عيد الفطر في اليمن.. أطفال يواصلون الصيام عن الفرح

24 يونيو 2017
(في منطقة دار سعد/ عد، تصوير: صالح العبيدي)
+ الخط -

لم يتمكّن هذه السنة من شراء ملابس جديدة لأبنائه، بسبب انقطاع الراتب منذ تسعة أشهر، واضطر التربوي محمد علي سعيد (38عاما) إلى إخبار أبنائه الخمسة بأنه سيكون عليهم ارتداء ملابس العيد للسنة الماضية، فضلًا عن عدم تمكّنه من شراء حلويات العيد كما جرت العادة في اليمن جرّاء ارتفاع أسعارها.

يقول محمد في حديث إلى "جيل" إن راتبه توقف تمامًا منذ تسعة أشهر، متسائلًا : "من أين لنا أن نكسو أطفالنا ونحن نعتمد في الأساس على الراتب أصلًا، لهذا قلت لأبنائي سامحوني واعفوني من كسوة العيد هذا العام."

محمد الذي يستقبل عيد الفطر هذا العام بوجه عابس، وحالة نفسية محبطة، يشكو الحال القاسي الذي وصفه أثناء حديثه بـ "غير المسبوق طوال حياته"، على الرغم من أنه يتقاضى راتبًا شهريًا بسيطًا، ويسكن في منزل متهالك يأويه وأسرته، يشير إلى أنه كان في حال أفضل (نسبيًا) من كثيرين، ممّن لا يجدون وظيفة أو عملًا منتظمًا أو منزلًا خاصًا قبل الحرب وانقطاع الراتب.

من جهته يتحدث أحمد العزعزي، بائع في أحد المتاجر بالعاصمة صنعاء، عن أن "عشرات الأسر باتت تقف حائرة أمام ارتفاع الأسعار للملابس من جهة وانقطاع الراتب وتدهور العملة الوطنية من جهة أخرى، ومن هذا المنطلق تراجع الإقبال على شراء الملابس المختلفة بشكل غير مسبوق مقارنة بالأعوام الماضية".


قصص مؤلمة
ويروي العزعزي في حديث إلى "جيل"، قصصًا مؤلمة لعدد من الزبائن الذين جاؤوا لمحلّه، حيث "يضطر بعضهم للكذب على أولاده بالقول إنه ذهب إلى السوق واشترى لهم ملابس جديدة، بينما يقوم بوضع ملابس قديمة قام بإحضارها معه في أكياس للمحل ليوهم أولاده أنه اشترى لهم كسوة جديدة".

واستطرد المتحدث، "بعض الأسر اضطرت حسب اطلاعي لبيع مستلزمات منزلية لتتمكّن من شراء ملابس وحلويات العيد لأولادها". مشيرًا إلى الإحراج الذي يواجهه من رجال ونساء يطلبون ملابس أطفال جديدة بالدفع الآجل والاستدانة منه، وهو ما لم يعهده في المواسم الماضية.

من جهتها تقول الناشطة اليمنية بلقيس العبدلي لــ "جيل": "في ظل الحرب التي تبدأ عامها الثالث في اليمن، ومع كل تبعاتها الاقتصادية التي طحنت المواطن اليمني بكافة شرائحه، بين موظف قطاع عام في تعزّ لم يستلم راتبه منذ أكثر من ثمانية أشهر وبين آخر في صنعاء تحوّل راتبه إلى بطاقة سلعية، تجبره فيها سلطات الأمر الواقع على شراء مواد معينة ومن جهات معينة أيضًا، تستغل أوضاع البلد لتضاعف أثمان السلع والمواد الغذائية، وبين فئات أخرى من المواطنين سلبتهم الحرب أعمالهم ومصادر رزقهم، تنتهك اليوم حقوق الطفولة وتصادر فرحتها بالعيد".

وتضيف العبدلي أن الآباء الذين أصبحوا غير قادرين على توفير مستلزمات القوت الضروري والدواء بالتأكيد عاجزون عن شراء ملابس العيد التي ينتظرها الأطفال ويحلمون بها من عام إلى آخر؛ معتبرة أن الحرب جعلت الآباء يتجرّعون الوجع وأحاسيس العجز أمام تساؤلات أطفالهم عن تجهيزات العيد، فيعتذرون بوعود مؤجّله لمن صار منهم يدرك ما يدور حوله، بينما يحاولون خلق قصص وهمية لصغارهم الذين لم يدركوا معنى الحرب بعد".


أضرار نفسية
حرمان الأطفال هذه السنة، يقول عنه ناشطون إنه يخلق أضرارًا نفسية كبيرة لدى الأطفال خصوصًا الذين يلاحظون زملاءهم وجيرانهم من الأطفال الذين ينتمون إلى الأسر ميسورة الحال وهم يرتدون ملابس جديدة، بينما هم لم يتمكنوا من الحصول على ذلك.

هنا تذهب بلقيس العبدلي للقول: "هي نفسها الحرب التي أدّت إلى تخلخل بل وانهيار في البنى القيمية، المجتمع الذي طفت إلى سطحه علامات النفاق الاجتماعي وفروق شاسعة بين شرائح المجتمع لنجد أسره تشتري لأطفالها الملابس والحلويات الباهظة لعدّة أيام متتالية في العيد، بينما عشرات الأسر في نفس الحي لم تستطع توفير قطعة ملابس واحدة، كل هذا يزيد من الفجوة الاجتماعية ومن الأضرار النفسية وتمزّق النسيج الإجتماعي، وانحدار في قيم التعامل حتى بين أفراد العائلة الواحدة".

وتستشهد قائلة: "أمس مثلًا، كنت في زيارة لأحد الجيران وسمعت، والدة أحد الأطفال توصيه أنه إذا سألتك جارتنا أم فلان أين حلقت شعر رأسك؟ قلها عند الحلاق، قلت للأم أنت تعلّمينه الكذب، فردّت بأن الحلاق يطلب 500 ريال ثمنًا لذلك، وأنا أحلق لأطفالي بالبيت، لكن جارتنا ستتفاخر أمامهم بأبنائها، وسيأتون إليّ باكين. أرى أن كل هذه الظروف ستتجمّع لتزيد من أضرار الحرب ونتائجها فلن تغدو اقتصادية فقط، بل ستتجاوزها إلى تبعات نفسية واجتماعية قد لا تعالج على مدى سنوات".


الحوثي يدعو إلى إخفاء كسوة العيد
يدرك الحوثيون تمامًا أن عشرات الآلاف من الأطفال اليمنيين سيقضون هذا العيد بدون كسوة، بسبب عدم قدرة آبائهم على شراء الكسوة لهم، وغياب الراتب الذي كان يكفل لهم ذلك، ولهذا قاموا بدعوة  الناس الميسورين، إلى إخفاء كسوة العيد عن أنظار الآخرين الفقراء، وبطبيعة الحال يقول يمنيون إن الشعب ربّما صار كله فقيرًا بسببهم، ولم يتبق من يمتلك المال سوى تجّار الحرب وقيادات الانقلاب والشرعية أيضًا.

على صفحته في الفيسبوك، كتب رئيس ما يسمى اللجنة الثورية محمد علي الحوثي قائلًا: " كوننا شعب نواجه عدوانًا وحصارًا؛ وتعسفًا أمميًا بمنع تسليم المرتّبات، كما صرح بذلك الممثل الأميركي السعودي ولد الشيخ، أمام مجلس الأمن، وهو ما أدى إلى زيادة معاناة لما يربو على مليون أسرة يمنية، تقتات وتعيش على هذه الرواتب، أيضًا فقد كثيرون من العاملين في القطاع الخاص مصادر رزقهم، بعد قصف العدوان الأميركي السعودي وحلفائه للمنشآت الصناعية وغيرها من الأسواق، والمزارع، ومصادر الدخل الخاص، ولأن الشعب مازال يحمل قيمًا ومبادئ، فإننا ندعو الميسورين للتعاون بقدر الإمكان مع الأسر الفقيرة في كسوة العيد، وندعوهم إلى عدم لبس الملابس الجديدة يوم العيد احتجاجًا على استمرار الحصار، ومواساة لمن لم يستطع شراء الملابس، حتى لا يشعر جارك، صديقك، ابن حارتك بأي حرج، كون الملابس أصبحت من العادات، وتركها مواساة للآخرين من أجمل الخطوات لنا كشعب يحنّ على بعضه بعضًا، ويشعر بمعاناة بعضنا بعض، وأنا على ثقة بأن الكثير منكم سيقوم بهذه الخطوة الاحتجاجية".


جميعهم صاروا فقراء
دعوة الحوثي، قوبلت بالسخرية والهجوم على مواقع التواصل الاجتماعي بين اليمنيين، واعتبروا هذه الدعوة نوعا من الاستخفاف، ولا تعبر عن أي مسؤولية أو مبالاة أو احترام لمشاعر الفقراء واليمنيين بقدر ما تزعجهم.

يقول الكاتب اليمني خالد الرويشان في ردّه على الحوثي بالقول: "أنتم مدينون للشعب بمرتبات سنة، بسببكم أصبح كل اليمنيين فقراء، زعيم حوثي يدعو اليمنيين لعدم شراء ملابس لأطفالهم في العيد حرجًا من مشاعر الفقراء، لا يعرف أن اليمنيين جميعًا أصبحوا فقراء ومُعدَمين وبلا رواتب منذ ما يقارب السنة، ووحدهم الحوثيون قادرون على شراء الغلال والتلال والعمارات".


غضب في مواقع الشرعية
بسبب انقطاع الرواتب في المناطق التي تسيطر عليها شرعية الرئيس هادي، شهدت معظمها خلال اليومين الماضيين مظاهرات واحتجاجات غاضبة، احتجاجًا على استمرار انقطاع الرواتب وعدم قدرتهم على الوفاء لأطفالهم ولو خلال مناسبة العيد.

ففي مدينة تعزّ، وسط شمال اليمن تظاهر المئات من أبناء المدينة واحرقوا صور رئيس الحكومة الشرعية أحمد عبيد بن دغر. وقالوا إن شرعية الرئيس هادي صارت غير مسؤولة وغير مهتمّة بالناس والموظفين والأطفال الذين سيمضون العيد بدون كسوة وبدون فرحة.

المساهمون