فاطمة أبو النيل عادت إلى حيفا

11 مارس 2016
ربت أولادها وحدها (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تختر الحاجة فاطمة أبو النيل (80 عاماً) مصيرها في الحياة، إلا أنها أصرّت على مواجهة جميع التحديات، هي التي لم تجلس يوماً على مقاعد الدراسة. في الوقت الحالي، تقطن في شارع فيصل 11 في حيفا السفلى القديمة بين شارع الناصرة وشارع العراق وحي وادي الصليب العريق. لديها ذاكرة قوية، وتذهب مرتين في الأسبوع إلى نادٍ نسائي، وتتعلم الأشغال اليدوية لصناعة أدوات الزينة من الخرز.

تزوّجت حين كانت في الواحدة والعشرين من عمرها. انتقلت للعيش في مدينة حيفا وأنجبت ثلاثة أولاد، وتوفي زوجها بعد ست سنوات من الزواج. في السابعة والعشرين، صارت مسؤولة عن تربية ثلاثة أبناء. واليوم، صار لديها 16 حفيداً.

كان زوجها قد شيد المبنى الذي تسكن فيه بيديه عام 1936. بنى عمارة مكونة من ثلاث طبقات وست شقق. قبل النكبة، خُصّص الطابق الأول ليكون مدرسة لحفظ القرآن، وقد أُطلق عليها اسم "مرمش" الأهلية. تقول إنه بعد وفاة زوجها، عملت في الخياطة بعدما اشترت ماكينة. وفي وقت لاحق، انتقلت للعمل في معامل للخياطة. تتابع: "أحمد الله دائماً. لم يكن الأمر سهلاً، لكن أبي دعمني مادياً ومعنوياً ولم يتركني أبداً". وتلفت إلى أن عمل المرأة ليس جديداً "كانت أمي تخرج مع أبي لفلاحة الأرض في جميع المواسم، وتتركنا في البيت. لطالما عملت المرأة الفلاحة إلى جانب زوجها وعائلتها. في الماضي، كانت الحياة أجمل وأفضل، وكانت الناس أكثر راحة وقناعة وسعادة". تذكر أنها كانت تشارك في زراعة الدخان العربي، وتقطف التين والعنب، وتصنع الدبس.

ترى الحاجة فاطمة أن هناك فرقاً كبيراً بين ما نعيشه اليوم وبين أيام زمان. اليوم، صار الرجل والمرأة يخرجان إلى العمل معاً كأجيرين، وصارت المتطلبات المادية أكثر صعوبة. على سبيل المثال، يضطر الشباب إلى الاقتراض لشراء منزل.

اقرأ أيضاً: لا عدالة بيئيّة في الجليل

تلفت إلى أنه كان لدى زوجها أراض زراعية في إعبلين، وبيوت في حي وادي الصليب وحمام الباشا، مشيرة إلى أن جزءاً من الأبنية هدم بعد النكبة. تقول: "كان اليهود يملؤون الشاحنات بالقنابل والعبوات الناسفة، ويفجرونها وسط الأحياء في شارع الناصرة وشارع العراق وحي وادي صليب في حيفا. وخلال عام 1952، حاول زوجي استرجاع بعض البيوت، إلا أنه وجد فيها عائلات يهودية. أثبت ملكيّته للبيوت، إلا أنه لم يستطع إخراجهم". وبحسب قانون (الغائب حاضر) الإسرائيلي، صادروا البيوت. وفي وقت لاحق، استأجرنا غرفة من منزلنا الذي أصبح ملكاً لليهود".

تتابع: "بعد عام 1964، اشتريت المبنى الذي شيّده زوجي من اليهود، علماً أنه ملكنا، وعدت إليه بعدما ساعدني أبي". وتلفت إلى أن زوجها كان متزوجاً من امرأة قبلها ولديه أولاد، إلا أنهم نزحوا خلال عام النكبة إلى سورية، ولم يرهم منذ ذلك الوقت.

تقف الحاجة فاطمة على شرفة بيتها، والتي تطل على ميناء حيفا. تقول إن "مطحنة القمح ما زالت موجودة منذ أيام الإنكليز. كذلك، ما زال مصنع الصابون الذي يقع على مقربة من الميناء، ويعود إلى زمن الاستعمار الإنكليزي أيضاً، يستخدم في صناعة الصابون والزيت. أما سكة الحديد، فقد شيدت قبل النكبة، وبنى الفلسطينيون دوراً وبيوتاً".

تُشير إلى الجهة اليسرى. تقول: "هناك بيت في شارع العراق مؤلف من طابقين لعائلة مصباح شقيقة، وقد هدم بالكامل خلال النكبة، يوم سقطت حيفا. ولم يبق من أهالي وعائلات حيفا الأصليّين إلا القليل". تضيف: "نزحت عائلتا رنو وأبو زيد وبقيت عائلة الخياط فقط".

خلال النكبة عام 1948، كانت فاطمة في الـ 12 من عمرها. تقول: "كنا يومها في شفاعمرو، وقد استأجر أبي منزلاً فيها بسبب عمله. سمعنا أن الهاغاناه وصلوا إلى وسط البلد، فخرجنا وآخرين من المنطقة سيراً على الأقدام، وتوجهنا إلى مدرسة في صفورية. وبعد يومين، وصل اليهود أيضاً، فانتقلنا إلى كفر مندا، ثم وصلنا إلى قرية رميش اللبنانية. وطلب أبي من سائق التاكسي أن يوصلنا إلى فندق في مدينة صيدا (جنوب لبنان) لأنه لم يسمح له بالدخول. وبعد ثلاثة أيام، التقينا أبي في صيدا، فاستأجرنا بيتاً ومكثنا فيه ثلاثة أشهر. إلا أن والدتي لم تكن مرتاحة فيه، فأخذنا أبي إلى مساجد صيدا حيث وجدنا غالبية عائلات حيفا وشفاعمرو والجليل، ثم عدنا إلى بيتنا في صيدا. وبعد فترة، أخبر أبي أمي أن الكثير من العائلات تعود إلى فلسطين، واخترنا العودة. سرنا على أقدامنا لمدة ثلاثة أيام، حتى وصلنا إلى بيتنا في قرية إعبلين. وحملنا معنا من لبنان بعض الثياب فقط".

اقرأ أيضاً: بيت حوا.. ذاكرة قصور في عكا استعادتها جمعيات فلسطينية
المساهمون