غزة وظلم ذوي القربى
ما زالت الأنظمة المستبدة في الوطن العربي تمارس بحقّ مواطنيها أشدّ أنواع الظلم والتعامل بفوقية، وقمع كلّ من يطالب بحقوقه الإنسانية، ويريد العيش بحرية، فيقتل، أو يسجن كل من يعارض الحاكم. وحصار غزة المستمر منذ سنوات من الاحتلال الإسرائيلي، وحالة منع إدخال كل المقومات الأساسية للحياة إلى الناس المحاصرين في غزة، اضطر المواطنين إلى فتح الأنفاق في الفترة الماضية، من أجل الحصول على المواد الغذائية واحتياجات الحياة الأساسية.
أرادت دولة الاحتلال معاقبة حركة "حماس"، لأنها تشكل العدو اللدود لها، وهذا العدو يتحكم بالمعابر، ويعمل ما يحلو له، ويدخل المواد التي يريدها، ويمنع بعضها، ومن غير شك أن هذا الحصار الإسرائيلي، غير الإنساني وغير القانوني، جائر، وأثّر على حياة المواطنين الغزيين بشكل كبير. الهدف من هذا الحصار هو تركيع المقاومة ومحاصرتها لإضعافها، عبر حرمانها من التزود بالسلاح، وهذه هي أهم أهداف الاحتلال، ولكن تسبب هذا الحصار بمعاناة إنسانية، يعاني منها الطفل والشيخ والمرأة من نقص الغذاء والدواء، حقق للاحتلال ضربة عصفورين بحجر واحد.
لكن، من جهة أخرى، هناك ظلم ذوي القربى، وما هو أشد مضاضة من النظام المصري، بإغلاقه معبر رفح، الذي يعتبر شريان الحياة لقطاع غزة، ولكن بحجج الأمن القومي المصري التي يسوقها هذا النظام. من غير المفهوم كيف يكون إدخال الدواء والمواد الغذائية وتنقل الافراد المدنيين، كالطلاب والمعتمرين الذين يمرون من خلال معبر رفح، يؤثر على الأمن القومي المصري!
شهدت دول عدة حصارات اقتصادية، لكن حركة الأفراد بقيت مستمرة، وشهدت بعض البلدان خلافات، لكن حركة الأفراد بالتنقل تبقى مستمرة أيضاً، ومن الممكن تشديد الإجراءات كالتفتيش، ولكن، لا تمنع حركة الأفراد، ويحرمون من اجتياز الحدود.
لذلك، يصح القول إن النظام العسكري في مصر أنشأ وضعاً شاذاً واستثنائياً، مخالفاً للقوانين الدولية، خصوصاً في الظروف الاستثنائية التي يفترض بدول الجوار فيها فتح الحدود للسماح للهاربين من الحرب اللجوء من ويلات الحرب. في سورية حرب بائسة، ويتنقل اللاجئون السوريون بين لبنان والأردن وتركيا، ولو بوجود صعوباتٍ وتضييق، إلا أنهم يتنقلون، ولم تقم هذه الدول بإيصاد الحدود أمامهم.
تسببت الحرب الإجرامية التي تتعرض لها غزة من دولة الاحتلال الإسرائيلي بمأساة إنسانية مروعة، من خلال القصف العشوائي لبيوت المدنيين، مما أدى إلى تضخم أعداد الشهداء والجرحى، وبدل فتح معبر رفح لرفع المعاناة عن أهل قطاع غزة، تمتنع السلطات المصرية عن نقل الجرحى، وتمنع حرية الناس في الانتقال إلى الجهة الثانية من الحدود، وكأن السلطات المصرية تقول للغزّيين: لا مأمن لكم، وعليكم الموت.
ولا تكتفي السلطات المصرية بذلك، وإنما تمنع الوفود والمتضامنين من الوصول إلى غزة، وتمنع المواد الغذائية والأدوية المرسلة من الوصول إلى المحتاجين لها في قطاع غزة، آخرها كان منع قافلة مساعدات شعبية للقطاع، كانت تريد إيصال الدواء، ولكن، كالعادة هذه السلطات دائما تختلق المبررات الواهية لعدم إدخال هذه المساعدات.
لا يجب أن تطغى الاعتبارات السياسية على الاعتبارات الإنسانية، ومطالب المقاومة بفك الحصار عن قطاع غزة إنسانية، بهدف رفع المعاناة عن المواطنين، ولكن، من خلال هذه الحرب الدموية، تبين أن بعض العرب أصبحوا أقرب إلى دولة الاحتلال، وبعضهم يهلل لضرب غزة وقتل الأطفال وهدم البيوت، ويبدو أن الإخوة العرب، الذين كان يجب عليهم مساعدة أخوتهم، فقدوا إنسانيتهم.