فرح بكر.. مراهقة فلسطينيّة "تغرّد" تحت القصف

17 اغسطس 2014
التغريد عبر تويتر يمنح فرح إمكانية لفضح الاحتلال(العربي الجديد)
+ الخط -

هي مشاعر مختلفة ومختلطة، تلك التي دفعت فرح بكر (16 عاماً)، إلى "التغريد". فهي تعيش في مدينة غزّة، وسط استمرار الغارات الإسرائيليّة والقصف المدفعي على الفلسطينيّين في القطاع. خلال حرب 2012 على غزّة، أنشأت فرح حسابها على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي. لكن، "تغريداتي لم تكن كثيرة في ذلك الحين. وفي الأسبوع الأول من الحرب الأخيرة على القطاع، شعرتُ برغبة شديدة في تقديم مساعدة ما للغزيّين، ولم أكن أملك وسيلة أخرى غير التغريد".

والفتاة المراهقة فضّلت تدوين تغريداتها باللغة الإنجليزيّة، حتى تنقل ما يحدث إلى الأوروبيّين وسواهم من الأجانب. فهؤلاء، بالنسبة إليها، وعلى الرغم من كثرة استخدامهم مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن معلوماتهم حول قطاع غزّة وما يحدث من استمرار للحرب الإسرائيليّة عليه، قليلة جداً وغالباً ما تكون أخباراً مغلوطة.

ولأن تغريداتها هي بمثابة مهمّة تؤديها، شعرت فرح بفراغ عندما انقطع التيار الكهربائي في 27 يوليو/ تموز الماضي، فانقطعت بدورها عن حسابها على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي لأكثر من 15 ساعة، مع استحالة اللجوء إلى أي وسيلة بديلة من شأنها أن تعيد توليد الكهرباء. كأنه انقطاع عن العالم كله. وهو ما أقلق متابعيها الكُثر، فراحوا يبعثون بمئات الرسائل النصيّة إلى حسابها. ووصل بهم الأمر إلى الاتصال بأصدقاء لها في القطاع، للاطمئنان عليها.

في رسائلهم، كان هؤلاء يسألونها إذا كانت لا تزال حيّة. "هم شعروا بالقلق، واعتقد كثيرون منهم أنني قُتلت في إحدى الغارات الجوية". وكيف لا يكون انقطاعاً، وعدد متابعيها بلغ 192 ألف متابع. فهي نجحت في جذب كل هؤلاء بعدما كان يتابعها في البداية 800 من مستخدمي "تويتر". وتغريداتها، التي راحت تتزايد أكثر فأكثر والصور التي كانت تنشرها وكذلك تسجيلات الفيديو التي تحمّلها على صفحتها، نجحت في جذب كل هؤلاء. هي كانت توثّق ما يحدث، ولا سيّما الغارات الجويّة الإسرائيليّة التي تستهدف منطقتها، فلاقى ذلك صدى كبيراً على "تويتر".

وفي تلك الليلة، اقتربت فرح من شرفة منزل العائلة بحذر وسجّلت عبر هاتفها مشهد البالونات الحراريّة التي تلقيها طائرة حربيّة إسرائيليّة في مكان قريب جداً، لتحمّله لاحقاً على حسابها.

قبل انتهاء العام الدراسي المنصرم وبداية العطلة الصيفيّة، وضعت فرح قائمة تضمّنت الكثير من الخطط والمشاريع، ومنها التطوّع لتعليم الأطفال الدبكة الشعبيّة الفلسطينيّة في إحدى مؤسسات المجتمع المدني في غزة، واستكمال دراسة اللغة العربيّة ولعب كرة السلة وتعلُّم العزف على الغيتار. هي رسمت "الكثير من الأحلام الصغيرة لتحقيقها، قبل انتقالي إلى الثانوية العامة وانشغالي بالدراسة. لكنني فشلت في القيام بأي من مخططاتي. حُرمت من كل شيء".

لكن، وعلى الرغم من ذلك، وجدت فرح في تغريداتها على "تويتر" وسيلة للقضاء على خوفها وإشغال وقتها الطويل المملّ، وسط القصف الإسرائيلي المستمرّ على مدن القطاع والمناطق القريبة من بيتها. وفرح تسكن بالقرب من مجمّع الشفاء الطبي، وهو المستشفى الرئيسي في مدينة غزّة الذي استقبل الكثير من الإصابات التي وقعت خلال هذا العدوان. وفي هذا المستشفى، يشغل والدها منصب رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب. وهو، ومع تزايد عدد متابعي صفحتها، شعر للحظة بالخوف عليها، ظنّاً منه أن كثرة تغريداتها قد تشكّل خطراً على حياتها. لكنه سرعان ما راح يشجّعها.

ولأنها تسكن بالقرب من المستشفى، "غالباً ما كنت أستيقظ على أصوات صراخ الشباب وعويل الأمهات في مشرحة المستشفى". وتلك الأصوات لا تكاد تختفي، حتى تعود لتصدح من جديد مع تزايد عدد الغارات واستمرار وصول جثامين الشهداء إلى المستشفى.

كثيراً ما يسألها متابعوها أن تترك قطاع غزّة، "فأضحك وأخبرهم أنني لا أستطيع. وأشرح لهم أن إسرائيل تمنعنا من الخروج من خلال معبر بيت حانون (إيرز)، في شمال القطاع. أما الانتقال من خلال معبر رفح الحدودي مع مصر، فيحتاج إلى تسجيل مسبق لأسماء الراغبين بالسفر، وقبل أشهر عدّة". وعدم مغادرة غزّة ليس الأمر الوحيد الذي يستغربه متابعوها. فعدد كبير منهم يستنكرون بقاءها وعائلتها في المنزل وعدم اعتماد الملاجئ. أما فرح، فكانت تجيبهم أن "عدداً كبيراً من الفلسطينيّين النازحين لجأوا إلى المدارس التابعة لوكالة الأونروا وقد تمّ استهدافهم أكثر من مرّة".

ويبقى أمل فرح اليوم، مثل فلسطينيّين كثر في القطاع، انتهاء الحرب الإسرائيليّة عليهم. بذلك، قد تتمكّن من التفوّق في الثانويّة العامة والالتحاق بكليّة الحقوق.