بفضل مجموعة من كتاباته، أبرزها "مستقبل الهندسة المعمارية" و"معمار الديمقراطية"، يمكن أن نعثر بسهولة على أهم أفكار المعماري الأميركي فرانك لويد رايت (1867-1959)، لكن ماذا إذا حاولنا استنطاق تصميماته، وقارنّاها بما كتب؟
ذلك هو الهدف الذي يعلنه معرض بعنوان "فرانك لويد رايت.. تثوير البيت الأميركي في القرن العشرين" يقام في مكتبة مدينة نانسي (شمال شرق فرنسا)، ويختتم اليوم.
المعرض عبارة عن تركيب ثلاث عناصر مترابطة؛ على الجدران نجد محطات تاريخية عاشها رايت وسياقاتها أو تواريخ إنجاز أهم تصميماته، وفي الزوايا نجد في واجهات زجاجية كتبه مرفقة بملخصات، وفي وسط القاعة وُضعت ماكيتات خشبية لتصميماته، بحيث أن الناظر يمكن أن يرى مدينة افتراضية بأكملها من تصميمات المعماري الأميركي.
بعض هذه الماكيتات الخشبية لم تتجسّد في مبان، وقد نفّذها للمعرض طلبة من كلية الهندسة في "جامعة لورين" تحت إشراف "متحف أورساي" في باريس، بناء على مخططات وضعها رايت، بعض منها غير مكتمل بحيث يكون على الطلبة تصوّر كيف كانت ستكتمل لو كانت بين يدَي صاحبها.
بعيداً عن هذا الجانب المحسوس، يطابق المعرض بين المنجز (المعماري) لـ رايت والأفكار التي راجت في الزمن الذي عاش فيه. فبين القرنين التاسع عشر والعشرين كانت الحداثة تشقّ طريقها في عوالم الأدب والفن، وكان مجال الهندسة المعمارية يبدو خارج هذا الغليان محكوماً بتاريخه الداخلي ومنطقه الصلب، غير أن المعرض يبرز أن الأمور لم تكن كذلك بالضبط، ففرانك لويد رايت كان في نفس تلك المرحلة قد بدأ يخطّط لـ "ترجمة" الحداثة إلى فضاءات.
تشير إحدى المعلقات إلى أن رايت كان يعتبر أن الحداثيين في الفن التشكيلي من خلال القطيعة التي أحدثوها مع الفن الكلاسيكي قد أطلقوا فهماً حول الحداثة بكونها خروجاً عن الواقعي، ما يتجلى في حركات السوريالية والطليعية والمستقبلية، والتي لم تكن بحسبه سوى وجوه ممكنة للحداثة وليست وجهها الوحيد.
مقابل ذلك، يرى رايت أن الأكثر عمقاً في الحداثة هو التغيّر الاجتماعي العميق في علاقات الناس، وظهور فكرة الفرد، من هنا بدأ يفكّر معمارياً في "البيت الحديث" الذي يقوم بوظيفته الاجتماعية وفي نفس الوقت يمنح مساحة للأفراد، وهي رؤية ليست خاصة بالبيوت الأسرية، بل تمتد إلى فضاءات العمل والترفيه والتعليم.
المباني عند رايت تتمثل في موازنة بين توفير مساحات التقاء الأفراد، وإتاحة الفرصة لتكون ثمة مسافة بينهم، ومن دون ذلك فإن الحداثة مهدّدة، إما بضرب مردوديّتها أو بخنق عنصرها المبدع: الفرد.