خلال الفترة الماضية، تناول عدد من وسائل الإعلام قضية الغارمين والغارمات في السجون المصرية (الذين يعجزون عن سداد ديونهم). ويقدّر عدد هؤلاء بنحو 25 في المائة من إجمالي السجناء (أي نحو 20 ألف سجين). أما عدد أولئك الذين صدرت بحقهم أحكام نهائية، وما زالوا خارج السجون، فيعد أكبر بكثير.
وتشير دراسة من 120 عينة إلى أن متوسط مبلغ الدين (من أجهزة كهربائية وأثاث) عادة ما لا يتجاوز السبعة آلاف جنيه (نحو 900 دولار أميركي). فيما صدرت بحق أخريات أحكام بسبب عجزهن عن سداد 90 جنيهاً (نحو 11 دولارا) فقط. في هذا الإطار، تقول جمعية "مرسال الخير" إن هذه الحالات تزداد يوماً بعد يوم، لافتة إلى "أننا سجلنا قضيتين لطالبتين جامعيتين".
سميحة (65 عاماً) هي إحدى الغارمات، استدان ابنها مبلغ 11 ألف جنيه (نحو 1400 دولار) لشراء مستلزمات زواجه فيما لم تتردد والدته في ضمان تسديده المبلغ. إلا أنه لم يكترث لحالها وراح يبيع الأغراض ويشتري أشياء أخرى حتى تراكم الدين، ولم تستطع الأسرة سداده. بعدها، تلقوا إخطاراً من المحكمة بوجود دعوى مرفوعة ضدها، فنقل ابنها الأكبر إلى المستشفى بعدما أدرك عجزه عن سداد الدين عن والدته، إلى أن ساعدتهم "مرسال".
في السياق، ترى محامية بالاستئناف، رفضت الكشف عن اسمها، أنه "يجب تقديم الإعانات للأسر الفقيرة، على ألا يقتصر الأمر على مساعدات مالية فقط، بل يجب إشراك هؤلاء السيدات في مشاريع صغيرة، حتى يتمكنّ من سداد ديونهن بأنفسهن ولا يتكلن على التبرعات لتيسير أمورهن". وتشرح أن "المشكلة ليست تشريعية. فالقانون لا يحمي المغفلين".
من جهة أخرى، تلفت إلى أن الغارمين أو الغارمات ليسوا فقراء دائماً. فقد قابلت امرأة ضمنت زوجها حتى يشتري "ميكروباص"، عل المشروع يزيد دخل الأسرة. لكنه فشل وتراكمت الديون وسُرقت السيارة، فما كان من الزوج إلا أن طلّق زوجته وتركها لتواجه المحاكم وحدها. تضيف أنه "بعد نقاش طويل، نجحنا في تخفيض نسبة الدين لشركة السيارات بنسبة 50 في المائة. وحتى الآن، ما زالت القضية في المحاكم، فيما الزوجة عاجزة عن تسديد المبلغ".
وتحكي قصة أسرة غنية قرّر الزوج الدخول في مشروع تجاري بمبلغ كبير، وقد ضمنته زوجته. وعندما خسر ماله، تعرضت الزوجة للمساءلة القانونية، فيما توفي الزوج من شدة الحزن.
تجدر الإشارة إلى أن هناك أسبابا ثلاثة لانتشار هذه الظاهرة، وخصوصاً بين النساء. السبب الأول والأكثر شيوعاً هو الاستدانة لشراء مستلزمات الزواج. في هذه الحالة، تشتري الأم أثاث المنزل أو الأجهزة الكهربائية من خلال معارض بالتقسيط. مع الوقت، تجد نفسها عاجزة عن سداد الدين، لتُحال القضية إلى القضاء، وقد تُسجن لعدم قدرتها على السداد ما لم يتدخل أهل الخير. والسبب الثاني، والذي يعرف بـ"الحرق"، ويعني أن تشتري امرأة سلعة باهظة الثمن لتبيعها بسعر متدن للاستفادة من السيولة النقدية، لتجد نفسها عاجزة عن سداد الدين.
أما السبب الثالث، فهو الضمانة، أي تضمن المرأة جارتها أو قريبتها التي اضطرت إلى الاستدانة. وحين يتعثر الطرف الأول عن السداد، يصير الضامن غارماً ويحال إلى القضاء. وكثيراً ما تضمن النساء المتقدمات في السن أقاربهن أو جاراتهن، بغرض مساعدتهن.
في السياق، يقول خبير اقتصادي، رفض الكشف عن اسمه، إنه يؤيد "عقاب هؤلاء النساء حتى يتّعظن"، مضيفاً أن التاجر عادة ما يكون ضحية تحايل المشترين الذين يوقعون على ضمانات وهم يعلمون أنهم لا يستطيعون السداد. ويلفت إلى أن "الحل لا يكمن في منح قروض للمشاريع الصغيرة من مصرف الائتمان الزراعي أو صندوق التنمية، لأن المبالغ تكون محدودة جداً". ويشير إلى أنه يجب أن "يكون هناك تعاون بين الأجهزة التشريعية والحكومية. على سبيل المثال، فإن السعودية وقطر تعطيان إعانات للزواج".
فيما يرى خبير اقتصادي آخر أنه "ليس بمقدور الدولة تسديد ديون الغارمات أو الغارمين، ولا يجب استغلال هذه الظاهرة لإبراز الدولة كحلالة مشاكل، وخصوصاً أن مصرف التنمية والائتمان الزراعي يرفض إسقاط ديون الفلاحين، وتحديداً الفقراء منهم، وإلا أفلس. لكن في بعض الحالات، تسعى بعض المصارف إلى سداد الديون، بهدف الترويج لعملها. أمر ينطبق على مصارف أخرى تكبّل الفلاحين بالديون". ويرى الخبير الاقتصادي أن المشكلة تتعلق بارتفاع نسبة الفائدة وتراكمها، ما يدفع بهؤلاء إلى السجن.