فخاخ الضوء وفتنة التصريحات

03 يوليو 2015
حمود شنتوت / سورية
+ الخط -

حين ظهر الروائي الجزائري رشيد بوجدرة في برنامج "المحاكمة" مؤخراً، ليعلن إلحاده ثم ليتراجع معلناً إسلامه، ظنّ الناس أن الرجل ملحد مسلم، وأين الضرر في جزائر كثرت فيها المضحكات المبكيات؟ لكن الزوبعة هدأت تماماً عندما صرّح بأنه ليس ملحداً وإنما مسلم حقيقي متأثر بالصوفية.

السؤال الذي شغل الوسط الثقافي هو لماذا أساء بوجدرة لاسمه بهذا الشكل وقَبِل أن يُحاكم عن معتقداته الدينية والسياسية والجنسية أيضاً؟ قد يكون السبب المقنع هو البحث عن دائرة الضوء مهما كان الثمن وإرضاء نرجسيته. إضافة إلى "التبهديلة"، بالعامية الجزائرية تعني الإساءة إلى الذات وتحمّل سخرية الآخرين، هناك ضرر بالغ ألحقه بمنجزاته الأدبية.

لقد أثّر رشيد بوجدرة (74 عاماً) في العديد من الكتّاب الجزائريين بفضل روايات مفصلية، فقد شكّلت روايته الأولى "التطليق" الصادرة عام 1969 محطة فارقة في خارطة الأدب الجزائري والمغاربي، لا تقل تأثيراً عن رواية "نجمة" لكاتب ياسين التي صدرت عام1956. أليس من المفيد له ولنا الإقلال من التصريحات التلفزيونية؟

أما المثال المضاد لبوجدرة فيتعلّق بالكاتبة الإيطالية إلينا فيرانتي التي وصلت روايتها الأخيرة إلى القائمة القصيرة في "ستريغا"، أهم جائزة أدبية في إيطاليا. الغريب والطريف في الأمر أنّ فيرانتي هو اسم مستعار لكاتبة مجهولة الهوية.

ما يُعرف عنها قليل جداً، يُقال إنها ولدت في مدينة نابولى حيث تدور أحداث جل قصصها وعاشت في تورينو شمالي إيطاليا. باستثناء بعض المقابلات القليلة جدا المنشورة في وسائل الإعلام المكتوبة والتي جرت بفضل وساطة ناشرها الإيطالي، لم يسمع القرّاء صوتها ولم يشاهدوا صورتها أبدا.

مما دفع البعض إلى القول أن فيرانتي هي في الحقيقة رجل وليست امرأة ولا داعي لسرد قائمة الإشاعات الكثيرة التي حامت حولها. مع ذلك، تؤكد فيرانتي بإصرار وحزم على أولوية النص على الكاتب وتدعو القرّاء إلى الاهتمام بشخصيات رواياتها وإهمال شخصية الكاتب.

لقد رافق ترشيح إلينا فيرانتي لهذه الجائزة نقاش كبير في الوسط الثقافي والإعلامي في إيطاليا. وازداد التشويق بعد وصولها إلى القائمتين الطويلة والقصيرة. السؤال الذي يحيّر الجميع الآن هو ماذا سيحدث لو فازت فيرانتي بالجائزة؟ فهناك طقوس احتفالية كبيرة كتسلّم الكاتب الجائزة شخصيا والمشاركة في برامج تلفزيونية ومهرجانات أدبية تسعد الكتّاب والناشرين معاً لأنها تزيد في المبيعات.

رشيد بوجدرة وإلينا فرانتي مثالان مختلفان عن كيفية التعامل مع الإعلام الجماهيري اليوم. لا شك أن إرضاء النرجسية والبحث الدائم عن الأضواء تؤثران سلباً على صورة الكاتب، وما قد يقلّل ربما من قيمة أعماله التي ستبقى بعد رحيله.


* روائي وأنثروبولوجي جزائري مقيم في نيويورك

المساهمون