لا تبالي الشابة الفلسطينية لنا الكرنز بالإرهاق الذي تحسّ به من جرّاء عملها الشّاق في تجهيز الأطراف الاصطناعية في المعمل الوحيد المتخصص في هذا المجال في غزة. تشعر بالسعادة والرضا بعد كل عملية تساهم فيها بإعادة البسمة إلى أحد قاصدي المعمل، هؤلاء الذين تضاعف عددهم بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع.
وكانت لنا قد تحدّت المعوّقات الاجتماعية ونظرات استغراب البعض، ودخلت في مجال صناعة الأطراف. وهي تسعى في موازاة عملها اليومي، إلى تطوير قدراتها والحصول على مزيد من الشهادات التي تخوّلها التعمّق أكثر في مهنتها.
في قطاع غزة، تكثر أعداد الذين فقدوا أطرافهم بفعل الحروب المستمرة، وهو واحد من الحوافز التي دفعت لنا إلى دخول مجال العمل في صناعة الأطراف وتركيبها قبل عامين، بعدما درست العلاج الطبيعي في جامعة الأزهر.
تخبر لنا أن نقطة التحوّل في مسيرتها كانت حين سافرت إلى الهند. هناك تعمّقت أكثر في المجال على مدى عامين كاملين وحصلت في خلالهما على شهادة علمية في مجال الأطراف الاصطناعية وأجهزة علاج الشلل. تشير إلى أن جوانب متعددة تتداخل في عملها، تبدأ مع نحت وتصميم طرف اصطناعي يتناسب مع حالة الشخص المريض، ولا تنتهي عند تأهيل ذلك المريض نفسياً ودعمه لتقبل حالته والتعايش معها.
توضح أن "الشخص المعني عادة ما يصل على كرسي متحرّك. وبعد إجراء الفحوصات اللازمة نشعر، زملائي وأنا، بمسؤولية كبيرة إذ لا بدّ أن يخرج بعد فترة وجيزة وهو يسير على قدميه. كذلك، لا بدّ أن يكون قد تقبّل واقعه الجديد".
في عملها، تتواصل لنا مع مرضى من مختلف الأعمار. عدد كبير منهم من الشبان، وعدد لا بأس به من الأطفال والشابات.
عند زيارة المعمل الوحيد في غزة، يظهر بوضوح مدى الإقبال عليه. وغالباً ما يكون الزائرون من الذين فقدوا أطرافهم في خلال الحروب الأخيرة، أو الذين استدعت الحاجة تبديل أطراف كانت قد زُرعت في أجسادهم سابقاً.
وتشير لنا إلى أن "عدداً كبيراً من الشابات الفلسطينيات اللواتي فقدن أطرافهن، تشجّعن على الحضور لتركيب طرف صناعي عندما علمن بأنني في فريق العمل. هنّ كنّ قد ترددن في ذلك على مدى سنوات، عندما كان هذا المجال حكراً على الرجال". وتقول إن "التعامل يكون مريحاً أكثر، مع وجود أنثى تعمل في هذا المجال. هكذا تستطيع المريضة شرح حالتها بشكل أوضح، لتحصل على أفضل نتيجة في نهاية المطاف".
تضيف أنه "في معظم الأحيان، تكون الحالة النفسية للفتيات اللواتي فقدن أطرافهن، سيئة جداً لدرجة أنهن يشعرن - بعضهن - بأن الحياة قد انتهت بالنسبة إليهن. لذلك أحرص على توفير الدعم النفسي لهن وتحفيزهن على تقبل الواقع، وتحويل المعاناة إلى طاقة إيجابية".
تقرّ لنا بأن ضغط العمل تضاعف في خلال الأشهر الأخيرة، أي في أعقاب الحرب الأخيرة التي شنّتها إسرائيل على غزة، ونتج عنها عشرات آلاف الجرحى الذين فقد عدد كبير منهم أطرافاً، وباتوا بحاجة ماسة إلى تركيب أطراف بديلة.
إلى ذلك، يقصد المعمل مصابون من جرّاء حوادث المرور وآخرون يعانون من أمراض السكري والسرطان. وتتابع أن "بعض الذين يقصدون المعمل وهم من مصابي الحرب الأخيرة، كان ينوي السفر إلى الخارج لتركيب أطراف اصطناعية في مستشفيات مصرية. لكن الحصار وإغلاق معبر رفح حالا دون ذلك. وفد تفاجأ هؤلاء عند مراجعتنا، بمستوى الخدمة التي نقدمها في هذا المعمل الوحيد، وذلك على الرغم من حاجته إلى أجهزة ومعدات لا تتوفّر في القطاع".
إيمان واحدة من الشابات اللواتي أصبن في خلال الحرب الأخيرة. هي فقدت ساقها اليمنى من جرّاء القصف على حيّ الشجاعية. وبعد تردّد، قررت اللجوء إلى المركز الذي تعمل فيه لنا. وهي الآن تتهيأ للمرحلة الأخيرة. وتكاد لا تصدّق أنه سيكون بمقدورها المشي من جديد من دون كرسي متحرك ولا عكازات طبية.
تقول إيمان إن "النتيجة المذهلة التي لاقتها صديقة لي كانت قد بُترت ذراعها قبل أن تلجأ إلى هذا المعمل، هو ما حفّزني على اللجوء إلى المعمل ذاته". يُذكر أن حالة إيمان تبدو أكثر صعوبة وتعقيداً من حالة صديقتها.
تجدر الإشارة إلى أن أرقام الجرحى والمصابين ومبتوري الأطراف في غزة، سجّلت ارتفاعاً مهولاً منذ منتصف العام الماضي، على خلفيّة الحرب التي شنتها إسرائيل على القطاع. وقد تجاوز عدد المصابين وفقاً للمركز الأورو - متوسطي لحقوق الإنسان 10 آلاف فلسطيني، منهم نحو ثلاثة آلاف طفل وألفَي امرأة. ومن المتوقع أن يعاني ثلث هؤلاء الجرحى من إعاقات دائمة.
اقرأ أيضاً: المشروع السوريّ للأطراف الصناعيّة يُعيد الحياة إلى الآلاف