غرائب الحجز والمعاينة لدى أطباء العراق

02 نوفمبر 2018
انتظرت طويلاً (أحمد غرابلي/ فرانس برس)
+ الخط -
في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، يقود أبو آمنة سيارته إلى إحدى العيادات بمنطقة الحارثية في العاصمة العراقية بغداد. الطبيب ليس موجوداً في تلك الساعة، لكنّه حجز موعداً عند هذا الطبيب الذي لديه فلسفته الخاصة، إذ لا يقبل غير المرضى الذين يحجزون موعدهم شخصياً خلال ساعات الليل وحتى الفجر، إلّا في بعض الحالات، كما يقول أبو آمنة لـ"العربي الجديد".

يتابع: "لا أعرف لماذا لا يتم الحجز عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني أو حتى الحضور خلال ساعات النهار، فإذا كان المريض من سكان محافظات أخرى وأراد حجز موعد لا بد من إجراءات تسبق ذلك، فأولها الحضور إلَى بغداد والمبيت فيها ثم الذهاب في ساعات متأخرة من الليل للحصول على حجز، وكلما أبكرت في الوصول كان لك حظ أوفر في تسجيل اسمك لأنّ العدد محدود، كما يجب ألّا تأتي متأخراً عن موعدك مهما بلغت بك الظروف الَتي يمكن أن تعيق وصولك. الأمر ليس سهلاً، لكنّ الحق يقال إنّ هذا الطبيب يستحق الانتظار، لكنّ ما يعيبه هو التحكم بنا بطريقة الحجز هذه".




من مختلف المحافظات البعيدة والقريبة تفترش الأرض نساء قصدن طبيبة في منطقة الكرادة، من بينهن المريضة مروة (42 عاماً). جاءت من محافظة كركوك، شمال العراق، وتجلس منذ ساعات الصباح الباكر في عيادة طبيبة نسائية وقد مرت أكثر من خمس ساعات وهي تنتظر الطبيبة. قيل لها إنّها ربما لا تحضر بسبب كمّ العمليات الجراحية التي تجريها. تقول مروة لـ"العربي الجديد": "جئت في الصباح الباكر لأدخل غرفة الفحص مع أول وجبة، لكنّي بقيت أنتظر 7 ساعات من دون جدوى، وبعدما اقترب المساء أبلغتنا السكرتيرة بأنّ الدكتورة قد لا تحضر، فلديها كثير من العمليات في المستشفى وعلينا الحضور في اليوم التالي أو انتظار ساعات أخرى بحسب وقت الطبيبة".

تبيّن مروة أنّ أكثر ما يزعج في هذه العيادات المزدحمة هو عدم احترام خصوصية المريض: "كثير من الأطباء لم يعودوا يحترمون تلك الجزئية المهمة، إذ يدخلون المرضى جماعات إلى غرفة الطبيب. لا يمكن للمريض التحدث عما يعاني منه أمام عدد كبير من المرضى، وهذا ما يتنافى مع ما أقسم الأطباء عليه في الحفاظ على سرية المريض، لأنّنا كمرضى لم يعد بإمكاننا التحدث إلى الطبيب بسهولة أو بسرية طالما أن هناك عدداً من المرضى يقفون إلى جانبنا ويسمعون ما نقول ومما نشتكي، بل إنّ بعضهم قد يشارك الطبيب في تعليقاته من دون أيّ احترام. نتمنى أن يتغير هذا الأسلوب في عيادات العراق، إذ لا أعتقد أنّ الأمر حاصل في بلدان أخرى، فالخصوصية أساسية ومقدسة بين الطبيب ومريضه مهما كان نوع المرض والحالة. كذلك، أتمنى احترام الطبيب لمواعيده. أعلم أنّ هناك حالات طارئة أحياناً، لكنّ لا بدّ من الانتباه إلى أنّنا ننتظر طويلاً في ظروف سيئة، كما نأتي من مناطق بعيدة".

داخل عيادة أحد أطباء الأسنان المشهورين، في محافظة ديالى، شمال شرق بغداد، تحديداً في منطقة نهر الحجية، ينتظر أكثر من خمسة مرضى موعدهم، وكلٌّ منهم أبلغه السكرتير عن موعد الساعة السادسة مساءً.

تقول السيدة نهى عصام لـ"العربي الجديد": "وصلت في الموعد المحدد والمتفق عليه مع السكرتير، وكان في الساعة السادسة مساءً لإجراء عملية زرع سن. وصل معي عدد من المرضى وكانوا جميعاً قد حضروا بحسب الموعد الذي أعطاه لهم السكرتير. اضطررت للانتظار أكثر من ساعة ونصف حتى وصل دوري بالدخول إلى الطبيب لإجراء العملية، وعندما سألت عن سبب إعطاء المرضى الموعد نفسه ولماذا لا يكون لكلّ مريض موعد خاص به مثلما يفعل كل أطباء العالم، أجابني السكرتير بأنّ المرضى لا يحترمون المواعيد مثل باقي دول العالم. لم يكن جوابه مقنعاً، لأنّ ما نشهد عليه هنا هو العكس تماماً، إذ يحترم المرضى الموعد بينما لا تحترم العيادات ذلك".




تضيف: "على المرضى في العراق أن يخضعوا لقوانين السكرتير وإظهار الود له لأنّه الآمر الناهي في تحديد مواعيد الحجز. في ما عدا ذلك، قد لا يحصل المريض على حجز في كثير من العيادات الطبية، وحتى يحصل على حجز عند الطبيب، خصوصاً إذا كان الطبيب كفؤاً في مهنته، على المريض أنّ يدفع رشى للسكرتير تصل إلى نحو 40 دولاراً أميركياً، فيما يكون مبلغ كشف بعض الأطباء 15 دولاراً لا أكثر".

يشار إلى أنّ معظم المرضى العراقيين يعاني من ارتفاع أسعار كشف الأطباء، وسلسلة الإجراءات والتحاليل الطبية التي يطلبها الطبيب من المريض بمجرد وصوله إلى العيادة، والتي لا تقل كلفتها مع العلاج عن 150 دولاراً.