تستعدّ الدنمارك لاستئناف ترحيل اللاجئين من أراضيها، بعد تعليق هذا القرار لدراسة الواقع على الأرض في اليونان. ويخشى اللاجئون المرحلون التشرّد في اليونان، في ظل صعوبة العيش فيها.
على مقربة من ساحة أمونيا وسط العاصمة اليونانية أثنيا، يتجمّع لاجئون من مختلف الجنسيات، ولا حديث للسوريّين والعراقيين سوى عن كيفيّة التغلّب على الظروف الصعبة التي يعيشونها، وإيجاد مسكن، أو الوصول إلى دول أوروبية أخرى. يقول صبحي م. المقيم في المدينة منذ عامين ونصف العام: "أنتظر أن تنجح محاولتي هذه المرة في الخروج من اليونان. حاولت سابقاً أن أستقلّ طائرة إلى السويد، بجواز سفر استعارة (على حدّ وصفه)، إلا أن المحاولة لم تنجح. ثم جربت حظي في إحدى الشاحنات مع شابين آخرين، إلا أنه تمّ كشفنا. كما حاولت السفر بحراً إلى إيطاليا، إلا أن الأمر مكلف جداً". صبحي مسجّل كلاجئ مقيم. وتنقّله بين أثينا وسالونيك للحصول على عنوان سكن يمنحه صفة لاجئ، ولو مؤقتاً. يقول: "الوضع في اليونان لا يُشعرك بالاستقرار. أريد أن أنعم بالاستقرار مع زوجتي وطفلتي تحت سقف واحد. والظروف هنا لا تسمح بذلك أبداً".
وفي مقابل انشغال معظم اللاجئين في البحث عن وسائل للخروج من اليونان، يبحث نظراؤهم في الدول الأوروبية عن وسائل أو استثناءات قانونية للحد من سياسة الترحيل بناء على اتفاقيّة دبلن، خصوصاً أولئك الذين سجّلوا لاجئين في اليونان. ويخشى آخرون أن يُرحّلوا إلى بلغاريا وإيطاليا، أو أن تقبل المجر بمن سجلوا لديها لاجئين أو دول أخرى، وذلك قبل سنوات خلال توجههم شمالاً.
سوريون يخشون مصيرهم (العربي الجديد) |
ضعفاء
منذ 8 أغسطس/ آب، باتت الدنمارك في مقدمة الدول الأوروبية الساعية إلى تنفيذ سياسة ترحيل عائلات سورية حضرت إلى البلاد ضمن إحدى موجات اللجوء في عام 2015، من دون أي اعتبار لأطفال أو مرضى أو فئات ضعيفة جمد ترحيلهم قبل عام، بعد طلب مجلس اللجوء وقف الترحيل مؤقتاً بحق فئة الضعفاء (العائلات التي لديها أطفال ومصابون ومرضى واحتياجات خاصة نتيجة الحرب في سورية)، ودراسة الوضع في اليونان قبل بدء ترحيلهم.
ومجلس اللجوء مسؤول عن قضايا اللجوء في البلاد، ويعقد جلسات للنظر في بعض القضايا.
وعلى مدى عام كامل، سافر إلى اليونان مندوبون عنه وعن الأحزاب، ولجان متخصصة بحقوق الإنسان، لدراسة الواقع الذي ينتظر المرحّلين. في السابع من أغسطس/ آب الجاري، قال المجلس إنه "يمكن استئناف الترحيل". قرار يقلق كثيرين، سواء اللاجئين المعنيين أو مجالس ومؤسسات حقوقية. ويوضح مجلس اللاجئين أنّ موقفه جاء بعد دراسة عدد من القضايا التي استأنفت الترحيل بحقهم على الرغم من مرور وقت على بدء الأطفال الدراسة في مدارس دنماركية استناداً إلى القانون الذي يمنح أطفال طالبي اللجوء الحقّ في ذلك. كما هدف قرار وقف الترحيل إلى التأكد مما إذا كان البلد المرحل إليه اللاجئ يعامل المرحلين إليه التزاماً بالمعايير الأساسية الإنسانية. وخلال العام الماضي، أوقف ترحيل 28 أسرة بسبب بدء الخارجية الدنماركية بحث الأوضاع الخاصة باللاجئين في اليونان، بطلب من المجلس.
وترى الخارجية الدنماركية أنّ "الأوضاع في اليونان صعبة. لكن من حيث المبدأ، تتيح قوانين اللجوء للاجئين إمكانية الحصول على مسكن، والعلاج، والمساعدة في الحياة اليومية. الدولة لا تخصص مساكن للاجئين أو تأمينا صحيا، ولا حتى لهؤلاء الذين لديهم احتياجات خاصة". بدوره، تمسّك مجلس اللجوء الدنماركي بقضية "الحق من حيث المبدأ"، ليبني عليها قراره بالسماح باستئناف الترحيل. وفي بيانه الذي نشر في الصحافة المحلية في 8 أغسطس/ آب الجاري، أشار إلى أنّه "في القضايا التي رفعت أمامه، رفض الاستئناف بقاء اللاجئين في البلد". وعلى الرغم من أن المجلس يرى أن الأوضاع في اليونان ليست كما يرغبها اللاجئ، إلا أنه لا يجد أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية العامة في اليونان، تسمح أن يقيم اللاجئ في اليونان كأول بلد لجوء".
أطفال لا يرغبون في بدء حياة جديدة (العربي الجديد) |
تشرّد
"العربي الجديد" تواصلت مرات عدّة مع مجلس اللاجئين اليوناني في أثينا، لاستطلاع رأيه حول هذه القضية، وتحديداً الظروف التي يعيشها اللاجئون، ومخاوف الأشخاص الذين سيرحّلون. إلّا أنّ المجلس اعتذر عن الإدلاء بالمزيد، مشيراً إلى مواقفه الرسمية قبل صدور أي قرار رسمي دنماركي. فهذا المجلس، ومعه منظمات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، منها اللاجئون في اليونان، لا يرون في الواقع أن ظروف البلاد مثالية للاجئين. ويرى مجلس اللاجئين في أثينا أن "غالبية اللاجئين على الأراضي اليونانية ينتهي بهم الحال إلى التشرّد".
ويتحدث عدد كبير منهم عن أنهم يختارون البقاء في المعسكرات على الرغم من سوء أوضاعها، وذلك لغياب المساكن أو القدرة على تأمينها. ويفيد عدد من اللاجئين الذين تحدثت إليهم "العربي الجديد"، من بينهم صبحي وصديقه محمد سالم وأسرته المكونة من زوجته وثلاثة أطفال، أن البحث عن مسكن يقع على عاتقنا. للأسف، تحولت قضيّة العنوان والسكن إلى تجارة مربحة لبعضهم، منهم عرب مقيمون. لهذا، ترى كثيرين يتجمعون في ساحة أمونيا وغيرها بحثاً عن حلول ولو مؤقتة. ويسعى بعض الشباب إلى تأمين غرفة على الأقل لعائلات تعاني ظروفاً مماثلة، لإنقاذها من التشرّد.
ما يذكره صبحي حول أهمية عنوان السكن هو ما تنتقده منظمات حقوقية ومجلس اللاجئين في أثينا. وينص الرد الرسمي للمجلس حول سعي بعض الدول، ومنها الدنمارك، لإعادة اللاجئين إلى أثينا: "صحيح أن القوانين اليونانية تتيح استئجار مسكن للاجئين، إلّا أن السلطات البلدية ومسؤولي الدمج لا يقومون بشيء في ذلك الاتجاه، ويقع الأمر على عاتق العائلات".
ويذكر محمد سالم أنه "في ظل عدم المعرفة باللغة والقوانين، يُترك الأمر لرحمة تجار السكن. العنوان مهم جداً للحصول على باقي الحقوق". في الإطار نفسه، يفيد مجلس اللاجئين في أثينا بأن غالبية اللاجئين يجدون أنفسهم مضطرين للسكن في بيوت آيلة للسقوط أو في غرف مكتظة غير لائقة للبشر. فقوانين اللجوء تقول إن حصول اللاجئين على علاج وتأمين صحي ودعم مالي وغيرها من الحقوق الأساسية ترتبط بعنوان". وبحسب رسالة المجلس اليوناني إلى مجلس اللجوء في الدنمارك، فإن الظروف معقدة للمرحلين والمقيمين أصلاً. "ففي حال لم يكن اللاجئ يملك المال، عليه البحث عن منظمة خيرية تساعده في إيجاد سقف للعائلة بدلاً من التشرّد".
استطلاع الأوضاع في اليونان (العربي الجديد) |
سكن
في الدنمارك والسويد، يسود قلق بين اللاجئين المهددين بالإبعاد. وهؤلاء يقدّرون بالمئات، وغالبيتهم عائلات ومرضى وذوو إعاقة تحت المراقبة الصحية. في حالة فيصل وزوجته مها، وهما من السويداء، فإن أكثر ما يقلقهما هو أن تتكرّر المعاناة في اليونان، كتلك التي عاشوها قبل انتقالهم في عام 2015 إلى الدنمارك. "وهذا سيكون كارثة مع وجود طفل من ذوي الإعاقة". ويقول فيصل ومها لـ "العربي الجديد": "أخبرنا المحامي بأن أمل البقاء هنا ضعيف. نحاول أن نكون واقعيّين في حال تطبيق القانون علينا. لذلك، نتحدث مع بعض الأصدقاء لتأمين سكن قبل ترحيلنا".
من جهته، يقول المحامي المعني بشؤون اللاجئين في الدنمارك كريستيان ايفيند، لـ "العربي الجديد": "استئناف الترحيل لمن حصلوا على لجوء في البلد الأوروبي الأول يبدو خطوة أولى لتطبيق السياسات الصارمة التي اتفق الأوروبيون عليها مؤخراً. أظن أنها سياسة تحمل رسائل للاجئين والمطالبين بتشديد القوانين". ويرى أن "عدم أخذ الاستثناء في ما يخص اتفاقية دبلن، حول معايير أساسية للحقوق في الدولة المنوي الترحيل إليها، أمر يتضمن تشدداً كبيراً. وحين أتحدث مع زملائي في ألمانيا والسويد واليونان وبلغاريا، نتفق على أن الترحيل هذا يأتي في سياق سياسي. أنت ترمي بأسر وصغارها إلى الشارع. وحتى لو كانوا يعيشون بأمان، فلن يشعروا بذلك ما داموا غير قادرين على تلبية ضروريات الحياة، على رأسها المسكن والعلاج لصغارهم ولهم". وعلى الرغم من تحذير مجلس اللاجئين الدنماركي ومنظمات حقوقية من ترحيل هؤلاء، يبدو أن الدنمارك ماضية في تطبيق سياسة غربلة اللاجئين وترحيل المسجلين في دول أخرى.