غزّة تقاوم مخرز الاحتلال ومواليه

19 يوليو 2014
+ الخط -
غزة وحيدة. غزة واحدة. غزة ليست غزوات أصحاب "الفسطاطين" أو أصحاب "الدواعش". غزة وحيدة في حربها ضد أصحاب الحروب، ومَن والاهم، ويواليهم، من أنظمة التسلّط والاستبداد العربية. لا عزاء لغزة، إلا بمَن يقف وقفتها العنيدة ضد أن تتحوّل إلى عنوان فئوي، يختزل هويتها في أضيق ما تكون الهويات القاتلة، والانتماءات الفتنوية المجرمة.

غزة لا تنتمي إلا لهواها وهويتها. غزة فلسطينية الهوى والهوية والانتماء. غزة تقاوم، لأنها فلسطينية، لا لكونها أو لكون السلطة فيها فئوية، وليس لها إلا ذاتها، ذات فلسطينية الهوى والهوية. أما الذين يعاندون انتماءهم وهواهم وهويتهم، لكي يصطفوا إلى جانب مَن يريد تدمير غزة، فهم ليسوا وبالاً علينا، بل هم وبال على أنفسهم، وعلى شعبهم. ليتهم يدركون ما
 هم فاعلون، بل هم يدركون ويعون مخاطر ما هم مقدمون عليه. بئسهم من عسكرٍ يخرجون عن تقاليد مؤسستهم التي كانت يوماً وطنية، وتحوّلت، بفضل منطق الاستتباع، والمساعدات الأجنبية المشروطة، ليس إلى نظام سياسي فحسب، بل وإلى نظام طبقيٍ أخذ، مع الوقت، يغيّر جينات الهندسة الوراثية للطبقات الاجتماعية، بحيث باتت طبقة العسكر من أغنى الطبقات التي تتشكّل منها "الدولة العميقة"، تلك التي لا علاقة لها بالدولة كمفهوم سياسي.

سبق لغزة أن كنست احتلالات عدة، وهي، اليوم، وإن واجهت، وتواجه، احتمالات احتلال متجدّد، ولو محدود، قد يؤدي إليه اجتياح بري محدود، أو موسّع، سوف تكنسه مجدداً، ولو بعد حين، فهذا قدر غزة، وهي تقاوم المخرز، مخرز الاحتلال ومخارز وشوك مَن والاه ويواليه، للحفاظ على مصالحه الآنية والأنانية. أما الانتماء القومي، فالمؤسف أنه أصبح فضيحة الفضائح، ومهزلة المهازل، تماماً كما الانتماء الإسلاموي المقامر باستدعاء الفتن والحروب الأهلية إلى دواخل المجتمعات والشعوب والدول العربية.

غزة ليست وحيدة. ولا هي تختزل في سيمائها هذه الفئة أو تلك. غزة فلسطينية الهوى والهوية والانتماء إلى الكل؛ الكل الذي يحترم نضالات الشعوب ومقاومتها أعداء الدواخل المستترين والمتستّرين بكل أصناف الخداع والخدع السياسية، كما الدينية؛ وهي تختزل، اليوم، مقاومتها العنيفة كيان الاحتلال الإسرائيلي، فعل المقاومة الحقيقية التي لا تدّعي، ولا تتبجّح.

تشكل مقاومة الاحتلال في عقر دارنا، وحيث توجد قواته وقواه، فعل مقاومة هي المقاومة، أما التي تعرض، وتستعرض، عضلاتها ضد شعبها، وتريد، في المقابل، ابتزازه عبر الاستيلاء على مكاسب سياسية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، فهذا النوع من "المقاومة" التي مانعت، ولم تمنع غير الحرية والكرامة لأوطانها وشعوبها، ليس إلا من نوع التسلّط والطغيان الاستبدادي، كما فعلت، وتفعل، الأنظمة المشابهة، في سلوك سلطوي مَرَضيّ عماده الفوضى غير الخلاقة، وهو السلوك المقابل الذي أنتجه وينتجه، اليوم، "أصحاب الخلافة"، وهم يديرون توحّشاً قلّ نظيره عبر التاريخ، توحّشٌ لا يرعوي عن انتهاك كل القيم والأخلاقيات البشرية، وحتى تلك الشرائع الفقهية التي يزعمون أنهم يؤمنون بها، ويدّعون أنهم يطبّقونها، أو أنهم في صدد تطبيقها.

هؤلاء وأولئك، ما موقفهم ممّا يجري في غزة؟ أليست غزة أهمّ من السلطة الإكراهية التي يحاولون بناءها تحت مسمّى "الخلافة"، وأهم من سلطة الاستملاك الاستعبادية التي بنتها، وتبنيها، أنظمة الاستبداد الفئوية والعائلية؟ في كلا الحالين، وفي حالات كثيرة، لم تعد إسرائيل العدو الرئيس الذي يحمل تناقضنا معه تناقضاً تناحرياً، حتى صارت الخيانة وجهة نظر، وصار الحديث مع العدو طبيعةً لا تطبيعاً. أين نحن، اليوم، ممّا مضى؟ بينما تمضي غزة في مقاومتها، مقاومة العين للمخرز، وكما جرى كنس الاحتلال من قبل، سيجري، اليوم، وضع مداميك جديدة لمقاومة تكنس الاحتلال، فلا تستبقيه حارساً لحدود الأنظمة التي تعسكرت، ومن شدّة تعسكرها، بانت هشاشتها لتكشف عن تفكّك قواها، حتى لم تعد تفرّق بين غزة وفلسطين، وكأن غزة، بناسها وترابها وسمائها، لا تنتمي إلى فلسطين، بل إلى فضاءٍ ومجال آخر، حيث يستمرئ العسكر قلب الحقائق، ليبرروا مواقف لهم، لم يجرؤ الرئيس المخلوع، حسني مبارك، تبنّيها إزاء العدوانات السابقة على غزة. 
47584A08-581B-42EA-A993-63CB54048E47
ماجد الشيخ

كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لبنان. مواليد 1954. عمل في الصحافة الكويتية منذ منتصف السبعينات إلى 1986، أقام في قبرص، وعمل مراسلا لصحف عربية. ينشر مقالاته ودراساته في عدة صحف لبنانية وعربية.