غطّى انتصار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في انتخابات الرئاسة التي أُجريت في أغسطس/آب الماضي، على حدث خروج الرئيس التركي السابق عبدالله غول من الميدان السياسي التركي، فخلف أردوغان الرئيس السابق، فيما اختير أحمد داود أوغلو رئيساً للوزراء خلفاً لأردوغان، لينهار بذلك ما كان يُروّج له حول تكرار النموذج الروسي بين الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ديمتري ميدفيدف في تركيا.
لم يتلقَّ غول حقّه، بل بدا خروجه قسرياً، فبعد يوم واحد من إعلان رغبته بمعاودته نشاطه السياسي في حزب "الحرية والعدالة"، كونه أحد المؤسسين وعضو اللجنة المركزية، تمت الدعوة إلى مؤتمر عام للحزب، وذلك قبل خروج غول من قصر أكجاكالة رسمياً، لمنعه من حضور المؤتمر بكل الثقل الذي يمثّله وبكل الاحترام الذي كان سيجعله منافساً يستطيع هزيمة داود أوغلو بأريحية عالية، الأمر الذي لم يعلّق عليه الرجل وهو المعروف بهدوئه، لأسباب عديدة يأتي على رأسها عدم الرغبة بتمزيق الحزب، لأن الصراع بين غول وأردوغان لو حدث ما كان ليمر من دون كارثة حقيقية قد تُنهي مستقبل الإسلام السياسي برمته في البلاد.
انسحب غول من الأضواء وبدا كأنه يعيش تقاعداً مريحاً في منزله في إسطنبول، ليعاود الظهور للمرة الأولى منذ مغادرته لمنصب الرئاسة قبل أيام، لكن في هيلفيكس في كندا، وذلك لحضور منتدى هيلفيكس الدولي للأمن، والذي يُعتبر من أهم التجمعات العالمية للأمن الذي بدأ لأول مرة عام 2009، ونجح خلال هذه الفترة القصيرة في جذب رجال الدولة والسياسيين والخبراء وقادة الرأي من جميع أنحاء العالم، إضافة إلى أعضاء في الكونغرس الأميركي، من بينهم السيناتور جون ماكين.
وعلى الرغم من أن غول يحضر للمرة الأولى فقد وُضع على لائحة المتكلمين، للدور الكبير الذي بدأت تلعبه أنقرة على مستوى السياسة العالمية وأيضاً على المستوى المحلي، ليؤكد رئيس المؤتمر أن حضور غول أمر مهمّ جداً.
لاقى غول الكثير من الترحاب على الرغم من الهجوم الشديد الذي وجّهته قيادات في العالم الغربي لخلفه أردوغان، منتقدين رفض أنقرة فتح قاعدة إنجرليك للعمليات العسكرية، ورفضهاً أيضاً الانخراط العسكري في الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
تميزت كلمة غول في المنتدى بالهدوء، وبعد الحديث عن مساهماته خلال عمله السياسي في تركيا، أقرّ بالمشاكل التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط وخيبة الأمل من فشل المجتمع الدولي في حلها، لكن الكلمة بدت في الوقت ذاته بعيدة تماماً عن خطوط السياسة الخارجية التركية الحالية وأكثر قرباً لتوجهات السياسة الغربية.
ففي الوقت الذي لا يتوقف فيه أردوغان عن مهاجمة السياسة الغربية على مواقفها المتقاعسة تجاه قضايا المنطقة كالقضية الفلسطينية والأزمة السورية، أثنى غول على الإدارة الأميركية التي ساهمت، على حد تعبيره، في تخليص المنطقة من أحد المخاطر المتمثلة بأسلحة النظام السوري الكيميائية.
وأثنى أيضاً على المفاوضات التي تديرها مع الحكومة الإيرانية حول برنامجها النووي، وعلى ما أطلق عليه إخلاص الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة بالعمل على حل مشاكل المنطقة، ممثَلين بالرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري وأيضاً السيناتور الجمهوري جون ماكين، ولم ينسَ الثناء على جهود الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز.
وعلى الرغم من أن الكثير من المحللين الأتراك روّجوا لظهور غول على أنه عودة للسياسة التركية من الباب الخلفي معللين ذلك بكلمته في المنتدى البعيدة عن خط أردوغان، فإن الأمر لا يبدو كذلك، إذ إن الرجلين لطالما بقيا مختلفين في الأداء السياسي، ففي الوقت الذي كان أردوغان فيه عنيفاً وصدامياً دوماً، بقي غول الرجل الهادئ، حتى أنهما اتُهما مراراً بممارسة لعب الشد والرخي.
ولا يبدو الظهور الجديد لغول كعودة سياسي يريد تولي المناصب مرة أخرى، بقدر ما هو عودة إلى الحياة العامة كخبير وشخصية عامة أو ربما على طريقة رؤساء الولايات المتحدة السابقين أو نوابهم، كما فعل الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر بإنشاء مركز جيمي كارتر الناشط في مجال تمكين السلام ومكافحة الأمراض، أو نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور الذي أصبح ناشطاً في مجال المناخ.