غضب سوداني من السعودية... ودعوات لإعادة صياغة العلاقة

16 مارس 2018
من تدريبات سودانية سعودية مشتركة (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
يتصاعد الغضب في السودان تجاه مواقف السعودية من الخرطوم، في ظل تقاعس الرياض عن دعم الخرطوم في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية، على الرغم من الموقف السوداني الداعم للتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، والتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، وهما تحالفان تقودهما السعودية.

وبرز هذا الغضب في مقالات لكتّاب سودانيين معروفين، وكان اللافت أن السلطات السودانية سمحت بتوجيه هذا النقد المباشر للسعودية، على عكس فترات سابقة. وكان السودان من أول الدول التي دعمت "عاصفة الحزم" التي أعلنها الجيش السعودي في مارس/آذار 2015 في اليمن، ولم يقتصر هذا الدعم على الجانب السياسي، بل سرعان ما بعثت الخرطوم بقوات سودانية تُقدر بآلاف الجنود للمشاركة في العمليات العسكرية. وخلال ثلاث سنوات، لقي العشرات منهم مصرعهم في القتال، وسط احتجاجات سودانية صامتة وخجولة من كثير من القطاعات.

ويُعدّ ضياء الدين بلال، رئيس تحرير صحيفة "السوداني" واسعة الانتشار، آخر المنضمين لقائمة من الكتّاب الذين بدأوا في الآونة الأخيرة بتوجيه نقد حاد للرياض لأكثر من سبب، أبرزها عدم تقديم دعم للسودان لمواجهة الضائقة الاقتصادية، واستمرار رفض البنوك السعودية السماح للمغتربين السودانيين بتحويل مدخراتهم المالية عبر المصارف على الرغم من قرار رفع العقوبات الأميركية عن السودان.

وقال بلال، في زاويته "العين الثالثة" في الصحيفة، إن "ما يضاعف شعور السودانيين بالإحباط والغضب، أنّ بنوك الدولة الصديقة المملكة العربية السعودية ما تزال ممتنعة عن إنجاز تحويلات السودانيين المقيمين بها، بينما سبقتها في ذلك بنوك أميركية وأوروبية". وأضاف: "هذا الموقف يُشعِر السودانيين بأنّ المملكة لا تُسهم في تخفيف الضائقة الاقتصادية عنهم، بل تُسهم في تأزيم وتشديد الخناق عليهم، ونربأ بأرض الحرمين الشريفين فعل ذلك". وأكد بلال أن السودان لا يُطالب بمقابلٍ مالي على ما فعل، وما هو مستمر في فعله باليمن، لكنه يستحق أن يُعامل بتقدير واحترامٍ، مشيراً إلى أن الاستياء الشعبي الواسع، الذي عبَّر عنه صراحة بعض الكُتَّاب، لا يتعلَّق بالجوانب المالية، لكنه مُرتبط بالتقدير المعنوي.

والتقدير المعنوي، عند رئيس تحرير "السوداني"، هو فقط تسجيل زيارات لهذه الدولة، التي تجمعها بالمملكة صلات عميقة، مشيراً إلى أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، طاف على أغلب الدول الأفريقية، ولم تحط طائرته في مطار الخرطوم حتى للتزود بالوقود. وقارن الموقف السعودي من السودان بموقف دولة قطر، على الرغم من عدم مساندة السودان للأخيرة في مواجهة الحصار المفروض عليها، ولو في حدود إبداء التعاطف، مبيناً أن عدداً من كبار المسؤولين القطريين، سجلوا زياراتٍ متعددة للسودان، قبل الحصار وبعده، آخرهم وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني، الذي مكث الأسبوع الماضي، يومين في الخرطوم.

من جهته، أشار رئيس تحرير صحيفة "مصادر"، عبد الماجد عبد الحميد، إلى "التعهدات السعودية بتقديم كل عون طلبته مصر التي تلقت منذ العام 2011 دعماً مادياً تجاوز الـ21 مليار دولار، هذا بخلاف مبالغ أخرى ضلت طريقها للحسابات والمؤسسات المالية الرسمية في مصر"، متحدثاً عن "عدم توقف الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية، عن مساندة ودعم عهد السيسي في مصر".

ولفت رئيس تحرير "مصادر" إلى زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان إلى القاهرة، قائلاً إنها "ليست الزيارة الأولى لمسؤول سعودي رفيع إلى مصر بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها توقيع مئات الاتفاقيات القابلة للتنفيذ بلا تأخير"، مضيفاً "هذه ليست المرة الأولى التي يتساءل فيها الشارع السوداني عامة والمشتغلون بالشأن السياسي والإعلامي خاصة، عن الأسباب والمبررات التي تمنع أي مسؤول سعودي رفيع عن زيارة السودان".

وذكر الكاتب أن العالم تجاوز محطة العلاقات العاطفية بين الشعوب مهما تقاربت وزادت أواصر صلات القربى والدم ورباط العقيدة بين شعوبها وأن هذا زمان المصالح والمواقف الاستراتيجية بامتياز، وأضاف: "مثلما أعدنا صياغة طريقة تعاملنا الظرفي والاستراتيجي مع عدة دول من حولنا وبعيداً عنا... ومثلما أقدمنا على هذه الخطوة، وبشجاعة، نحتاج أن نعيد صياغة أسئلة تعاملنا الظرفي والاستراتيجي مع المملكة العربية السعودية".


لكن الكاتب في صحيفة "اليوم التالي" محمد لطيف، عزا اهتمام الرياض بالقاهرة على حساب الخرطوم إلى أكثر من سبب، قائلاً إن الرياض رمت بثقلها منذ اليوم الأول، خلف التغيير الذي شهدته مصر في 30 يونيو "وهو التغيير الذي أنهى حقبة الإسلام السياسي في مصر"، مشيراً إلى أن الرياض أكثر من مجرد مؤيد للانقلاب في مصر "فهي إن لم تكن صانعة فهي داعمة". أما موقف السعودية من الحكومة السودانية، فقال عنه لطيف إن "الرياض ولسنوات طويلة تسد أبوابها وتصم أذنيها عن التعاطي مع الخرطوم".

ولا تتوقف خيبة الأمل في مواقف الرياض عند حدود الكتّاب، بل تعدّت إلى أحزاب شريكة في الحكومة، ففي تصريح سابق لـ"لعربي الجديد"، قال القيادي في حزب "المؤتمر الشعبي" شير ادم رحمة، والذي يشغل منصب رئيس لجنة الري والزراعة في البرلمان السوداني، إن المقابل الاقتصادي والسياسي الذي حصل عليه السودان نتيجة تحالفه مع السعودية في اليمن، يتضاءل مع ما نالته مصر التي لم تشارك عسكرياً أصلاً في العمليات في اليمن. وأضاف أن السودان أراد في الفترات السابقة، بعث رسالة قوية للسعودية، من خلال التواصل القوي مع روسيا وتركيا وغيرهما.

وتعليقاً على هذا الأمر، قال السفير السابق في وزارة الخارجية السودانية، الرشيد أبو شامة، لـ"العربي الجديد" إن المطالبة بمقابل لمشاركة الجيش السوداني في اليمن هي غير مبررة، لأن الجيش ذهب إلى هناك وفق مبادئ وليس من أجل المال، مشيراً إلى أن الذين طالبوا بذلك يريدون تحويل الجيش إلى مجرد مرتزقة.

وحول رفض البنوك السعودية تحويل مدخرات المغتربين السودانيين، قال أبو شامة، إن تلك مسؤولية الجهات الفنية في بنك السودان التي عليها التواصل مع الجانب السعودي في هذا الموضوع، وإن رفضت البنوك السعودية عليها رفع الأمر للحكومة التي عليها في المقابل مناقشته مع الحكومة السعودية، وبعد ذلك إذا حدث أي رفض يمكن للخرطوم اتخاذ موقف. لكن أبو شامة أشار إلى ما اعتبره أخطر من كل ذلك بقيام السعودية ومن دون مراعاة للسودان بالاتفاق مع مصر بشأن جزيرتي تيران وصنافير، وهو اتفاق اعتُبر مضمونه اعترافاً بتبعية حلايب لمصر. ولفت إلى أنه كان على الحكومة السودانية تصعيد الموضوع إلى أبعد مدى وليس الاكتفاء بخطاب احتجاجي من وزير الخارجية إبراهيم غندور لنظيره السعودي الذي لم يتكرم بالرد على ذلك الخطاب حتى الآن.

المساهمون