03 اغسطس 2017
فتاة السكر... في محطة الترامواي
كمثل كل يوم من أيام الخريف الذي يمد بأطيافه الجميلة كل صباح، أخرج من غرفتي إلى مقهى قريب مني لأتناول فطور الصباح. طريقه هادى تماماً، مفعم برائحة رائعة تشدني طوال الطريق، آتيه من محل بيع "الكرواسون" الفرنسية اللذيذة بجانب مقهى الزمان.
اشتري "الكرواسون" الفرنسية الساخنة، ثم أدخل إلى المقهى وأطلب قهوة ساخنة، أضع لها قطعتين من السكر، وقليلاً من ماء الزهر الذي يعطيها نكهة خيالية. أجلسُ قرابة 15 دقيقة، ثمّ أخرجُ باتجاه محطة الترامواي للذهاب إلى العمل.
عندما وصلت المحطة، وجدتها مُزدحمة جداً بالناس. عرفت حينها أن الترامواي تأخر اليوم كغير العادة، نظرت إلى ساعتي وجدتها تشير إلى السابعة وأربعين دقيقة. ما إن رفعت رأسي من الساعة وجدت قطعة من السكر لم أرَ مثلها من قبل، بيضاء كبياض الثلج، وعينيها بحر شاسع أزرق، بقيت لوهلة أنظر إلى عينيها وكأني تائه في بحر عينيها، وكانت تبادلني نفس الموقف، عجبت لأمرها وعجب لأمري.
أتى الترامواي للمحطة، بدء الناس يتدافعون للصعود. أسرعت حبة السكر للركوب، مسكتها من يدها اليسرى الناعمة التي تحمل ساعة وردية، نظرت إلي مندهشة مع ابتسامة خفيفة، قلت لها: "كم الساعة الآن؟ قالت: انظر بنفسك، رفعت يدها وبقيت انظر للساعة ثلاثين ثانية تقريباً، قالت لي: اتركني أذهب الآن، أنا أدرس على الساعة الثامنة تماماً والأستاذة لا تسمح بالدخول إن تأخرت".
أبقيت يدي في يدها لكي ألهيها حتى لا تركب في الترامواي، أغلق الترامواي أبوابه وانطلق مسرعاً، لا حظت علامات القلق على وجهها.. قلت: لا تقلقي ثلاث دقائق وسوف يأتي الترامواي الآخر، ثم بقيت أنظر إليها وكأنها جوهرة وردية جميلة. كانت ترتدي فستاناً وردياً عليه عطر من كل الفصول، أتعبني ذلك اللون وأرهقني ذلك العطر حباً.
قلت لها: أنت من أعطيت جمال للفستان يا سكر، قالت وهي مبتسمة: سكر.. من سكر؟، قلت: أنت، خجلت بسرعة وابتسمت وأنزلت رأسها للأسفل وبقيت لوهلة تنظر مع حذائها الأبيض الذي به ريش في مقدمته أعطاه رونقاً.
قلت: ما بها قطعة السكر؟ قالت وهي تضحك لاشي، وفي ضحكتها عزف لحن جميل في هذا الصباح على أوتار الحب. اغتنمت الفرصة وقلت لها: يا قمر هل لي برقم هاتفك؟، قالت لي: لما؟، قلت: لكي أتكلم مع القمر. ضحكت كثيراً ثم قالت لي: أنت "مهبول"، سوف أعطيك حسابي على فيسبوك. كتبت اسم حسابها على ورقة ثم أعطتها لي وأعطتني معها القلم الذي كتبت به، قلت: لما القلم؟ قالت وهي تضحك: لكي ترسم به القمر، ضحكت أنا كثيراً.
أتى الترامواي الآخر، ركبنا سوياً، جلست أنا في مقعد، وجلست قطعة السكر في مقعد مقابل لي. قالت لي أين ستنزل أنت؟ قلت لها في محطة المنطقة الصناعية، قالت حسناً أنا سأنزل في محطة جامعة منتوري.
كنت أعلم أن المحطة قريبة جداً وستنزل من الترامواي ولم أجد طريقة لأخذ رقم هاتفها، وصلنا إلى محطة الجامعة، نزلت قطعة السكر فنزلت معها، قالت لي لماذا نزلت معي؟ قلت: لم أجد هاتفي أعطيني هاتفك اتصل به على رقمي، ابتسمت وقالت لي تفضل، كتبت رقم هاتفي في هاتفها واتصلت بهاتفي الذي هو بالأساس في جيبي وهي كانت تعلم ذلك وتعلم أني فقط عملت هذا السيناريو كحجة لأخذ رقم هاتفها، قالت لي بعدها: أخذت ما تريد الآن؟ علي الذهاب، قلت قبل الذهاب أريد معرفة اسمك، ابتسمت وقالت أسماء وذهبت مسرعة.