عُمان في المصادر البريطانية: أهواء المستعمِر

18 مارس 2017
(طائرة بريطانية في "ساحل عمان"، آذار/مارس 1934)
+ الخط -

أثارت ندوة "عُمان في المصادر البريطانية"، التي أقيمت أمس قبل أيام في "الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء"، الكثير من الأسئلة الشائكة، قدّمها ثلاثة من الباحثين العُمانيين، كشفوا النقاب عن نظرة المستشرقين إلى عُمان التي لا تختلف كثيراً عن النظرة الأوروبية للشرق عموماً.

في ورقته تناول الباحث ناصر السعدي "النقاط المركزية والهامشية في رحلات مايلز"، إذ يرى أن صموئيل باريت مايلز (1838 – 1914)، الموظف في شركة الهند الشرقية، "كان باحثاً عن مكامن القوة والضعف في بلد شكّل له أهمية بالغة، لذا انصب جلّ اهتمامه في رحلاته الثلاث لعُمان والتي استمرت تسع سنوات، وزار خلالها معظم الجغرافية العُمانية، على الطبيعة والمناخ والحدود الجغرافية بين عُمان وجيرانها، والإمكانات الاقتصادية خاصة الزراعية، ولم يكن معنياً بالإنسان أصلاً، فكان ينقّب في المناطق التي بها ثروات كالحديد والفضة، بل وفي المناطق التي كان يتوقّع فيها ظهور النفط قبل ظهوره بشكل رسمي!".

ويستطرد السعدي في وصف النظرة الاستشراقية لمايلز لأهل عمان الذين كان يراهم: "لصوصاً وأهل جشع وطمع، وينتشر بينهم السحر، كما أن الإنسان العماني لا يمتلك الحس ولا الذوق الفني ولا المهارة ولا المعرفة، وكل ما في عُمان من صناعة وعمران ما هو إلا بتأثير من حضارات أخرى ويعني هنا الفرس، خصوصاً هندسة الأفلاج وحتى الطاحونة التي تدار بالماء ليست عُمانية، فالعقلية العُمانية ليست عقلية ميكانيكية!".

ويرى الباحث أن "العُمانيين في المقابل ردوا له ولغيره من المستشرقين الصاع صاعين، إذ بقيت ذاكرة بريطانيا في أذهان العُمانيين وفي المؤلفات الفقهية بل وفي الشعر الشعبي سلبية للغاية، فالبريطانيون أهل مكر وخديعة ومصاصو دماء، وهم جواسيس، لذا أفتى الشيخ الفقيه نور الدين السالمي بعدم جواز خفارتهم في تنقلاتهم في البلاد، كما هجاهم الشاعر أبو مسلم البهلاني".

أما الورقة الأولى التي قدّمها الباحث سيف المسكري بعنوان "إضاءات حول أدوار القس بادجر، والعقيد روس في دراسة التاريخ العماني"، فتحدث فيها عن دور "كل من القس جورج بيرسي بادجر (1815-1888)، والعقيد إدوارد تشارلز روس (1836-1913)، في التاريخ العماني، إذ "كان لهما قصب السبق في التعريف بالمدوّنة التاريخية العمانية على المستوى الغربي، رغم أدوارهما في خدمة المصالح البريطانية في المنطقة والبعد الاستشراقي العميق في أعمالهما".

ويرى الباحث أن القس بادجر الذي كان يتقن العربية، وترجم كتباً حول التاريخ العُماني، "كان صاحب نظرة استشراقية في كتاباته وتقاريره حول الواقع العماني والصراعات السياسية في تلك المرحلة، في حين تركزت أعمال العقيد روس الذي كان وكيلاً سياسياً في مسقط في الفترة من أيار/ مايو 1871 إلى كانون الأول/ ديسمبر 1872، حول دراسة التاريخ العماني والتقارير والترجمة، حيث أعد تقريراً مفصلاً عن القبائل العُمانية ووضع خريطة لعُمان".

ويرى المسكري بأنه "يمكن الكشف من خلال هذه الأعمال عن الكيفية التي نظر بها هؤلاء المستشرقون لتاريخ عُمان، وما قدموه من تصورات حول مجمل الواقع العماني، والتي تحتاج إلى التعاطي معها بمنطق النقاش العلمي الجاد والتمحيص الدقيق".

في حين تناولت ورقة الباحث والأكاديمي محمد الشعيلي كتاب "السجل التاريخي للخليج وعُمان وأواسط الجزيرة العربية"، الذي ألفه الموظف في الحكومة البريطانية جوردن لوريمر (1870 - 1914)، وغطى كتابه مرحلة مفصلية في تاريخ المنطقة، امتدت من بداية القرن السادس عشر وحتى مطلع القرن العشرين، حيث يعتبر الباحث بأن الكتاب: "موسوعة تاريخية وجغرافية تقدم مادة علمية للباحثين والدراسين، ومصدراً من المصادر التي يعتمد عليها في دراسة أحوال المنطقة، وتتبع تاريخها لكونه يكشف عن الجوانب المجهولة من التاريخ والجغرافيا، وأحوال ساكنيها والجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث حظيت عُمان بنصيب وافر من هذا الكتاب".

ويرى الشعيلي بأن لوريمر اعتمد في إعداد هذه الموسوعة على الوثائق، وأرشيفات الحكومة البريطانية والتقارير العسكرية الخاصة بحكومة بلاده في الهند، وكذلك على الزيارات الميدانية ومؤلفات من سبقوه، لكن كتابه رغم قيمته العلمية لا يخلو من وجهة النظر البريطانية التي تخدم مصالحها في المنطقة".

ومما يؤخذ على الكتاب من وجهة نظر الباحث: "تلك النظرة الاستعلائية تجاه الإنسان العُماني، الذي وسمه بالهرطقة والقذارة والتخلف، والنظرة غير الواقعية للقبائل العُمانية، فضلاً عن تصويره للنشاط البحري العُماني بأنه شكل من أشكال القرصنة، كونه كان منافساً للبحرية البريطانية، إلى جانب إغفال الدور البريطاني في تجارة الرقيق وإلقاء اللوم على العُمانيين، رغم أن بريطانيا هي المستفيدة من تلك التجارة" على حد قوله.

دلالات
المساهمون