فادي أبي سمرا/ممثل لبناني (فيسبوك)
18 اغسطس 2020
+ الخط -

ينتمي فادي أبي سمرا إلى نخبة من الفنانين والمثقفين اللبنانيين الذين يخوضون نضالاً حقيقياً للبقاء في بيروت، والاستمرار بضخّ الحياة في شرايين المدينة الثقافية والفنية، وخصوصاً منها المسرحية. الممثل والمخرج المسرحي الذي عرفته شوارع المدينة مُشاركاً فاعلاً في ثورة 17 تشرين المطلبية، يعبّر في هذا الحوار مع "العربي الجديد" عن مشاعر الأسى تجاه مشاهد بيروت الغارقة بدماء أبنائها، قائلاً: "لدي إحساس رهيب بالألم والخسارة، ولكننا نعرف المرتكبين جميعاً بالأسماء ويجب محاسبتهم على ما اقترفوه. ونحن كشعب، يجب أن نعرف أن هناك دائماً بابا للأمل يمكننا يوماً ما أن نجتازه لنعبر إلى الضفّة الثانية". 

لا يستغرب الفنان الذي أمضى أكثر من 25 عاماً على خشبة المسارح، وفي أدوار بطولية على الشاشتين الصغيرة والكبيرة، موجة الهجرة التي تحمل عدداً متزايداً من الفنانين إلى بلدان أخرى أكثر أماناً، عن هذا الأمر، يضيف: "سأحاول بكلّ ما أستطيع من قوّة أن أبقى في البلد. لكنني لا ألوم الناس الذين قرروا الهجرة لأسجّل على حسابهم مواقف وطنية، وإنّ أصعب أمر يواجهه الإنسان في الحياة، هو أن يخونه وطنه، وهذا الذي يحصل، فالدولة والمؤسسات في لبنان، وليس الوطن، أوصلتنا إلى مكان، حيث يعني لنا البلد كثيراً، لكنهم حوّلوه جحيماً نعيش فيه. وبالتالي لا ألوم الذين هاجروا، وهم أصدقاء وأصحاب يعملون في مجال الفن، وفي كلّ القطاعات، وحاولوا كثيراً بكلّ قوتهم وعملهم أن يبقوا في لبنان، لكن الطبقة الحاكمة تجعل المَلَاك يهرب من هذا البلد".
ويكمل: "كنت من الأوائل الذين نزلوا إلى الساحات وطالبوا ورفعوا الصوت، ولا أريد أن أنقل الإحباط الذي ينتابني إلى الآخرين. لكن بالتأكيد هناك نكسات ونزلات وطلعات، إن على الصعيد الشخصي أو على مستوى الجماعة، إلّا أنّ أحقية قضيتنا كمواطنين لبنانيين لن تموت، فهي إن تراجعت، بسبب الظروف الصعبة خلال الفترة الأخيرة مثل الوضع الاقتصادي الذي ازداد سوءاً وجائحة كورونا، إلا أنّها لم تتراجع إلا لأخذ نفس جديد. السكوت لم يعد خياراً متاحاً أمام الناس، وإيصال الصوت لم يعد مجرّد وسيلة تعبير، بل واجبٌ وطنيٌ وفعل مقاومة من أجل الحياة". 

وعمّا إذا كان مجال التمثيل قد خانه هو الآخر، يجيب: "في الحياة لا يوجد وفاء أو خذلان بنسبة مئة في المئة. لقد حصدت نتيجة مرضية من محطات عدة أعطيت فيها كثيراً، وعلى الأقل لقيت ردود فعل إيجابية مُحمِّسة ومشجِّعة من مجموعة من الناس يعني لي رأيها كثيراً. بشكلٍ عام، لست غاضباً على مهنة التمثيل، إذ إنني قمت بما أنا مقتنع به وأحبّه، وفي المحصّلة إنّ ما يخرج من الفنان ويكون حقيقياً وصادقاً هو الذي يبقى له فيما لا يبقى أيّ شيء آخر. ولقد أنجزت أشياء كثيرة أحبّها وأؤمن بها".
أحدث أعمال أبي سمرا السينمائية هو فيلم "مفاتيح مكسورة" لجيمي كيروز الذي وصل أخيراً إلى الترشيحات الرسمية لمهرجان "كان" السينمائي العريق.  ويروي الفيلم قصة فنان عربي يعشق الموسيقى ويحاول الهروب من الحرب والإرهاب في بلده ليصبح موسيقيَّاً في أوروبا، ولكن مقاتلو داعش يحطّمون آلة البيانو الخاصة به، لتبدأ رحلة نضاله من أجل تحقيق حلمه، رغم كل الخراب المحيط به. 
ويرى أبي سمرا أن الفيلم هو دعوة قوية إلى عشق الحياة وإلى التشبّث بالأمل، قائلاً: "موضوع الفيلم حاضر بقوة ويشغل كثيرا من الناس ويطرح الحياة والحب والموسيقى في وجه الظلامية والانغلاق والقوقعة. وهذا الأمر في هذا الزمن وفي ظلّ الظروف التي نعيشها يُعتبر رسالة مهمّة جداً. وأعتقد أنّ اللجنة التي شاهدت هذا الفيلم في مهرجان (كان) لمست هذا الأمر، ولهذا السبب وصل الفيلم إلى الترشيحات الرسمية. وكنا نتمنَّى أن يكون الوضع طبيعياً للاحتفال بهذا الإنجاز كما يجب".
أما درامياً فبعد النجاح الكبير الذي حققه بشخصية "هولو" في مسلسل "الهيبة"، شارك أبي سمرا أخيراً في مسلسل "دقيقة صمت" إلى جانب الممثل السوري عابد فهد. كما أدَّى دوراً لافتاً في مسلسل "الكاتب" إلى جانب أبطاله من أمثال باسل خيّاط ودانييلا رحمة وندى أبو فرحات وغبريال يمّين. 

وعن مشاركته في البطولات الدرامية كصاحب خلفية أكاديمية وخرّيج معهد فنون يقول: "هناك مجموعة كبيرة من الأكاديميين أخذت مكانها في الدراما في السنتين الأخيرتين. أمّا بالنسبة إلى تجربتي في الدراما، والتي بدأتها منذ نحو 4 سنوات، فكانت مشجّعة لكثيرين من الأكاديميين وخريجي وطلاب المعاهد والمسرح. وأشيد بأنّ تفكير المنتجين بات إيجابياً، ففي الإنتاجات الدرامية الأخيرة شاهدت مجموعة من الأكاديميين، ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر ندى أبو فرحات وديامان بو عبود وكارول عبود ومحمد عقيل وطلال الجردي. وفرحت جداً هذا العام بالأدوار التي لعبوها وبالأداء الذي قدّموه. ومن المُفرح أن نرى في السنوات الأخيرة مُشاركات درامية لأكاديميين موهوبين في أدوار يتألّقون فيها، وهذه بادرة ممتازة يُبنى عليها للمستقبل لكي يكون طلاب المسرح والسينما موجودين في الأعمال الدرامية، ما يرفع المستوى من النواحي كلّها".
وعن مشاركته في مسلسل "2020" إلى جانب قصي خولي ونادين نجيم في رمضان المقبل يكشف: " أقدّم شخصيَّة جديدة ومُختلفة، وهي عبارة عن مزيج من شخصيات عدة أديتها سابقاً، لكن بإطلالة مختلفة وفي بيئة عمل مختلفة جداً. فرحت بتأديتي هذا الدور، وكان التعاون جميلاً مع جميع الممثلين والمخرج فيليب أسمر. وأتمنى أن يحب المشاهدون هذه الشخصية مثلما أحببتها".

المساهمون