فاتن حمامة المحبوبة

23 يناير 2015

فاتن حمامة في فيلم القاهرة باللغة الإنجليزية (يناير/1963)

+ الخط -
أحبّ جمهور السينما العربية، بشرائحه الاجتماعية كافة، فاتن حمامة، منذ انطلاقتها في عالم التمثيل. لماذا كان كل هذا الحبّ الذي أُغدق عليها بلا شروط، وبلا أي نقد، في ما يخص عملها، وكذلك سيرتها الشخصية، وهي التي تنتمي إلى فئة من المجتمع، الممثلين والممثلات، وحياة هؤلاء مفتوحة دائماً على النقد والثرثرات والنهش؟
لم تكن فاتن حمامة صارخة الجمال. كانت نموذجاً لجمال المرأة المصرية الهادئ والعميق الذي لا يعلن عن نفسه بمجرد رؤيته، بل هو الجمال الذي يستدرجك، لكي تكتشف كنهه وعوالمه الخاصة، جمالٌ أقرب إلى جملة فلسفية عادية المفردات، لكنك حين تقرأها، وتعيد قراءتها، تقودك إلى أسرارها ومكامن السحر فيها.
بهذا النمط من الجمال، دخلت فاتن حمامة عالم التمثيل السينمائي، وجهدت وساعدها في ذلك مخرجون كبار على إيجاد الهارموني الطاغي بين الجمال الخارجي الفيزيائي وجمال الروح وروعة الأداء التمثيلي، ما صنع منها ممثلةً، تميزت عن كل جيلها والأجيال اللاحقة في السينما المصرية، وهذا ما تركها أسيرة، راغبة بأسرها، الصورة النمطية التي احتفظت بها إلى آخر عمل درامي تلفزي أدته عام 2000.
ويمكن القول إن فاتن حمامة كانت الممثلة الأبرز والابنة المثالية للمرحلة الناصرية التي حاولت أن تنتج ثقافتها الخاصة عبر إنتاج شخصية مصرية طاغية، وممتدة التأثير، ومرتبطة أشد الارتباط بما كانت تمثله الناصرية، في العقد الأول وحتى منتصف العقد الثاني من نهوضها في منتصف الستينيات. فقد لعبت فاتن حمامة أدواراً لاقت إعجاب الجمهور المصري والعربي، المتمسك بقيم أخلاقية وعائلية، مبنية أساساً على قيم دينية متسامحة آنذاك، فلم نجد إلّا نادراً دوراً أدته حمامة يتناقض مع هذه القيم، فهي المرأة الرزينة المحترمة، المخلصة للأخلاق الحميدة، المضحية في سبيلها، فأحبها الأزواج لأنها كانت تمثل نموذجاً يحتذى للمرأة المقبولة اجتماعياً، وأحبتها الزوجات لأنها لم تلعب سينمائياً دور المرأة اللعوب أو الغاوية، كما بنات جيلها مثل هند رستم وهدى سلطان، أو سعاد حسني ونادية لطفي وناهد شريف فيما بعد. كانت تلك النماذج من الممثلات محاولة لإعادة إنتاج النجمات الهوليوديات، مثل مارلين مونرو وجين مانسفيلد وغيرهما، الممثلات الشقراوات اللواتي قدمتهن السينما الأميركية أمثولات عالمية للمرأة، لم تمت حتى اليوم. في حين أن فاتن حمامة، في هذا السياق، قدمتها السينما المصرية والمرحلة الناصرية أمثولة عالمية للمرأة المصرية، وتحصيلاً المرأة العربية، وهذا ما كرّس حضورها الذي صدم الملايين بالغياب في الأسبوع الماضي.
ربما نستطيع القول إن أفلام فاتن حمامة، في مرحلة الخمسينيات، لم تخرج عما أرادته الرؤية الناصرية للمجتمع وللصراع الاجتماعي، في تلك المرحلة، ما بين الطبقة الوسطى الصاعدة في المجتمع على أنقاض طبقة إقطاعية متهاوية ومتآكلة، والتي كان ضباط الجيش المصري الذين استولوا على السلطة في بداية الخمسينيات ممثلين أوفياء لها. فلو أخذنا مثلا فيلم "صراع في الوادي" ليوسف شاهين، لرأينا مشهد الصراع بين الإقطاع والطبقات الجديدة وانهيار الطبقة القديمة عبر نموذج الإقطاعي المفلس والفاسد. لم تكن فاتن حمامة ابنة الإقطاعي، زكي رستم، في الفيلم سوى نموذج للرؤية التصالحية بين الفلاحين والشريحة الطيبة، أي فاتن حمامة، من الإقطاع القديم المتهالك.
ولو أخذنا نموذجاً آخر من أفلام تلك الحقبة، تناول احتلال فلسطين، وهو فيلم "أرض السلام" لكمال الشيخ، لظهرت لنا، بكل وضوح، الرؤية الناصرية للمسألة الفلسطينية، حيث قدمت شخصية الفلسطينيين في تلك الفترة شعباً يثير الشفقة، مستسلماً للأمر الواقع الذي فرضه الاحتلال، ولم يبادروا إلى مقاومة الاحتلال، إلى أن جاء الفدائي المصري (عمر الشريف) ممثلاً النظام المصري الناصري الذي سيحرر فلسطين، ويكون دور الفلسطينيين مجرد مساعدين للفدائي المصري الذي تقع في غرامه الفلسطينية فاتن حمامة!



8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.