على الرغم من كسر جليد التوتر، الذي تسيّد الأسبوع الماضي وقبله، علاقة "الحكومة المؤقتة" السورية، التابعة لـ"الائتلاف الوطني"، مع ما تُعرف بـ"حكومة الإنقاذ" التي انبثقت عن "المؤتمر السوري العام" في سبتمبر/ أيلول الماضي، وهو ما كان سيجرّ صراعاً إضافياً على النفوذ داخل إدلب، شمال غربي سورية، إلا أن حاضر هذه المحافظة ومستقبلها، مع غرب حلب وشمال حماة، وهي مناطق لا نفوذ للنظام السوري فيها، ومُدرجة ضمن مناطق "خفض التوتر" التي أفرزتها أستانة، يبقى مسار تغيّر، مع تصعيدِ قوات النظام هجماتها على ثلاثة محاور، ومواصلة بقايا مسلحي "داعش" المنهزمين شرقي حماة مساعيهم للتقدم نحو جنوبي إدلب.
في هذا السياق، كشفت المعطيات الميدانية خلال الأسبوع الماضي حتى أمس السبت، أن قوات النظام والمليشيات التي تُساندها تقدمت ببطء من محوري انطلاقها شرق وشمال شرق حماة، داخل الحدود الجنوبية لمحافظة إدلب، بينما راوحت تقريباً المعارك مكانها خلال أسبوع، في المحور الذي فتحته قوات النظام مع مليشياتٍ إيرانية جنوب شرقي محافظة حلب، وهدفها الواضح والمعلن: الوصول لمطار أبو الظهور العسكري شرقي محافظة إدلب.
تفاصيل المعارك ميدانياً تغيّرت بشكل متسارع خلال الأيام القليلة الماضية؛ في ظلّ كرّ وفرّ بين قوات النظام ومجموعة الفصائل العسكرية المُدافعة، وبشكل خاص "هيئة تحرير الشام" و"جيش العزة" و"جيش النصر" و"جيش إدلب الحر" في قرى ريف حماة.
ووصلت قوات النظام ومليشيات حليفة إلى حدود إدلب الجنوبية الشرقية خلال الأسبوع الماضي، بعد سيطرتها على مناطق أم تريكية والشطيب وأم خزيم وقرى بمحيطها، وسط استعار المعارك مع "هيئة تحرير الشام" وفصائل "الجيش الحر". وهي مواجهات عنيفة أدت إلى سقوط عشرات القتلى.
وعُدّت المناطق المحيطة بالرهجان والشاكوسية شرق حماة ميدان المحور الأول لهجمات قوات النظام والمليشيات المُساندة لها، كذلك هاجمت عبر المحور الثاني الذي فتحته، بهدف الوصول لبلدة أبو دالي، الواقعة حالياً تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام"، وهي حدودية بين حدود محافظتي إدلب وحماة.
تزامن ذلك مع مخاوف في إدلب من وصول بقايا تنظيم "داعش" إلى المحافظة، مع سعي فلول مسلحيه المنهزمين في ريف حماة الشرقي، بالتزامن مع هجمات قوات النظام، إلى الوصول لأطراف إدلب الجنوبية، في ظلّ تقدمهم فعلاً لقرى حوايس أبو ذهيب وأبو خنادق، مع استمرار محاولاتهم الزحف في قرى رسم الحمام وحوايس أم جرنوما، وقرى أخرى قريبة من هذه المناطق، البعيدة عن شرق خان شيخون بأقصى ريف إدلب الجنوبي نحو 40 كيلومتراً.
هذه الهجمات المتزامنة مع معاركَ أخرى هدأت وتيرتها إلى حد ما خلال الأيام القليلة الماضية، بريف حلب الجنوبي الشرقي، الذي حاولت قوات النظام التقدم منه نحو مطار أبو الظهور العسكري شرقي إدلب، وباتت على بعد أقل من 25 كيلومتراً عنه، ضغطت على مختلف القوى العسكري النافذة في إدلب، لتوحيد جهودها؛ إذ استشعرت خطر خسارتها معارك جبهات القتال المذكورة. وتبلورت، بحسب معلومات "العربي الجديد"، مع ما رشح عن تصريحاتٍ رسمية مقتضبة لقيادات في "هيئة تحرير الشام" و"أحرار الشام" و"حركة الزنكي"، فكرة "تشكيل غرفة عمليات مشتركة لهذه الفصائل وغيرها كجيش الأحرار، لكن ذلك يتطلب حلّ خلافاتٍ بينية بين هيئة تحرير الشام من جهة، وأحرار الشام والزنكي من جهة أخرى، تتعلق باقتتالاتٍ سابقة بين هذه المجموعات، وما أفرزته من واقع ميداني، ومصادرة مقرات ومخازن، واعتقالاتٍ متبادلة، تجرى تسويتها، قبيل الإعلان عن تشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة، قد تخرج للعلن خلال الأيام القليلة المُقبلة".
من جهة أخرى، هدأت حملة التراشق الإعلامي التي كانت قد تستتبع خطواتٍ ميدانية، بين "الحكومة السورية المؤقتة" من جهة، التي ولدت سنة 2013، بعد مؤتمرٍ لـ"الائتلاف الوطني السوري" في مدينة اسطنبول، وضمت عند تأسيسها 12 وزارة، وبين "حكومة الإنقاذ" التي وُلدت أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، منبثقةً مما أطلق عليه "المؤتمر السوري العام" داخل سورية في سبتمبر/ أيلول الماضي، من جهة أخرى. وهدوء البيانات، والبيانات المضادة، يأتي مع حديثٍ عن "مبادراتٍ" نزعت فتيل الأزمة بين "الحكومتين" الموجودتين في مناطق سيطرة المعارضة السورية، التي وصلت ذروتها مع تصريحٍ صحافي أدلى به مدير مكتب العلاقات العامة بـ"المؤقتة" ياسر الحجي، قال فيه إن حكومته ترفض "التعاون مع أي حكومة لها علاقة بالإرهاب"، قاصداً بذلك "حكومة الإنقاذ"، على اعتبار أن "المؤقتة" تتهم "الإنقاذ" بالتعاون أو التحالف مع "هيئة تحرير الشام".
إثر هذا التصريح، أصدرت "الإنقاذ" الأحد الماضي، ما عنونته بـ"إنذار إلى الحكومة السورية المؤقتة"، طالبت فيه الأخيرة بـ"إغلاق كافة المكاتب التابعة لكم (للمؤقتة) في المناطق المحررة، وإخلاء جميع المقتنيات الشخصية، خلال 72 ساعة، من تاريخ التبليغ تحت طائلة المسؤولية"، محملة في بيانٍ لها "الحكومة المؤقتة" مسؤولية التصريحات والتبعات الناتجة عنها؛ إذ إن "الإنقاذ" رأت في حديث "المؤقتة" عنها بأن لها علاقة بـ"الإرهاب" اتهاماً خطيراً.
من جهتها رأت "المؤقتة" أن هذا "الإنذار" الصادر عن "الإنقاذ" هو بمثابة تهديدٍ لشن حملةٍ ضدها؛ فطالب على إثر ذلك رئيسها جواد أبو حطب "الجيش السوري الحر" بـ"تحمل المسؤولية في حال تعرض مكاتب الحكومة المؤقتة لهجومٍ من هيئة تحرير الشام"، مضيفاً في تصريحاتٍ صحافية له الثلاثاء، بأن حكومته ستعقد "اجتماعات مع كافة الأطراف والقوى لبحث الهجوم والإنذار من قبل حكومة الإنقاذ"؛ كذلك أصدرت "المؤقتة" قبل ذلك بياناً، نأت بنفسها فيه عن تصريح مدير مكتبها للعلاقات العامة، مؤكدة أن "البيانات ذات الصفة الرسمية تصدر حصرياً عن مكتب رئيس الحكومة المؤقتة، وأن أي تصريحٍ آخر يصدر عن أي موظف، لا يمثل إلا رأيه الشخصي".
ودخل "الائتلاف الوطني" الثلاثاء، على خط البيانات والبيانات المضادة، إذ بيّنَ وقال إن "الحكومة السورية المؤقتة هي الجهة التنفيذية الوحيدة التي تتمتع بالشرعية للعمل على الأرض السورية"، رافضاً "الإنذار المزعوم الصادر عما يسمى حكومة الإنقاذ"، معتبراً إياه "تصرفاً مرفوضاً وغير شرعي كحال الجهة التي أصدرته، ويُعد مخالفة قانونية وسابقة خطيرة يتحمل الأشخاص والأطراف المشاركون فيها، إضافة إلى هيئة تحرير الشام، المسؤولية الكاملة عنها، وعن أي ضرر يلحق بمكاتب الحكومة المؤقتة نتيجة ذلك".
ومنذ أوائل الاجتماعات، التي شهدها مدرج جامعة إدلب في آب/ أغسطس الماضي، والتقى فيها أكاديميون وشخصياتٍ عامة ونشطاء ووجهاء محليون، تحت عنوان "مبادرة الإدارة المدنية في المناطق المحررة"، بدأ أول التراشقات الإعلامية بين "الحكومة المؤقتة"، إذ استشعرت بأن "مبادرة الإدارة المدنية" التي كانت تبحث تشكيل "حكومة إنقاذ" ستقوض نفوذها، شمالي غربي البلاد، في عموم محافظة إدلب، وريف حماة الشمالي، وحلب الغربي، متهمةً إياها بمحاباة وخدمة تطلعات "هيئة تحرير الشام"، وبتعزيز انقسام "قوى الثورة"، وتكريس مشروع روسيا والنظام القائم "على الهدن ثم تخفيف التصعيد ثم إنشاء حكومات محلية ومن ثم انتصار المجرم بشار الأسد".
لكن "حكومة الإنقاذ" قالت من جهتها، وبحسب تصريحٍ سابقٍ أدلى به رئيسها محمد الشيخ لـ"العربي الجديد"، إنها سعت إلى رأب حدوث أي صدعٍ عبر دعوتها من الأساس لرئيس "المؤقتة" كي يحضر الاجتماعات التحضيرية، إذ "تمت دعوة أبو حطب لحضور اجتماعات المؤتمر" والحديث لرئيس "الإنقاذ" محمد الشيخ، الذي تابع: "تواصلت معه (جواد أبو حطب) قبل إطلاق المبادرة بشهر، ولكنه اعتبر المبادرة (المؤتمر السوري العام) غير فعالة"؛ كما رفض ذات المتحدث الاتهامات التي وُجهت إلى "المؤتمر السوري العام" على أنه واجهة لـ"هيئة تحرير الشام" أو مدعومٌ منها، قائلاً إن "من حضر المؤتمر هم 400 شخص من كافة الفعاليات في إدلب ومن خارجها".