فالنتاين دوما

14 فبراير 2015
بات الموت معدياً ولا دواء له (Getty)
+ الخط -
داخلَ أحد البيوت المظلمة الذي تنيره أضواء الهواتف الخلوية في مدينة دوما، تجتمع نحو خمس عائلات ظناً منها أنه قد يكون أكثر أماناً. يخيفهم الليل. كأنّ المجرمين يصبحون خلاله أكثر وحشية. ربما لأنهم لا يرون بوضوح وحشيتهم. الظلام حالك ولا كهرباء. لن يرى أحد طائراتهم وبراميلهم المتفجرة. في هذه المدينة، بات الموت معدياً ولا دواء له.

تسند الفتاة رأسها إلى الحائط. تخبئه أحياناً في عباءة أمها. تنساه قليلاً قبل أن تلتقطه مجدداً. رأسها متعب. لم تعد قادرة على انتظار الموت. لا تخشاه لكنها تفضّل حياةً لا انتظار فيها إلى أن حدث معها أمرٌ ما. ففي الحرب أيضاً يصدف أن تلتقي العيون.

تراه من زاويتها ويراها من زاويته. في لقاءات عينيهما وحدها، يخرجان من الحرب إلى مكان آخر. هي مجرّد ثوانٍ ربما وأحياناً أكثر. ينزحان قليلاً إلى منطقة آمنة وجميلة قبل أن يعودا إلى ذلك البيت المعتم. هما الوحيدان اللذان يريان بعضهما البعض في الظلام.

خلال الأيام الماضية، صارا يخرجان أكثر من العادة. يخالان نفسيهما داخل قلبٍ أحمر، يمسكان أيدي بعضهما ويقبّل رأسها فتحمرّ وجنتاها. لا "يُخطئان" حتى في المخيلة. آمنا أن الحب وحده قادر على إنقاذ البشرية. لو أن جميع العيون تلتقي!

كانا يخالان جميع الناس عشاقاً. فلا يعود الليل مظلماً أو ظالماً. الطبيعة أيضاً تتآلف مع كل هذا الحب. كأن جميع الكائنات تلجأ إلى إحدى قصص الأطفال الملوّنة، حيث الألوان تصبح أكثر اشراقاً ممّا هي عليه. عرفا عيد العشاق. عرفا أيضاً أن أحداً منهما لن يستطيع شراء الأزهار أو الدببة أو الوسادات الحمراء للآخر. أصلاً في دوما لا ينبت إلا الركام. لكنهما سيحتفلان على طريقتهما الخاصة، ولن يبقيا منسيّين كما كانا خلال جميع المجازر التي نجيا منها في دوما. سيضمهما العالم إلى قائمة المحتفلين. على الأقل، لا يطفآن الشموع ويجلسان متلاصقين طوال الوقت. نادراً ما يفترقان. حتى الآن، لم يختر الموت أحداً منهما. لماذا قد يفعل؟ دوما في حاجة إلى قليل من الحب من دون سلعٍ حمراء أو دماء. والعالم في حاجة إليهما لينفض عنه ذئاباً أرادت التهام الجدات والنساء والأطفال.

رفض الموت أن يمهلهما مزيداً من الوقت. فسكان الأرض يخافون الاستسلام إلى قوة الحب. أحرقهما النظام. صارا جثتين وقد أذابت النيران عيونهما. ذهبا إلى باطن الأرض.

في المكان الجديد، ستمنعهما الحواجز الترابية من رؤية بعضهما البعض. لكن الصور التي التقطتها عيونهما لن تُمحى. كذلك حبهما الذي لن يفهمه كثيرون من القاطنين فوق الأرض.
المساهمون