عيد فصح بلا طقوس

19 ابريل 2020
رغم كورونا وصلت "شعلة النور" إلى رام الله (الأناضول)
+ الخط -

اليوم، يحتفل المسيحيون الذين يتّبعون التقويم الشرقي بعيد الفصح، وهو "العيد الكبير" في المسيحيّة. لكنّ الفلسطينيين المسيحيين في رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، يجمعون على أنّ أجواء عيد الفصح هذا العام لم يعرفوا مثلها مسبقاً، لا سيّما أنّ الصلوات والقداديس في الكنائس، وهي جوهر العيد وروحه، ممنوعة بسبب إجراءات الوقاية من تفشي فيروس كورونا الجديد، بالإضافة إلى إلغاء طقوس مدنية كثيرة أو تقليصها إلى الحدّ الأدنى. لكن أمس، على الرغم من كورونا، وصلت "شعلة النور" إلى المدينة مباشرة من كنيسة القيامة في القدس المحتلة، فتلقّفها الناس الملتزمين بيوتهم.

في الأسبوع الذي يسبق أحد الفصح، أي أسبوع الآلام، تحتفل عادة الكنائس في رام الله به من خلال الصلوات الخاصة التي تذكّر بالأيام التي سبقت القيامة، والتي تُعَد محطّات مهمّة، لا سيّما "خميس الأسرار" و"الجمعة العظيمة". لكنّ الأيام الأخيرة مرّت هذا العام بغير المعتاد، فقد دعا الكهنة المؤمنين إلى الصلاة في بيوتهم، ليصبح بذلك "كلّ بيت مسيحي كنيسة بحدّ ذاته". كذلك راحت تُبَثّ صلوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع إنترنت مختلفة، يظهر فيها بعض كهنة وراهبات في الكنائس.

ويوضح الأب جمال خضر، راعي كنيسة العائلة المقدسة في رام الله، لـ"العربي الجديد"، أنّ "عدداً محدوداً من الكهنة والراهبات من بلدات الطيبة وبيرزيت وجفنا ورام الله، أي نحو 15 شخصاً فقط، شاركوا في الصلوات في كنيسة العائلة المقدسة، وقد تمّ الحرص على التباعد بينهم في الكنيسة". ويؤكّد خضر: "لم يسبق أن عشنا ظرفاً في عيد الفصح يشبه ما نعيشه الآن بسبب تفشّي كورونا. هذه المرّة الأولى التي ندعو فيها الناس إلى عدم التوجّه إلى الكنائس للصلاة، وهذه سابقة تاريخية". يضيف أنّ "الكهنة والراهبات اعتادوا دعوة المسحيين للصلاة حتى في أحلك الأوقات التي عاشها الفلسطينيون، مثل الانتفاضة الأولى والثانية والاجتياح الإسرائيلي وما رافقه من قتل جماعي وهدم. فالوصول إلى الكنيسة وقرع أجراسها وإقامة الصلوات تُعَدّ تحدّياً للاحتلال وتأكيداً على إقامة الطقوس الدينية في بلاد مهد المسيح. لكنّ الصلاة في الكنائس في هذه الأيام غير ممكنة بسبب كورونا". ويتابع خضر أنّ "الكنائس في هذا العيد ستكون فارغة من المصلين (كما كانت في الأيام التي سبقته)، لكنّنا نحمد الله أنّ روح العيد ما زالت فينا على الرغم من كلّ شيء، واجتماع العائلة والصلاة في البيت حاضران بقوّة لإحياء العيد".



والطقوس الدينية المرتبطة بعيد الفصح والتي ألغيت هذا العام أو استعيض عنها بأخرى رمزية تتضمّن الحدّ الأدنى من الاحتفالات، قد تبدأ مع أحد الشعانين أو "عيد الشعنينة". وهو الأحد الأخير من الصوم الكبير الذي يسبق أحد الفصح (عيد القيامة) وفيه يستذكر المسيحيون دخول يسوع إلى مدينة القدس. ويسمّى هذا اليوم كذلك بأحد السعف أو الزيتونة لأنّ أهالي المدينة استقبلوه بالسعف وأغصان الزيتون المزيّنة. وهذا العام، لم تُقم مسيرات بالمناسبة كما العادة، فيما اختفت السعف المشغولة يدوياً من النخيل من شوارع رام الله القديمة حيث العدد الأكبر من الكنائس. بالإضافة إلى إلغاء مسيرة أحد الشعانين، لم يُقم طقس "غسل الأرجل" الذي يصادف يوم "خميس الأسرار"، والذي يعمد في خلاله الكهنة إلى غسل أرجل عدد من المؤمنين، مستعيدين قيام المسيح بغسل أرجل تلاميذه الاثني عشر في الليلة التي سبقت صلبه، أي الجمعة العظيمة أو الحزينة.

في القدس المحتلة كذلك، حيث كنيسة القيامة، لا احتفالات جماعيّة بطقوس عيد الفصح. ويقول خضر: "هذه سابقة كذلك، لم أشهدها منذ ثلاثين عاماً، أي منذ انضمامي إلى سلك الكهنوت"، مؤكداً أنّ "هذا أكثر ما أحزنني وأحزن آلاف المسيحيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة".



لكنّ إلغاء الطقوس التي يجتمع فيها المسيحيون لا تعني أنّ الفيروس نجح في خطف روح العيد، فما زالت طقوس عدّة ممكنة فردياً أو في العائلات الصغيرة، من قبيل تزيين البيض الذي يرمز إلى خروج الحيّ من الموت. ويقول حربي أبو عيسى، وهو صاحب سوبرماركت في رام الله القديمة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "إقبال الناس على شراء البيض بغرض تزيينه لم يتغيّر، لأنّ العائلات تتمسّك بهذا الطقس الجميل الذي يشارك فيه كلّ أفرادها فيلوّنون البيض، وفي ذلك فرحة للصغار والكبار". يضيف أنّ "شراء الشوكولاتة وكلّ مستلزمات العيد الأخرى لم يتغيّر كذلك هذا العام". من جهتها، تؤكد مثيل سليمان لـ"العربي الجديد" أنّ "الإجراءات الوقائية من فيروس كورنا الجديد لم تمنع الناس من صنع الكعك الخاص بهذا العيد، والذي يأتي على شكل حلقات ترمز ربّما إلى إكليل الشوك الذي وُضع على رأس المسيح الذي قدم نفسه فداء للإنسان".