غطرسة نتنياهو واستياء أميركي

13 فبراير 2015

أوباما ونتنياهو في البيت الأبيض (30 سبتمبر/2013/Getty)

+ الخط -
في رده على الأسئلة في مؤتمر صحافي، مشترك مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بدا الرئيس الأميركي، باراك أوباما، منزعجاً ومندهشاً من تمادي رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في تحديه، ليس فقط إدارته، بل، أيضاً، الخمسة الباقون من الفريق الدولي المفاوض مع إيران. وكأنه ناقم عليهم جميعاً، لأنهم يتصرفون في الموضوع، بما يضمن حل المسألة دبلوماسيّاً إن أمكن، في حين أنه يريد سلق الموضوع بشروطه. وبذلك، هو لا يتحدى الولايات المتحدة فقط، بل، أيضاً، المجتمع الدولي المجمع على استنفاد كل الخيارات الدبلوماسية، قبل أي إجراءات أخرى، تنطوي على مخاطر دولية جسيمة. بمعنى آخر، يتصرف نتنياهو وكأن هذا الملف معنية إسرائيل، حصرياً، به، وبالتالي، فرض الأجندة وفق منظوره، وجعل توقيت الخطاب في الكونغرس مناسبة لإعلان هذه الأجندة، بحيث يبدو وكأنه بات البديل للدول الكبرى 5+ 1، المعنية مباشرة بهذا الموضوع. فهو يبدو وكأنه يشكك في جدوى المفاوضات الراهنة وصدقيتها.
من جهة ثانية، ما يدعو إلى الاستغراب، أيضاً، أن رئيس مجلس النواب، جون بوينر، تسرع في الاستجابة للخطاب، بحيث بدا وكأنه غلّب الاعتبارات الإسرائيلية من موقع القوة التي كسبها نتيجة الانتخابات، على الاعتبارات الأميركية، البروتوكولية منها والسياسية، على أساس أن السياسة الخارجية أمر موكول للبيت الأبيض أصلاً. ليس ذلك فحسب، بل إنه واصل عناده، والزعم بأن دعوته كانت في محلها، وإلى الحدّ الذي أحرج أنصار إسرائيل من اليهود في الكونغرس وخارجه، الذين قرر بعضهم في مجلسي النواب والشيوخ مقاطعة جلسة الخطاب، كما قرر نائب الرئيس، جون بايدن، مقاطعته.
والآن، يسعى هؤلاء الأنصار إلى إيجاد منابر بديلة، توفر له أن يلقي الخطاب، مثل مؤتمر اللوبي الإسرائيلي المزمع عقده في الموعد نفسه. لكن، ما يشغل هؤلاء، الآن، عمق الشرخ الذي أحدثه نتنياهو مع أوباما، لما قد يؤدي إليه من ضمور العلاقات التقليدية بين واشنطن وإسرائيل. ففي ظل هذه الأجواء، بدأ التشكيك في أوساط الرأي العام بنجاعة العلاقة المميزة مع إسرائيل، في ضوء التحديات التي يمارسها نتنياهو، بحيث بدأ يتكون انطباع أنه إذا كان
يتصرف مع رئيس البلد الذي وفر له كل أسباب الوقاية والتفوق، فكيف مع الآخرين، مثل الفلسطينيين الذين يعانون من سياساته، وتخريبه ما تسمي المفاوضات العبثية، فضلاً عن قضمه المتواصل الأراضي الفلسطينية في القدس والضفة، ناهيك عن شراسة حروبه الدورية، ومنها الحرب العدوانية على غزة الصيف الماضي، وليس نهايتها.
هذا التحدي يجب أن يُجابه، لأن سلوك نتنياهو صار بمثابة خطر حتى على اليهود، كما كشفت وما زالت الصحافة الإسرائيلية التي قال أحد ناشريها، جريدة يديعوت أحرونوت، إن مهمته الوحيدة، الآن، هي " إسقاط نتنياهو " في الانتخابات. حتى أن ما قام به في أثناء مشاركته في التظاهرة الدولية في باريس، بعد الاعتداء الإرهابي على مجلة شارلي إيبدو، أثار الاستياء، أيضاً، في صفوف اليهود، بحيث بدا وكأنه يستغل الفرصة، ويحرض اليهود الفرنسيين على الهجرة إلى إسرائيل؛ كما أثار استفزازه الرئيس أوباما منظمات كثيرة، وبعض النواب اليهود الأميركيين الذين احتجوا، ورفضوا " إهانة رئيسنا"، كما قال المعلق اليهودي في "واشنطن بوست"، ريشارد كوهين.
ولقد تسببت دعوة رئيس مجلس النواب، بوينر، نتنياهو، بالضرر لسمعته، لكونها كانت ارتجالية ومجرد استجابة في غير محلها لسفير نتنياهو في واشنطن الذي لجأ إلى الخداع؛ كما تسببت بالأذى لمكانته ومكانة المؤسسة التي يرأسها. فإذا كان نتنياهو يفترض أن واشنطن ساحة سياسية مباحة له، فهل كان على رئيس النواب أن يساعده عن قصد، أو من زاوية تسديد حساب مع البيت الأبيض، على تحقيق تصوره الذي ساهمت واشنطن، على مرّ الزمن، في تغذيته.
تسلط هذه الإشكالية الأضواء على جوانب مهمة، ينبغي استيعابها لفهم أعمق وأشمل لحقيقة تفكير نتنياهو الذي يجسّد خلاصة الفكر الصهيوني، بما هو إملائي، ولا يثق في الآخرين، كائناً من كانوا، حتى لو كانت واشنطن المعنية. الأمر الذي يتطلب تصحيح المقاربات وطرق التعامل، وعدم التمادي في المراهنات على مفاوضات عبثية، بالشكل الذي عرفناه. كما أنه على اللائحة العربية في الانتخابات كما على "دائرة الوجدان" في إسرائيل دراسة هذه الإشكالية، بما يساعد على بلورة فهم أعمق للسلوك الإسرائيلي خلال مسيرة "المفاوضات" التي كفلت إجهاضها طوال أكثر من عشرين سنة منذ أوسلو. فما حصل في واشنطن، أخيراً، لا بدّ وأن يعمق القناعة بأن إسرائيل لا يوجد في قاموسها سلام، خصوصاً تجاه الشعب الفلسطيني. وهذه فرصة للعرب لكي يعيدوا للقضية الفلسطينية أولويتها، وبما يساهم في إعادة تصحيح الالتزام التاريخي بها.