فرصة حوار أخيرة بين بغداد وأربيل... والتحشيد العسكري يتواصل

16 أكتوبر 2017
قوات عراقية تتجه إلى كركوك (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
كيلومتران فقط يفصلان القوات العراقية وفصائل "الحشد الشعبي"، عن قوات البشمركة في المحور الجنوبي الغربي لكركوك، وسط استمرار تحشيد الطرفين بالأسلحة الثقيلة والجنود على امتداد طول المحور البالغ نحو 30 كيلومتراً، وتحليق مكثف لطيران الجيش العراقي في سماء المنطقة. في الوقت الذي يستمر فيه قادة الأحزاب الكردية المختلفة ومحافظ المدينة نجم الدين كريم، بتحشيد الشارع الكركوكي عبر لقاءات مع المواطنين يطالبونهم خلالها بحمل السلاح والدفاع عن المدينة، محذرين من أن دخول "الحشد الشعبي" والجيش إلى كركوك يعني سرقة المدينة ونهبها كما حصل في مدن بالأنبار والموصل وصلاح الدين، وسط تصاعد نبرة التهديدات من القيادات الكردية بأنها ستحوّل المدينة إلى مقبرة جماعية لمن يحاول دخولها.
وفي إطار التصعيد المتبادل، اعتبرت الحكومة العراقية أن جلب مقاتلين من حزب "العمال الكردستاني" إلى مدينة كركوك "إعلان حرب". وقالت الحكومة في بيان بعد اجتماع ترأسه رئيس الوزراء حيدر العبادي وحضره كبار القادة العسكريين والأمنيين، إنها ستسعى لبسط سلطتها على كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها.

في هذه الأجواء، ومع إصرار قيادة إقليم كردستان على عدم التراجع عن نتائج استفتاء الانفصال أو تعليقها، تتسارع جهود رؤساء البعثات الدبلوماسية العاملة في العراق كالسفارة الأميركية والألمانية والفرنسية وبعثة الاتحاد الأوروبي، لوقف أي تحرك عسكري وشيك من بغداد. كما تمارس هذه الجهات ضغوطاً على أربيل لتقديم تنازلات جديدة داعمة لمبادرة الرئيس العراقي فؤاد معصوم، وتتضمن بحسب ما سُرب منها تجميد نتائج استفتاء الانفصال لفترة زمنية محدودة، والبدء فوراً بالتفاوض المفتوح بلا شروط وبضمان دولي، فضلاً عن إخضاع كركوك لإدارة مشتركة بين أربيل وبغداد، وعودة الجيش العراقي إلى مواقعه السابقة قبل دخول "داعش" إلى العراق منتصف يونيو/حزيران 2014، بما فيها منح بغداد السيطرة على حقول النفط وانسحاب البشمركة منها.

وعقدت القيادة الكردية، التي تضم رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، وهيرو إبراهيم خان زوجة الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني، ونائب رئيس الإقليم كوسرت رسول، فضلاً عن مسرور البارزاني ونيجرفان البارزاني، اجتماعاً مساء الأحد في مصيف دوكان بالسليمانية، جرى خلاله الاتفاق على موقف سياسي موحد لكل الكتل والأحزاب الكردية، ومنع أي حوار منفرد لأي حزب كردي مع بغداد، وضرورة أن يكون أي وفد تفاوضي مع بغداد يمثل كل القوى الكردية. كما توافق المجتمعون على رفض إلغاء نتائج الاستفتاء "باعتبارها تحوّلت إلى حق شعبي لا ملك للقيادة السياسية في الإقليم"، إضافة إلى تشكيل غرفة عمليات لقوات البشمركة والأسايش في السليمانية وأربيل، واعتماد غرفة قبول متطوعين تكون أشبه بقوات احتياط، في ما يمكن اعتباره استعداد الإقليم للأسوأ.

وقال المستشار السياسي لرئيس إقليم كردستان، هيمن هورامي، لـ"العربي الجديد"، إن "الاجتماع أفضى إلى قرارات مهمة وتم من خلاله توحيد كلمة الإقليم إزاء التحديات الراهنة". وأضاف أن "الاجتماع انتهى إلى نتيجة بعدم إلغاء نتائج الاستفتاء كونه حقا شعبيا، والعمل على حل سلمي للأزمة مع بغداد من دون أي قيد أو شرط، ورفض الخيار العسكري في حل الأزمة، ولكن إذا ما فُرض على الإقليم فسيكون مستعداً للدفاع عن نفسه".

إلا أن قيادياً كردياً بارزاً أوضح لـ"العربي الجديد" أن "الرئيس فؤاد معصوم سيحمل مقترحاً أخيراً لبغداد وهو بدء الحوار بحسب الدستور العراقي في ملفات خلافية بين المركز والإقليم بعيداً عن الاستفتاء وما ترتب عليه، فلا بغداد ستكون بهذه الحالة قد اعترفت به، ولا أربيل تكن قد ألغته". ولفت إلى أن "مسألة قبول بغداد بهذا المقترح غير مضمونة"، مضيفاً أن "المبادرة تحمل أيضاً مقترح إدارة مشتركة لكركوك لحين انتهاء الأزمة".

في غضون ذلك، تبدو حركة الناس ثقيلة جداً في أحياء مدينة كركوك الرئيسية الثلاثة عشر، إلا قرب أسواق بيع المواد الغذائية والأفران ومحطات الوقود، فالسكان يتكدسون طوابير طويلة للحصول على ما يكفيهم من حاجات أساسية لأيام مقبلة في حال ساءت الأمور. في الجانب الثاني من المدينة حيث الأكثرية التركمانية والعربية، يبدو الوضع أكثر توتراً، فوصول موجات من المتطوعين الأكراد إلى المدينة قادمين من مدن أربيل والسليمانية ودهوك وجمجمال وحلبجة وكفري ومناطق أخرى مدججين بالسلاح ويرفعون شعارات قومية، دفع الكثير من الأهالي إلى التزام منازلهم وعدم التعليق على الوضع في مدينتهم، خصوصاً بعد استفزاز عدد من القنوات التلفزيونية الكردية لهم بإطلاق مصطلح عرب كردستان وتركمان كردستان عليهم، في إشارة إلى أن كركوك حُسم أمرها وباتت تابعة لإقليم كردستان وليس لبغداد.


في هذه الأثناء، وعلى المحور الجنوبي للمدينة، تتجمع القوات العراقية في منطقة ملا عبد الله، والتي تنتهي عند منطقة تعرف باسم "مكتب خالد"، وهي التي تسيطر عليها قوات البشمركة. الحديث عن منح بغداد للبشمركة مهلة 48 ساعة للانسحاب من المدينة، بات بمثابة دافع لتحشيد أكبر للأكراد، على الرغم من نفي بغداد ذلك رسمياً، مؤكدة في بيان صدر عن مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي أنها لم تضع أي مهلة، وما تقوم به القوات العراقية هناك هو إعادة انتشار القوات العراقية لما كانت عليه قبل دخول "داعش"، وهذا يعني بشكل صريح قرار بغداد الدخول إلى مدينة كركوك وفرض السيطرة عليها.

في غضون ذلك، وفي أول رد فعل له على الأزمة والتحشيد العسكري لحزب "العمال الكردستاني" المعارض لأنقرة والذي يتواجد قرب كركوك وشمال شرق الموصل بشكل غير قانوني، قال القيادي فيه ريفان ولات في رسالة له بثتها وسائل إعلام كردية ناطقة بالعربية، إن حزب "العمال" على استعداد للدفاع عن كركوك في حال تعرضها لأي خطر، مضيفاً أن "حزب العمال مستعد للدفاع عن شعب وأرض كردستان في أي مكان يتعرض فيه الأكراد للخطر". وأعلن أن "الحزب لا يعترف بالحدود المصطنعة وسيواجه من يحاول الاعتداء على كركوك".

في المقابل، وجّه النائب الكردي في البرلمان العراقي، طارق صديق، رسالة لرئيس الوزراء حيدر العبادي، ناشده فيها بالتروي في تنفيذ قرار التحرك العسكري باتجاه مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها. وقال إنه "في الوقت الذي نقترب من الساعات الأخيرة عن المهلة الذي أطلقتموها لمهاجمة أبناء جلدتكم ومواطنيكم في كركوك، ندرك جيداً قراركم بالتحرك العسكري إلى الأراضي التي انسحبتم منها قبل ثلاث سنوات وتركتم أهالي المنطقة تحت رحمة السماء، ولولا تدخّل قوات البشمركة لكان الوضع مختلفاً ومأساوياً جداً، كما هو الحال في الموصل والأنبار، لذا يجب أن تضعوا الحوار والحل السلمي للمشكلة". وتساءل "أين مبادئكم الديمقراطية التي كتبناها سوياً في الدستور، والتي تثبت قواعد العدل والمساواة والتعايش السلمي والشراكة الحقيقية والأخوة والتاريخ النضالي المشترك لتحقيق الديمقراطية وتطبيق روح العدالة والحوار وقبول الآخر، والتي تعني طرح الخلافات بحسن النية للتوصل إلى المبادئ المشتركة في إطار الدستور والقوانين؟ مطالباً في النهاية بـ"استبعاد أي حل عسكري أو حتى التفكير به".

في موازاة ذلك، قال النقيب سيروان علي آغا، من "قوات 80" التابعة للبشمركة، إنهم يتواجدون على طول الحدود الإدارية لكركوك من المحور الجنوبي والغربي ويشاهدون قوات الجيش العراقي و"الحشد الشعبي" يتجمعون بكثرة بين ساعة وأخرى. وأضاف لـ"العربي الجديد": "قاموا بردم خنادق حفرناها في السابق كخطوط صد لأي هجوم ينفذه داعش، ونعتقد أنهم ينوون الهجوم حال تلقيهم الأمر بذلك، فالقوات الموجودة توحي بأنهم يستعدون لبدء الهجوم، وبالنسبة لنا لدينا أوامر باعتماد قواعد الاشتباك المفتوح في حال تقدّموا نحو المدينة".

في المقابل، قال العقيد خالد أحمد الصفار، من الفرقة 16 في اللواء 11 بالجيش العراقي، إن "البشمركة تعلم جيداً أن أي محاولة منها لإعاقة تقدّمنا سيكون معناها مواجهة القوات الاتحادية العراقية التي كفل لها الدستور التحرك بأي بقعة كانت في العراق". وأضاف العقيد الصفار المتواجد في منطقة البشير جنوب كركوك بنحو 20 كيلومتراً، لـ"العربي الجديد"، أن "أي أوامر لم تصدر لنا حتى الآن، لكن إن وصلت سنتحرك فوراً، وهناك غطاء كامل للقوات من سلاح الجو العراقي".
بينما تضاربت الأنباء حول إغلاق إيران منافذها الحدودية البرية مع إقليم كردستان، وذلك في حين لم ترد أي معلومات عن زيارة قائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني إلى الإقليم. فبعد الإعلان عن إغلاق المعابر صباح أمس، نقلت وكالة "إيسنا" الإيرانية عن المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي قوله إنه لم يطرأ أي تغيير على وضع الحدود البرية بين بلاده وأراضي الإقليم، قبل أن تعود الخارجية العراقية لتعلن في بيان مساء أن إيران أغلقت هذه المعابر.