غذاء التونسيين... ثلثه في القمامة

23 يونيو 2016
6.7 ملايين خبزة تُنتَج يومياً (فرانس برس)
+ الخط -

تتغيّر عادات استهلاك الأغذية الخاصة بالعائلات التونسية من مناسبة إلى أخرى. وتسجّل أعلى مستويات ذلك الاستهلاك خلال فصل الصيف الذي يحلّ فيه شهر رمضان، على الرغم من تقلّص عدد الوجبات خلال هذا الشهر من ثلاث وجبات إلى وجبتَين اثنتَين.

يفيد المعهد الوطني للاستهلاك بأنّ الغذاء يمثّل نحو 33% من مجموع المنتجات التي يستهلكها التونسي. وأعلى نسب استهلاك للمواد غذائية هي لمعجون الطماطم (البندورة) الذي يستهلك منه التونسيون عموماً نحو 100 ألف طنّ سنوياً. ويصل استهلاك الفرد لعجين القمح اللين إلى 200 كيلوغرام سنوياً، و16.7 كيلوغراماً من السكر خلال السنوات الأخيرة بعدما كان يستهلك 14 كيلوغراماً في عام 2010. كذلك يستهلك التونسي 12 غراماً من الملح يومياً، علماً أنّ المعدّل الذي تنصح به منظمة الصحة العالمية هو خمسة غرامات على أقصى تقدير.

تلك المؤشرات التي رصدتها منظمات في تونس، دفعت ببعض تلك المنظمات إلى التأكيد أنّ الاستهلاك التونسي في ارتفاع مستمر لأغلب المنتجات خصوصاً تلك المدعومة. وهذا ما أدّى إلى تبذير أكثر المنتجات الغذائية وإتلافها. وفي السياق، يشير المعهد الوطني للاستهلاك إلى أنّ التونسي يلقي ثلث المواد الغذائية التي يبتاعها في القمامة. كذلك يلقي سنوياً ما قيمته 600 مليون دولار أميركي في المزابل، منها 55 مليون دولار من الخبز فقط.

من جهتها، تفيد منظمة الأغذية والزراعة التونسية في دراسة بأنّ نسبة التبذير ترتفع في شهر رمضان، إذ يبلغ معدل إنفاق الفرد التونسي على الطعام 35%. وترتفع على سبيل المثال نسبة استهلاك مادة التونة خلال شهر رمضان 250%، فيما ترتفع نسبة استهلاك البيض 30%. أما نسبة استهلاك الخبر خلال هذا الشهر، فترتفع 135%، فيما تُنتَج 6.7 ملايين خبزة يومياً. وقد بلغت مصاريف صندوق الدعم 700 مليون دولار، منها 400 مليون للقمح. كذلك تحتل تونس المراتب الأولى عالمياً في استهلاك الحبوب مع 180 كيلوغراماً للفرد الواحد سنوياً في مقابل معدّل عالمي لا يتجاوز 123 كيلوغراماً للفرد. وبيّن المعهد الوطني أنّ تبذير الخبز وصل إلى حدّ إتلاف 900 ألف خبزة يومياً (700 ألف في عام 2010)، أي ما يعادل 150 ألف دولار يومياً.

يقول مدير المعهد الوطني للاستهلاك طارق بن جازية لـ "العربي الجديد" إنّ "مظاهر عدّة للتبذير سُجّلت في السنوات الأخيرة. فثلث أو أكثر من الثلث بقليل من المنتجات الغذائية التي يشتريها التونسي تُلقى في المزابل. ويُعدّ الخبز أكثر منتج يبذّره التونسي على طول السنة". وشدّد على أنّ "مسألة تبذير الخبز باتت مقلقة وقد بلغت مستويات عالية أثّرت على ميزانية الأسرة وصندوق الدعم".




من جهته، يقول رئيس الغرفة التونسية لأصحاب المخابز محمد بوعنان إنّ "أحد أسباب ازدياد حجم الخبز المتلف والملقى في القمامة، هو انتشار المخابز العشوائية التي لا تلتزم بأي معايير في الإنتاج ولا في التسويق. وهو ما أدّى إلى تراجع مبيعات المخابز المرخّص لها قانونياً نحو 70%، وبالتالي انعكس الأمر على كميّة الخبز التي تكسد يومياً". يضيف أنّ "المخابز العشوائية تتركّز خصوصاً في العاصمة والمدن المجاورة لها، ويقدّر عددها بنحو 500 مخبز. كذلك، يصل عددها الإجمالي في أنحاء البلاد إلى نحو 720 مخبزاً عشوائياً في مقابل 3200 يملك أصحابها بطاقة مهنية قانونية".

تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة التونسية كانت قد أعلنت في عام 2014 عن البدء في تطبيق خطة وطنية للحدّ من ظاهرة تبذير الخبز. وقد أشار آنذاك المدير العام السابق للمعهد التونسي للاستهلاك محمد الأسعد العبيدي إلى أنّ قيمة تبذير الخبز مرتفعة للغاية في بلد يدعم بآلاف المليارات مواد استهلاكية عديدة أبرزها الخبز وما إليه. أضاف أنّه لتنفيذ تلك الخطة، تشكلت لجنة حكومية لقيادة حملة وطنية للحدّ من تبذير الخبز، تهدف إلى تعميق الوعي حول الأبعاد الثقافية والصحية بغرض ترشيد استهلاك الخبز وتكثيف البحوث العلمية حول الأساليب الملائمة لاستخدام بقايا الخبز خصوصاً في إعداد وجبات غذائية أخرى.

لكنّ تلك الحملة التي تعزَّز خصوصاً في المناسبات الاستهلاكية الكبرى، لم تحدّ من مشكلة التبذير. ويشير بن جازية إلى أنّ "المعهد سوف يعمل حالياً على إعداد قفّة نموذجية تضمّ حاجيات أسرة من أربعة أفراد، تحتوي على الغلال والخضروات والعجين والزيت والسكر، صالحة لأسبوع بتكلفة لا تتجاوز 40 دولاراً. وسوف توزّع على بعض العائلات في إطار حملة ترشيد الاستهلاك". يضيف: "كذلك سوف يوزَّع 70 ألف كيس ورقي على مخابز العاصمة، مع رسائل توعية حول ترشيد الاستهلاك وتقليص استخدام السكر. أيضاً، سوف يكون تحفيز على اعتماد أصناف جديدة من الخبز، من قبيل الخبز المصنوع بنسبة 30% من النخالة، وذلك للتقليص من مصاريف الدعم وتوريد القمح الليّن". ويتابع أنّ "الحملة سوف تحثّ السلطات العمومية على مقاومة التبذير في المطاعم الجامعية والمستشفيات والسجون، وإصلاح نظم إنتاج الخبز وتوزيعه. كلّ ذلك بهدف تقليص التبذير بنسبة 10% خلال السنتين المقبلتين و30% خلال السنوات الخمس المقبلة".