على الرغم من لقبها المعروف بالعاصمة الروحية أو العلمية للمملكة المغربية، والذي يوحي ببعدها عن "شرور" السياسة، فإن مدينة فاس الواقعة وسط البلاد، أنجبت بشكل كثيف العديد من الوجوه السياسية الشهيرة التي وصلت إلى مراكز مرموقة في الدولة، إضافة إلى شخصيات أخرى لجأت إلى المعارضة.
وفيما تُشير أرقام غير رسمية إلى أن أكثر من 65 في المائة من الوزراء الذين تعاقبوا على الحكومات في المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم، ينحدرون من هذه المدينة العريقة، فإن العائلات السياسية الفاسية امتدت منذ عهد الزعيم التاريخي علال الفاسي إلى الأمين العام لحزب "الاستقلال" الحالي، حميد شباط.
وتأسست مدينة فاس على يد إدريس الثاني الذي جعلها عاصمة الدولة المغربية، واحتفلت المدينة بعيد ميلادها الـ1200 عام 2008، وظلت عاصمة للمملكة إلى حدود عام 1912، تاريخ الاحتلال الفرنسي، حتى عام 1956، سنة استقلال المملكة، حين جرى تحويل عاصمة البلاد إلى مدينة الرباط.
علال الفاسي "الرمز"
عند ذكر مدينة فاس، تُذكر معها عائلة "الفاسي" الممتدة عبر الزمن، والتي خرّجت العديد من الشخصيات المؤثرة في تاريخ البلاد، وكانت غالباً ما تحظى بثقة ملوك المغرب، فبرع بعضها سواء في مجال السياسة وامتلاك السلطة والنفوذ، بينما اهتمت أخرى بقطاعات المال والتجارة التي اشتهر بها أهل فاس أيضاً. ولا يمكن أن يأتي ذكر فاس على لسان المغاربة من دون تذكّر الزعيم السياسي الراحل، علال الفاسي، مؤسس حزب "الاستقلال" ذي التاريخ العريق في المغرب، والذي شارك في العديد من الحكومات في المملكة منذ الاستقلال، كان آخرها في النسخة الأولى من الحكومة "الإسلامية" الحالية، قبل أن ينسحب منها ويلتحق بصفوف المعارضة.
علال الفاسي الفهري الذي وُلد في فاس عام 1910، وتوفي في مدينة بوخارست الرومانية في عام 1974، يعتبره الكثيرون أحد أعلام الحركة الإسلامية الحديثة التي ظهرت في القرن الماضي، والتي كانت سباقة إلى الدعوة إلى سلفية تجديدية في الدين، بمعية محمد عبده، ورشيد رضا، وآخرين. وكان أول تماسٍ لعلال الفاسي مع السياسة مشاركته في احتجاج ضد سلطات الاحتلال الفرنسي التي كانت تحرص على حرمان مدنية فاس، كغيرها من مناطق المغرب، من الماء الصالح للشرب، كذلك ساعد المجاهد المغربي المعروف، عبد الكريم الخطابي، في مقاومته ضد الاستعمار الفرنسي.
اقرأ أيضاً: ورد دمشق في المغرب: قطف الحبّ بأسوأ سجن سياسي
وعُرفت عن علال الفاسي قدرته الكبيرة على الخطابة والإقناع، لما كان يتميز به من موهبة الفصاحة والتأثير في الحشود، وأنشأ حزب "الاستقلال" عام 1946، والذي كان يحمل حينها مطلباً وحيداً ورئيساً هو نيل البلاد الاستقلال والحرية، فكان يجول دول العالم لعرض مطلب المغرب على القادة والزعماء، خصوصاً في العالم الإسلامي.
وبعد أن دعا إلى ثورة الشعب ضد الاحتلال الفرنسي، خصوصاً في فترة نفي السلطان الراحل محمد الخامس إلى مدغشقر وكورسيكا، عاد الملك إلى عرشه، ورجع الفاسي إلى نشاطه الحزبي، واختير عضواً رئيسياً في مجلس الدستور لوضع دستور البلاد، وشارك في وضع اللبنات الأولى لدستور 1962، كذلك تولّى وزارة الدولة للشؤون الإسلامية عام 1961، ثم استقال عام 1963، وانضمّ بحزبه إلى صفوف المعارضة.
حظوة سياسية
وبعد الزعيم الروحي لحزب "الاستقلال"، علال الفاسي، ظهرت شخصيات "فاسية" خاضت غمار العمل السياسي، ووصل الكثير منها إلى مراتب متقدمة في السلطة، ومنها احتلال مناصب حكومية عديدة، وأحياناً مقربة جداً من ملك البلاد، مثل مستشاره الخاص، فضلاً عن تولي آخرين من أصول فاسية مناصب كبيرة في قطاع المصارف والتجارة.
ودليل نجاح الشخصيات التي تنحدر من فاس تحديداً في المجال السياسي، ووصولها إلى أعلى مراتب السلطة في البلاد بعد العائلة الملكية، منذ استقلال البلاد عام 1955، أن أول حكومة في المغرب بعد نيل البلاد الحرية من الاستعمار الفرنسي، تواجد العديد من الوزراء الفاسيين فيها.
وتشكّلت أول حكومة في تاريخ المغرب المستقل، والتي ترأسها الراحل البكاي بن مبارك، بتعيين من الملك محمد الخامس، من نحو عشرين وزيراً، ضمت 6 وزراء تنحدر أصولهم من مدينة فاس، وهم عبد الهادي بوطالب، ومحمد الفاسي، ومحمد الديوري، وعبد الكريم بنجلون، وعبد القادر بنجلون، ثم أحمد بنسودة، والذي أصبح مستشاراً خاصاً مقرّباً من الملك الراحل الحسن الثاني.
وبعد الحكومة الأولى في تاريخ المغرب، والتي كان ثلثها وزراء من أصول فاسية، توالت الحكومات المتعاقبة، والتي لم تخلُ من وزراء من المدينة، إذ ارتبطت ألقاب عائلات محددة بالحكومات المغربية حتى اليوم، من قبيل آل بنجلون، وآل برادة، وآل القباج، وآل بنيس، وآل الفاسي، وآل السلاوي، وغيرهم من العائلات الفاسية الشهيرة.
ومن أهم الشخصيات المتحدرة من فاس، والتي بصمت على حضورٍ طاغٍ في الحكومات المغربية المتعاقبة، خصوصاً في العقود الثلاثة الأخيرة، الراحل عز الدين العراقي، والذي ترأس حكومة البلاد بين 1986 و1992، ومحمد كريم العمراني أيضاً، أحد أكبر أثرياء المملكة، والذي ترأس الحكومة ثلاث مرات في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ثم عباس الفاسي الذي كان يترأس الحكومة قبل حلول "الربيع العربي"، وإجراء انتخابات مبكرة حملت الإسلاميين للحكومة.
وامتد اكتساح أهل فاس للمناصب الحكومية بعد ذلك، إلى حد تولي أفراد الأسرة الواحدة قطاعات وزارية ورسمية مختلفة، ومنهم الطيب الفاسي الفهرِي، وزير الخارجية الأسبق، والمستشار الملكي الحالي، وهو قريب نزار بركة، وزير المالية السابق، كما أن وزيرة الصحة السابقة، ياسمينة بادو، هي زوجة علي الفاسي الفهري، أحد رجالات الدولة في المغرب.
ويوجد على رأس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية"، وهو يحرص على التأكيد أن أصوله تنحدر من مدينة فاس أيضاً، ويقول في هذا الصدد "أصل عائلتي بلا شك من فاس"، مضيفاً أن والده "جاء إلى الرباط مبكراً، وفيها ترعرعت وخضت غمار العمل الإسلامي والسياسي".
وفي الضفة المقابلة لرئيس الحكومة الفاسي، يؤدي الأمين العام لحزب "الاستقلال" حميد شباط، وهو عمدة مدينة فاس، وأحد أشهر أبنائها في الوقت الراهن، دور المعارض للحكومة، بعد أن جرب العمل داخلها بضعة أشهر، ثم أعلن انسحابه من صفوفها، بسبب خلافات مع رئيس الحكومة تحديداً، وهو يواصل حالياً انتقاداته الحادة في كثير من الأحيان للحكومة، خصوصاً للحزب الذي يقودها.
اقرأ أيضاً: قلعة مازغان المغربية.. مدينة عاشت بثلاثة أسماء
وفيما تُشير أرقام غير رسمية إلى أن أكثر من 65 في المائة من الوزراء الذين تعاقبوا على الحكومات في المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم، ينحدرون من هذه المدينة العريقة، فإن العائلات السياسية الفاسية امتدت منذ عهد الزعيم التاريخي علال الفاسي إلى الأمين العام لحزب "الاستقلال" الحالي، حميد شباط.
وتأسست مدينة فاس على يد إدريس الثاني الذي جعلها عاصمة الدولة المغربية، واحتفلت المدينة بعيد ميلادها الـ1200 عام 2008، وظلت عاصمة للمملكة إلى حدود عام 1912، تاريخ الاحتلال الفرنسي، حتى عام 1956، سنة استقلال المملكة، حين جرى تحويل عاصمة البلاد إلى مدينة الرباط.
علال الفاسي "الرمز"
عند ذكر مدينة فاس، تُذكر معها عائلة "الفاسي" الممتدة عبر الزمن، والتي خرّجت العديد من الشخصيات المؤثرة في تاريخ البلاد، وكانت غالباً ما تحظى بثقة ملوك المغرب، فبرع بعضها سواء في مجال السياسة وامتلاك السلطة والنفوذ، بينما اهتمت أخرى بقطاعات المال والتجارة التي اشتهر بها أهل فاس أيضاً. ولا يمكن أن يأتي ذكر فاس على لسان المغاربة من دون تذكّر الزعيم السياسي الراحل، علال الفاسي، مؤسس حزب "الاستقلال" ذي التاريخ العريق في المغرب، والذي شارك في العديد من الحكومات في المملكة منذ الاستقلال، كان آخرها في النسخة الأولى من الحكومة "الإسلامية" الحالية، قبل أن ينسحب منها ويلتحق بصفوف المعارضة.
علال الفاسي الفهري الذي وُلد في فاس عام 1910، وتوفي في مدينة بوخارست الرومانية في عام 1974، يعتبره الكثيرون أحد أعلام الحركة الإسلامية الحديثة التي ظهرت في القرن الماضي، والتي كانت سباقة إلى الدعوة إلى سلفية تجديدية في الدين، بمعية محمد عبده، ورشيد رضا، وآخرين. وكان أول تماسٍ لعلال الفاسي مع السياسة مشاركته في احتجاج ضد سلطات الاحتلال الفرنسي التي كانت تحرص على حرمان مدنية فاس، كغيرها من مناطق المغرب، من الماء الصالح للشرب، كذلك ساعد المجاهد المغربي المعروف، عبد الكريم الخطابي، في مقاومته ضد الاستعمار الفرنسي.
اقرأ أيضاً: ورد دمشق في المغرب: قطف الحبّ بأسوأ سجن سياسي
وعُرفت عن علال الفاسي قدرته الكبيرة على الخطابة والإقناع، لما كان يتميز به من موهبة الفصاحة والتأثير في الحشود، وأنشأ حزب "الاستقلال" عام 1946، والذي كان يحمل حينها مطلباً وحيداً ورئيساً هو نيل البلاد الاستقلال والحرية، فكان يجول دول العالم لعرض مطلب المغرب على القادة والزعماء، خصوصاً في العالم الإسلامي.
وبعد أن دعا إلى ثورة الشعب ضد الاحتلال الفرنسي، خصوصاً في فترة نفي السلطان الراحل محمد الخامس إلى مدغشقر وكورسيكا، عاد الملك إلى عرشه، ورجع الفاسي إلى نشاطه الحزبي، واختير عضواً رئيسياً في مجلس الدستور لوضع دستور البلاد، وشارك في وضع اللبنات الأولى لدستور 1962، كذلك تولّى وزارة الدولة للشؤون الإسلامية عام 1961، ثم استقال عام 1963، وانضمّ بحزبه إلى صفوف المعارضة.
حظوة سياسية
وبعد الزعيم الروحي لحزب "الاستقلال"، علال الفاسي، ظهرت شخصيات "فاسية" خاضت غمار العمل السياسي، ووصل الكثير منها إلى مراتب متقدمة في السلطة، ومنها احتلال مناصب حكومية عديدة، وأحياناً مقربة جداً من ملك البلاد، مثل مستشاره الخاص، فضلاً عن تولي آخرين من أصول فاسية مناصب كبيرة في قطاع المصارف والتجارة.
ودليل نجاح الشخصيات التي تنحدر من فاس تحديداً في المجال السياسي، ووصولها إلى أعلى مراتب السلطة في البلاد بعد العائلة الملكية، منذ استقلال البلاد عام 1955، أن أول حكومة في المغرب بعد نيل البلاد الحرية من الاستعمار الفرنسي، تواجد العديد من الوزراء الفاسيين فيها.
وتشكّلت أول حكومة في تاريخ المغرب المستقل، والتي ترأسها الراحل البكاي بن مبارك، بتعيين من الملك محمد الخامس، من نحو عشرين وزيراً، ضمت 6 وزراء تنحدر أصولهم من مدينة فاس، وهم عبد الهادي بوطالب، ومحمد الفاسي، ومحمد الديوري، وعبد الكريم بنجلون، وعبد القادر بنجلون، ثم أحمد بنسودة، والذي أصبح مستشاراً خاصاً مقرّباً من الملك الراحل الحسن الثاني.
وبعد الحكومة الأولى في تاريخ المغرب، والتي كان ثلثها وزراء من أصول فاسية، توالت الحكومات المتعاقبة، والتي لم تخلُ من وزراء من المدينة، إذ ارتبطت ألقاب عائلات محددة بالحكومات المغربية حتى اليوم، من قبيل آل بنجلون، وآل برادة، وآل القباج، وآل بنيس، وآل الفاسي، وآل السلاوي، وغيرهم من العائلات الفاسية الشهيرة.
ومن أهم الشخصيات المتحدرة من فاس، والتي بصمت على حضورٍ طاغٍ في الحكومات المغربية المتعاقبة، خصوصاً في العقود الثلاثة الأخيرة، الراحل عز الدين العراقي، والذي ترأس حكومة البلاد بين 1986 و1992، ومحمد كريم العمراني أيضاً، أحد أكبر أثرياء المملكة، والذي ترأس الحكومة ثلاث مرات في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ثم عباس الفاسي الذي كان يترأس الحكومة قبل حلول "الربيع العربي"، وإجراء انتخابات مبكرة حملت الإسلاميين للحكومة.
وامتد اكتساح أهل فاس للمناصب الحكومية بعد ذلك، إلى حد تولي أفراد الأسرة الواحدة قطاعات وزارية ورسمية مختلفة، ومنهم الطيب الفاسي الفهرِي، وزير الخارجية الأسبق، والمستشار الملكي الحالي، وهو قريب نزار بركة، وزير المالية السابق، كما أن وزيرة الصحة السابقة، ياسمينة بادو، هي زوجة علي الفاسي الفهري، أحد رجالات الدولة في المغرب.
ويوجد على رأس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية"، وهو يحرص على التأكيد أن أصوله تنحدر من مدينة فاس أيضاً، ويقول في هذا الصدد "أصل عائلتي بلا شك من فاس"، مضيفاً أن والده "جاء إلى الرباط مبكراً، وفيها ترعرعت وخضت غمار العمل الإسلامي والسياسي".
وفي الضفة المقابلة لرئيس الحكومة الفاسي، يؤدي الأمين العام لحزب "الاستقلال" حميد شباط، وهو عمدة مدينة فاس، وأحد أشهر أبنائها في الوقت الراهن، دور المعارض للحكومة، بعد أن جرب العمل داخلها بضعة أشهر، ثم أعلن انسحابه من صفوفها، بسبب خلافات مع رئيس الحكومة تحديداً، وهو يواصل حالياً انتقاداته الحادة في كثير من الأحيان للحكومة، خصوصاً للحزب الذي يقودها.
اقرأ أيضاً: قلعة مازغان المغربية.. مدينة عاشت بثلاثة أسماء