذي دعا إليه الرئيس الأميركي لحل الأزمة الخليجية في سبتمبر/ أيلول الماضي، ثم تمّ الترويج لموعد جديد في ديسمبر/ كانون الأول، والآن يتحدثون عن اجتماع في يناير/ كانون الثاني لإعلان التحالف. ويدلل غريب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على صعوبة نجاح هذا التحالف حتى لو جرى الإعلان عن إنشائه فعلاً، بالتصعيد السعودي الإماراتي البحريني ضد قطر، والاتهامات التي كالتها الدول الثلاث لقطر "بتمويل الإرهاب". وبالنسبة إليه فإن "ما يشير إلى غياب الرؤية لدول الحصار التي تريد مواجهة إيران هو العناق الذي تم في أروقة الأمم المتحدة بين وزيري الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، والسوري وليد المعلم، ما يؤكد أنّ هذه الدول ليست لها رؤية في مواجهة الأزمات التي تعيشها المنطقة، فنظام بشار الأسد يُدار من قبل إيران والبحرين تتهم إيران بالتدخل في شأنها الداخلي، فكيف تكون مواجهة إيران إذا؟". ويقول غريب إن إدارة ترامب ستطالب بمزيد من الدعم المالي والدفع من قبل الدول الخليجية، كما جاء على لسان ترامب. ويتساءل متى سيفهم العرب أنهم مستهدفون وأن الأزمات التي نمرّ بها تهدف إلى تمرير الأجندات الأميركية تجاه المنطقة.
وبينما تُعدّ مواجهة إيران أحد أهداف إقامة التحالف الاستراتيجي، إلا أن مواقف دول الخليج لا تتفق من إيران، أو بالأحرى لا تتفق في كيفية التعاطي مع إيران. وسبق لقطر والكويت أن دعتا إلى الحوار مع إيران لإيجاد حلول لأزمات المنطقة، كما لا يمكن لسلطنة عُمان التخلي عن دورها الحيادي نحو إيران، خصوصاً أنها رفضت بالفعل المشاركة في حلف عربي لدعم الشرعية في اليمن.
ويرى الكاتب والإعلامي جابر الحرمي أنّ "التصعيد الذي شهدته أروقة الأمم المتحدة ضد قطر" يعد هروباً من الفشل الذي تعرضت له دول الحصار في سياساتها الخارجية في ما يتعلّق بحصار قطر. ويقول إن اللغة التي تحدّثت بها دول الحصار في الجمعية العامة للأمم المتحدة هي اللغة المعتادة طوال عام من الحصار، لكنها في التطبيق العملي تناقض تصريحاتها. فبعد خطابات مسؤولي دول الحصار في الجمعية العامة بأقل من 15 ساعة جلسوا على طاولة واحدة مع وزير الخارجية القطري في اجتماع دعا إليه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. ويتساءل "كيف يقبلون بالجلوس مع وزير خارجية دولة يتحدثون عنها ليل نهار أنها دولة إرهابية؟". ويؤكد الحرمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إيجاد حلف جديد بالمنطقة لن يكتب له النجاح بالصورة التي يُراد بها، طالما أن هناك أزمة تعصف بين دول مجلس التعاون، وطالما أن هذه الدول لا يثق بعضها ببعض. ويقول إن "حل الأزمة الخليجية قد يكون مفتاحاً لإيجاد حلف أو منظومة جديدة، وبدون ذلك فإن أي مشروع في المنطقة سيولد مشوهاً".