تسبّبت الهجمات الأخيرة التي نفذها تنظيم "داعش" في مناطق عراقية متنازع عليها بين بغداد وأربيل، في محافظات كركوك ونينوى وصلاح الدين (شمالاً)، وديالى (شرقاً)، بإثارة المخاوف من تجدد الخروقات الأمنية في مناطق خالية من تواجد الجيش العراقي والأمن الكردي، وفقاً لتصريحات قيادات في قوات "البشمركة" الكردية، أكدت أن المساحات الفارغة منحت عناصر التنظيم حرية في التنقل.
وتمكّن "داعش" من شنّ هجمات متكررة أخيراً، توزعت في أكثر من منطقة متنازع عليها، بحسب ضابط في وزارة الدفاع العراقية، قال لـ"العربي الجديد" إن التنظيم يضرب أحياناً في مخمور في نينوى، وبعدها بأسابيع ينتقل إلى جنوب كركوك، ثم إلى صلاح الدين وديالى ومناطق أخرى، مؤكداً أن عناصر "داعش" يستغلون حالة التوتر التي تعاني منها هذه المناطق في ظل تعدد المرجعيات الأمنية فيها. وأضاف أن "بعض المناطق المتنازع عليها مؤمنة من قبل الجيش، وأخرى من قبل الشرطة، أو الحشد الشعبي"، مشيراً إلى وجود بعض المناطق التي تعتمد على العشائر في صدّ هجمات "داعش"، ما دفع السلطات العراقية إلى تسليحها. وكان قائد عمليات الجيش في نينوى اللواء نجم الجبوري قال، أخيراً، إنّ السلطات العراقية قررت تسليح العشائر في 50 قرية في نينوى من أجل صدّ الهجمات الإرهابية، مؤكداً في بيان، أنّه "عقد اجتماعاً مع شيوخ المناطق النائية، أوعز بعده رئيس أركان الجيش بتسليح هذه القرى، لتدافع عن نفسها ضد أي هجمات محتملة يمكن أن تنفذها مجموعات صغيرة هنا وهناك".
وفي السياق، أكد الأمين العام لوزارة "البشمركة" في إقليم كردستان جبار ياور، في تصريح صحافي، أن الأشهر الماضية من عام 2019 شهدت تنفيذ تنظيم "داعش" 100 هجوم في أربع محافظات توجد فيها مناطق متنازع عليها، أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 400 شخص، بينهم عسكريون ومدنيون، موضحاً أن التنظيم ركّز هجماته على مناطق جنوب كركوك، ومنطقة حمرين في ديالى، وأطراف بلدة طوزخورماتو في محافظة صلاح الدين، وفي جنوب وغرب الموصل بمحافظة نينوى. ولفت المسؤول الكردي إلى أن التنظيم نفذ 456 هجوماً في هذه المناطق خلال العام 2018، وقتل وأصاب ما لا يقل عن 1700 شخص من القوات الأمنية والمدنيين، موضحاً أن سبب ظهور التنظيم مجدداً يعود إلى وجود مساحات فارغة مكّنته من التنقل. وشدد على ضرورة التنسيق بين الجيش العراقي وقوات "البشمركة" بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي يضمن عودة القوات الكردية إلى المناطق المتنازع عليها.
وتأتي الدعوات الكردية لإشراك "البشمركة" في حفظ أمن المناطق المتنازع عليها بعد أيام على اجتماع عُقد في أربيل بين رئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني، مع النائب عن محافظة نينوى أسامة النجيفي، لبحث الأوضاع الأمنية في نينوى. إلا أن الرغبة الكردية بالعودة إلى المناطق المتنازع عليها، التي خرجت منها "البشمركة" بسبب دخول الجيش العراقي إليها على خلفية استفتاء إقليم كردستان في سبتمبر/أيلول 2017، تصطدم برفض من قبل فصائل "الحشد الشعبي". ورفض مسؤول المحور الشمالي في "الحشد" علي الحسيني عودة قوات "البشمركة" إلى المناطق المتنازع عليها في ديالى وكركوك وأطراف صلاح الدين، موضحاً، في تصريح صحافي، أن الخروقات التي حدثت أخيراً كانت في مناطق خاضعة لسيطرة "البشمركة".
وأطلق الدستور العراقي تسمية "المناطق المتنازع عليها" على بلدات وقرى مختلف عليها بين الحكومة الاتحادية في بغداد، وحكومة إقليم كردستان في أربيل. وقال عماد الحيالي، وهو مسؤول محلي سابق في نينوى، إن مناطق متنازعا عليها في المحافظة مثل مخمور وسنجار، تعاني منذ فترة من تدهور أمني، مؤكداً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحاجة أصبحت ملحّة للتنسيق بين القوات العراقية والكردية لبسط الأمن في مخمور، وكذلك في سنجار التي تعاني من سيطرة مقاتلي حزب العمال الكردستاني. ولفت إلى أن الخروقات الأمنية لا تقتصر على نينوى، بل تمتد إلى حدود المحافظة مع صلاح الدين، التي تضم مساحات واسعة من القرى التي تتطلب الاستعانة بجهود العشائر لتأمينها.
وأطلقت القوات العراقية، أمس السبت، عملية أمنية في بلدة الشرقاط بمحافظة صلاح الدين، شاركت فيها قوات من الجيش و"الحشد الشعبي"، وفقاً لمصادر أمنية محلية قالت، لـ"العربي الجديد"، إن العملية انطلقت على خلفية قيام عناصر بـ"داعش" الجمعة الماضي بقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ثلاثة آخرين. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، قُتل عنصران من الشرطة الاتحادية بهجوم لـ"داعش" في بلدة الحويجة جنوب كركوك، كما أصيب عدد من الأشخاص بتفجير وسط مرأب للسيارات في كركوك. وقبل ذلك قُتل 6 عناصر في "الحشد" وأصيب العشرات في كمين نصبه تنظيم "داعش" في بلدة مخمور الواقعة بين الموصل وكركوك.