غواية التنجيم

10 اغسطس 2015
ثمة حياة أخرى إذاً (Getty)
+ الخط -

ليس مما يخالف العقل والمنطق، أحياناً، القول إن الماضي لا يمضي. فقط يبدل شكله المادي محافظاً على جوهره النفسي. لم يلغ مستوى التقدم العلمي الكبير ولا التبدل الثقافي المتسارع ولا انتشار التعليم، شيئاً من قوة الخرافة في أذهان كثيرين. ما زالت قراءة الأبراج تجد رواجاً ولها جمهورها، وثمة كتب كثيرة حولها تطبع كل سنة.
بقيت الخرافة حاضرة وإن بدلت ثوبها القديم. ما كنا نظنه قديماً ومضى عليه الزمن ليس كذلك في الحقيقة. يمكن للشكل الظاهري أن يتبدل غير أن الوظيفة القديمة والمضمون المستعاد يبقى ويتناسل من جيل إلى آخر.

ينصرف عمل المنجمين إلى المستقبل. هناك حيث يتنافس اليأس والأمل داخل قلوب محتارة إزاء الزمن الآتي وأحداثه. يقرأ المنجّمون الكفّ والفنجان كما لو أنهم يبصرون الغد وجهاً لوجه. ثمة سحر في الأمر، أن تتجاوز الحاضر وتحلق في رحاب الغد. غيرك يتكفل بالأمر وما عليك سوى انتظار عمله.
الإغراء سهل وجذاب عندما يكون الوعي ضعيفاً إزاء الحقيقة. يتقدم الكسل على العمل. لا أحد يرضى أن ينتظر حتى يرى، أو يجهد حتى يستحق أو يعترف حتى يطمئن. المغرمون بالغد السريع متسرعون إزاء أقدارهم التي يفضلون ألا يعلموا عنها شيئاً، مرجئين ما هو أكيد ومقبل لصالح ما هو متخيل ومجهول. ربما هو الخوف المقلق الذي يجعلهم يفكرون على هذا النحو، أو الكسل أو فقدان الثقة بالنفس، أو هو مجرد لهو ورغبة بالتسلية وقبول افتراضي مريح لما ينتظرهم.

غير أن التسلية الرائجة على هذا النحو تتحول إلى عادة سرعان ما تغدو نمط حياة عامة. ما كان في عداد اللهو وتمضية الوقت صار صحبة يومية وشراكة وثيقة ومرافقة مزمنة. هذا التلاقي غير المراقب والمتكرر وغير المحسوب، يسهّل عودة الأساطير والخرافات إلى حياتنا. تراجع الوعي يتناسب مع تقدم الخرافة. الحاجة الغيبيّة تخلق شبيهاً بها، والضعف يجد سنداً في مضاعفة الوهم، والانتظار يمتلئ وعوداً تلو أخرى، فيما الزمن الحقيقي والفعل الماثل يتبخران ويتحولان إلى ضباب فوق الرؤوس وأمام العيون. ثمة من يفضل المداراة على المواجهة، والتأجيل على المبادرة. هذا مزاج يناسب الكسل الذي يجد ضالته في غواية التنجيم.

الكتابة عن الحظوظ لا تكلف شيئاً. إنها تتبخر، بعضها يزيل البعض الآخر، وتظل تعود لتنهل من لا شيء. طرفا العلاقة لا يتحملان أي مسؤولية. ثمة حياة أخرى إذاً، كيفما كانت، وان لم تكن حقيقية. لا أحد يخسر شيئاً، ربما إلا فقدان الذات لنفسها وتفضيل الغواية على الواقع. سحر ما يرافق العقول، يخدرها فتبدو في مكان آخر، حتى إن كان غير موجود، حتى إن كان محض وهم.

اقرأ أيضاً: نساء عراقيات يستخدمن المقابر للتربح بأعمال السحر


دلالات
المساهمون