لا ينفي الشّاب مصعب أبو توهة، أن الحصار المفروض على قطاع غزّة منذ أحد عشر عامًا ليس سياسيًا أو اقتصاديًا فحسب، وإنّما ثقافيًا أيضًا، إذ يقول: "الفلسطينيّون في غزّة متعلّمون بما فيه الكفاية، هناك الكثير من المثقفين والرجال والنساء المبدعين الذين يجب أن يكون لديهم جوٌ لائق ومريح للجلوس وقراءة وكتابة ومناقشة وتبادل الخبرات، بلغات مختلفة".
هو من هوّاة القرّاءة الجيّدين في القطاع، والمبادرين باتجاه انتزاع الكتب إلى المدينة المحاصرة.
قد يكون الأمر غريبًا بالنسبة إلى الغزيّين، إذ يسعى مصعب الذي درس اللغة الإنكليزيّة والأدب إلى استغلال مواقع التواصل الاجتماعي في طلب الكتب الأجنبية ومحاولة إدخالها بطرق عديدة من ضمنها البريد، الذي يتعطّل ما بين وقت وآخر بسبب ادّعاء الاحتلال الصهيوني أنّه عثر بداخله على أجهزة وأدوات ترسل إلى غزّة وتهدّد أمنه.
المتابع الجيّد لأوضاع المكتبات في القطاع، يلحظ أن معظمها يكاد يكون تجاريًّا، وليس بالقيمة بالمطلوبة ما يضّطر القرّاء إلى التواصل مع الأصدقاء في الخارج لإحضارها مع أي شخص يستطيع الدخول من حاجز (إيرتز/ بيت حانون) أو حاجز رفح البرّي وبأسعار باهظة تستغرق أوقاتًا طويلة.
ويضيف أبو توهة: "لقد نشأت كقارئ وكاتب. وفي ظل خضوع قطاع غزّة لحصار شديد، حيث لم يسمح إلا بأشياء قليلة، لا يستطيع الناس السفر من غزة إلى العالم، بمن في ذلك الطلاب والمرضى وإذا كان الحصار يشكّل عائقًا أمام نقل الكتب فإنه ليس من الممكن أبدًا أن يكون عائقًا أمام القراءة".
ويتابع بخصوص تطوير اللغة، أن الدراسة الجامعية لا تكفي وحدها للوصول إلى الكفاءة اللغوية في المهارات الأربع. وأن مهمّة الجامعة إعطاء المفاتيح للطلاب ومهمّة الطلاب هي التوجّه إلى أبواب العلم المختلفة سواء كانت أدبية أو علمية وفتحها والنهل من معينها العميق، "فالكتب الإنكليزية كتب بها كبار المفكّرين والأدباء والعلماء. ففرصة تكوين ثقافة تكمن في إتقان اللغة الإنكليزية وممارستها قراءة وكتابة بجانب القراءة بالعربية فهذا لا يقلّل من شأنها".
لا تقتصر قصّة الشّاب أبو توهة على أنه يجلب الكتب والروايات، بل التواصل مع بعض الكتّاب الأجانب والحصول على نسخ موقّعة منهم، غير أنّ شغفه صار يدفعه لكتابة بعض القصائد والقصص القصيرة الإنكليزيّة، وتدريسها لطلابه حيث يعمل معلّمًا.
ويطمح الشاب إلى إنشاء مكتبة عامة في غزّة، تكون بمثابة مركزً ثقافي يمكن للناس أن يطوّروا فيه مهاراتهم الفكرية ومهاراتهم الجمالية ووعيهم. وسوف تكون مساحة آمنة للشباب والكبار لتلبية وتبادل الأفكار والخبرات، كما سيتمّ تنظيم الندوات، والعمل على إلقاء المحاضرات من قبل الضيوف الدوليين وغيرها من الأنشطة.
وحول أبرز التحديات، يقول إنها "تتمثل في تمويل المشروع من حيث توفير مكان لاستضافة المكتبة. "نحن نفكر في استئجار أرضية، كما أنّنا بحاجة إلى عدد كبير من الكتب لتفي باحتياجات القرّاء حيث لا يزال العدد الذي اقتنيته متواضعًا بالنسبة للمتعطّشين للقراءة في غزّة. وأنا كتبت قائمة من الكتب حيث يمكن للناس التحقّق ونرى ما لديهم، وإمكانية إرسالها لنا سواء عن طريق الإنترنت إلى عنواني ويمكنهم استخدام Amazon.com أو كتاب Depository.com أو من خلال البريد أو أشخاص يستطيعون السفر إلى القطاع، إلى جانب الحاجة إلى التبّرع بالمال لاستئجار مكان وشراء الأثاث اللازم للمكتبة".
ومن الجدير ذكره أنه يوجد في قطاع غزّة ثلاث عشرة مكتبة عامة، لمدينة غزّة النصيب الأكبر منها بواقع خمس مكتبات، وتعدُّ مكتبة البلدية العمومية أكبر مكتبات غزة، وتضمُّ في جنباتها زهاء أربعة آلاف كتاب.