وما يؤكد الرسائل الإسرائيلية الواضحة إلى إيران، التوقيت الذي تم اختياره، على الرغم من محاولات تل أبيب القول، منعاً لشبهات التوظيف الحزبي للعملية، إن عملية بهذا النوع تتم أحياناً تحت ضغط الوقت، وخوفاً من "تغيير الموقع الميداني للهدف المقصود".
وعلى الرغم من أن بعض المحللين في إسرائيل حاولوا شرح آلية اتخاذ القرار، والقول إن الأوامر في مثل هذه العمليات تنطلق من الأسفل، أي من المستوى العسكري وبناءً على توصياته للمستوى السياسي، المتمثل في حالات الجيش بوزير الأمن ورئيس الحكومة، إلا أن آخرين اعتبروا أن الضربة هدفت إلى ترسيم حدود ومناطق التواجد الميداني لكل من إيران وحزب الله في الجولان، على مقربة من الحدود الإسرائيلية، رغم انتشار عناصر منظمات جهادية وأصولية كالقاعدة وجبهة النصرة، فضلاً عن فصائل معارضة في نفس المساحة الجغرافية المقصودة.
ويرى تسفي برئيل، في صحيفة "هآرتس"، أنّ الرسالة الأهم تلك التي تقول إن إسرائيل تضع خطوطاً حمراء لكل من إيران وحزب الله تحظر عليهما الدخول إلى الجولان أو مناطق منه، وأن أي تحرك في هذا الاتجاه سيواجه برد إسرائيلي. وهو ما يعني عملياً تهديداً للاحتكار الإيراني للتدخل في الوضع السوري من جهة، وفرض عراقيل أمام محاولات النظام السوري، عبر الاستعانة بقوات من حزب الله وإيران، استعادة السيطرة على المناطق التي تحكم قبضتها عليها المنظمات المختلفة في الجولان، وإبقائها تحت سيطرة المعارضة.
وفي السياق، يلفت برئيل إلى أن هناك، "للوهلة الأولى"، نوعاً من التفاهم بين طهران وتل أبيب، يقضي بعدم رد إيران على الهجمات الإسرائيلية في حال تمحورت الأخيرة على أهداف حزب الله في سورية.
ولا تخلو الرسائل السياسية التي حملتها العملية من جوانب حزبية داخلية، عبر الركون إلى الظروف والاعتبارات التكتيكية والاستراتيجية للموقف الإيراني والرد المتوقع من كل من إيران وحزب الله على حد سواء. وهي اعتبارات سهّلت على صانع القرار الإسرائيلي، الموافقة والمصادقة على توصية المستوى العسكري.
وترصد إسرائيل توجهاً سائداً في السياسة الإيرانية الخارجية يقول بواجب وضرورة الفصل بين الملفات التكتيكية الإقليمية وبين الأهداف والتحركات الاستراتيجية الإيرانية على صعيد المفاوضات مع الغرب ومع الولايات المتحدة لصالح الوصول إلى اتفاق مريح لإيران من دون تعريض ذلك للخطر.
إيران لا تريد، بحسب التقديرات الإسرائيلية، أن تعرض ملفها النووي والمفاوضات للخطر، ولا حتى التحالف وتقاطع المصالح القائم بينها وبين الولايات المتحدة في الساحة العراقية وفي مجال الحرب على "داعش". ويقود هذا الأمر إلى الاعتقاد بأن التحدي الإسرائيلي لإيران وضرب حزب الله، لن يقود في الظروف الحالية إلى إطلاق إيران يد حزب الله لجهة نوع وموقع وتوقيت الرد على العملية الإسرائيلية، أو على الأقل تحجيم هذه الضربة وقوتها.
ويدلل الكاتب على ذلك بقوله إنه لم تصدر لغاية الآن تهديدات إيرانية ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة، ما يعزز الاعتقاد بحرص طهران على الفصل بين القضية الاستراتيجية وبين القضية "التكتيكية" المتمثلة في مقتل عناصر من الحرس الثوري.
إلى ذلك، فإن هجوم الجولان يشير إلى توسيع نطاق التدخل الإسرائيلي في الملف السوري والثورة السورية. ويجعل من إسرائيل عاملاً إضافياً يجب أخذه ضمن مجمل الاعتبارات الاستراتيجية الإيرانية والسورية وتلك الخاصة بحزب الله.
ومثلما تعول إسرائيل في تقديراتها للاعتبارات الإيرانية وضوابط السياسة والرد الإيرانيين على العملية، فإنها عولت أيضاً بطبيعة الحال على حالة التوتر الأمني في أوروبا والفوائد السياسية التي قد تجنيها من هجمات باريس. هذه الفوائد ليست فقط لجهة تجنيد الرأي العام والسياسة العالمية ضد التنظيمات الجهادية والمقاومة الفلسطينية، وإنما أيضاً ضد محور "التطرف الشيعي الذي تقوده إيران"، وفقاً لتوصيفات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في الفترة الأخيرة.
وفي السياق، فإنه بالإضافة إلى ربط الجنرال احتياط، نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي سابقاً آفي غالانت، بين الضربة وبين الانتخابات الإسرائيلية القريبة، فإنه لا يراود أحد الشك بأن الغارة وصور الجنازات في لبنان وإيران، ستكون وقوداً انتخابياً في إسرائيل. وسيوظفه نتنياهو للتدليل على "وقوفه سداً" في وجه إيران وحزب الله لضمان الأمن الإسرائيلي بكل ثمن، حتى ولو جرّ ذلك على إسرائيل موجة نقد عالمية، لأن ما يحركه هو (أي نتنياهو) خلافاً لخصميه تسيبي ليفني، ويتسحاق هرتسوغ، هو "أمن إسرائيل" وليس ما يقوله العالم عنا.
وكان نتنياهو استهل إطلاق حملته الدعائية للانتخابات، الأسبوع الماضي، بالاستخفاف بقدرات ليفني وهرتسوغ في "الصمود في وجه حزب الله وإيران وحماس".