غزّاويّات: مدارس الإيواء.. سجون النساء

14 اغسطس 2014
يجمعون ما تبقّى من ممتلكاتهم في غزّة
+ الخط -
قرّرت أن أزور صديقتي النازحة من قرية على حدود غزّة الشرقية، بعدما استقرّ بها المقام في مدرسة تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في قلب المدينة. استغلّيتُ أيّام الهدنة الإنسانية الثلاثة، وكنتُ أعرف أنّني سأشعر بالحزن والأسى لما وصل إليه حالها. فهي خسرت بيتاً أمضى زوجها سنوات طويلة يعمل في دولة خليجية حتّى استطاع أن يبنيه ويؤثّثه، وها هي تستقرّ الآن مع أطفالها الخمسة في مدرسة، وزوجها في الغربة يتابع أخبارها من خلال "السكاي بي" و"الفايبر".

في غرفة تضمّ أكثر من 40 امرأة ومثلهن من الأطفال، كانت تجلس. راحت إحدى بناتها تكتب على السبّورة (اللوح الخشبي المدرسي) عبارة "غزّة تقاوم"، وأخذت هي تحكي لي عن معاناتها في المدرسة، وكيف اضطرّت هي والنساء القابعات في الغرفة منذ 20 يوماً، إلى استحداث حمّام كما في السجون، داخل الغرفة نفسها. وأشارت بيدها نحو ركن الغرفة حيث وضعن حاجزاً من القماش خلفه علبة صفيح كبيرة وقذرة. وحين سألتها عن سبب عدم استخدامهنّ حمامات المدرسة، التي أعرف قذارتها جيداً، أجابت أنّها تشعر بالخجل، هي وباقي النساء، من الذهاب إلى حمّامات الطريقُ إليها يتطلّب العبور فوق أجساد الرجال والشباب النائمين ليلاً، أو المنبطحين في قيلولة طويلة نهاراً. وأكّدت لي أنّ ظروف الحرب لم تمنع بعض الفتية المراهقين من اعتلاء سطوح الحمامات، التي غالباً ما تكون مكشوفة من أعلى، بهدف "البصبصة" على النساء وإطلاق عبارات مخجلة.

صدمني ما سمعته. وصديقتي ختمت حديثها قائلة لي: "إنّه سجن، وليس مكاناً للإيواء". وأضافت: "رضينا بالهمّ والهمّ ما رضي فينا".

حملت حزن صديقتي وشكواها في قلبي وقرّرت مغادرة المكان. في طريقي وجدت فصلا فارغاً إلا من "ماعز" صغيرة، أمامها بعض العشب ودلو صغير من الماء. وقبل أن أرفع حاجبي، علامة التعجّب، قالت صديقتي التي أصرّت على أن توصلني حتّى باب المدرسة من باب "احترام الضيف"، كما اعتدنا في بيوتنا: "أصرّ صاحب هذه الماعز على أن يفرد غرفة صفّ خاصّة بها، وهو قروي ساذج وبسيط نزح أيضاً بعدما نفق كلّ ما في حظائره من حيوانات، ولم يخرج إلا بهذه الماعز التي يعتني بها عناية كبيرة، إلى درجة أن أشهر سلاحاً أبيض في وجه رجال حاولوا إخراجها من الغرفة لتقيم مجموعة كبيرة من النساء. وأمام إصراره قرّر الجميع احترام مشاعره نحو ماعزه العزيزة".

ضحكتُ وأنا أربّت على يد صديقتي وقلتُ لها: إنّه حريص على راحتها، فهي أنثى في النهاية وربما تحتاج إلى تغيير ملابسها أو وضع "مايك آب" أو النوم براحتها بعيداً عن عيون الذكور من حولها.

المساهمون