عودة خطاب التطبيع

23 يونيو 2016
(في إسبانيا، تصوير: ألبيرت لوب)
+ الخط -

يعرف العالم العربي عودة قوية لخطاب التطبيع مع العدو الصهيوني، خصوصاً مع موجة الثورة المضادة وانتشار فكر جديد لدى الشباب بداعي التعايش والأنسنة، في محاولة لتبخيس الصراع العربي الإسرائيلي إلى نزاع سياسي حول مناطق جغرافية، سينتهي بحدوث تصالح بين الأطراف المتنازعة وإيجاد مصالح مشتركة.

وقد صاحب هذا الطرح، انتشار التفكير الانهزامي على أنه واقعية سياسية وضرورة نسيان الماضي؛ فدعوات التطبيع هي بداية للتفريط في العديد من مكتسبات الهوية وضرورة تسليط الضوء على أن انتشار هذه الدعوات راجع لوجود مخططات إعلامية عبر الإعلام التقليدي والإلكتروني ووجود قادة رأي يروجون للفكرة ورجال أعمال يدعمونها.

ومما يجب التوقف عنده، أن التطبيع كما هو متعارف عليه دولياً هو إعادة علاقات طرفين معيّنين إلى وضعهما الطبيعي الذي كانا عليه قبل أن يطرأ هذا الموقف الصراعي بينهما، وهذا المفهوم يعني إعادة العلاقات إلى طبيعتها بين طرفين طرأ بينهما موقف غير طبيعي، أي موقف صراعي سواء بلغ حده الأعلى بإعلان الحرب أو حده الأدنى في حدود الصراعات العادية، بينما المقاطعة هي إجراء تلجأ إليه سلطات الدولة أو هيئاتها أو أفرادها المشتغلون بالتجارة لوقف العلاقات التجارية مع دولة أخرى ومنع التعامل معها أو مع رعاياها بقصد الضغط عليها رداً على ارتكابها أعمالاً عدوانية وما شابهها.

وقد استخدم المصطلح لأول مرة في إشارة إلى يهود المنفى (العالم) الذين يعتبرهم مؤسسو إسرائيل على أنهم شخصيات طفيلية، شاذة منغمسة في الأعمال الفكرية وفي الغش التجاري، ويعملون في أعمال هامشية مثل الربا وأعمال مشينة مثل الدعارة والقمار.

وقد طرحت الصهيونية نفسها على أنها الحركة السياسية والاجتماعية التي ستقوم بتطبيع اليهود، أي إعادة صياغتهم بحيث يصبحون شعباً مثل كل الشعوب وتجميعهم في أرض موحدة بنظام ديني.

وتمتلك إسرائيل تصوّراً للتطبيع مع الدول العربية يرتكز حول فكرة إيجاد علاقات طبيعية وعادية بين الطرفين على غرار أي علاقة بين طرفين في حالة سلام وتربطهما علاقات مودة واحترام تنتفي فيها حالة التناقض أو العداء بكافة مظاهره من خلال إنهاء حالة الحرب بين الطرفين وإقامة سلام تستطيع فيه إسرائيل أن تعيش في أمان، واعتراف كامل بإسرائيل وإقامة العلاقات الدبلوماسية والقنصلية وتبادل السفراء وفتح الحدود أمام الأفراد والسلع، وإنهاء المقاطعة الاقتصادية العربية للشركات اليهودية والدول المتعاملة معها وإزالة الحواجز ذات الطابع التمييزي المفروضة ضد حرية تنقل الأفراد والسلع، بالإضافة إلى إقامة علاقات ثقافية وفنية واقتصادية وسياحية.

تسعى إسرائيل من تطبيع العلاقات إلى الاستفادة من المال العربي في استثماراتها العالمية، واقتحام الأسواق العربية ذات الاستهلاك الكبير، ثم السيطرة على الموارد الطبيعية، المائية، الطاقية والزراعية. ولا بد من الإشارة إلى أن الجانب الاقتصادي يشكل هدفاً استراتيجياً في مخططات التطبيع من حيث التبادل التجاري عبر حرية التبادل السلعي ومنح تراخيص استيراد وتصدير، والموافقة على شهادات منشأ للسلع المستوردة والسماح بإقامة المراكز التجارية المتبادلة والاشتراك في المعارض ودخول السلع لهذه المعارض، ثم حرية تنقل الأشخاص والآليات وعدم جواز فرض قيود على الحرية من أي طرف، ويشمل وسائل النقل البري والبحري والجوي.

على صعيد آخر، يعتبر التطبيع الثقافي، والمعرفي والإعلامي، هو الأخطر، خصوصاً أنه يستهدف الشباب العربي ويتجلى ذلك في إنشاء مراكز أكاديمية ومنتديات للفكر تدعو لتبادل الزيارات بين الوفود الثقافية العربية والإسرائيلية، وإقامة مؤتمرات للتعريف بالثقافات والتشجيع على التصالح بالأدب، الشعر والسينما.

علاوة على ذلك، يتم الترويج لفكرة التطبيع عبر خطاب مزيف لأشباه المثقفين يزورون التاريخ والحقائق بغرض طمس الجرائم، كما يتم الاستثمار في منابر إعلامية تطعن في فكرة المقاطعة وتحث على التطبيع لأن العالم يتغير والمواقف السياسية تستلزم المرونة.

إن القضية العربية – الإسرائيلية هي قضية عدالة بالدرجة الأولى، تستوجب مواقف أخلاقية تقوم على ذاكرة تاريخية وإنسانية، تذكر بأهمية المقاطعة وبالحق العربي المسلوب، كما أن المقاطعة لا تعني عدم دراسة الآخر، بل العالم العربي في أمس الحاجة إلى التعرف على العقل الإسرائيلي والبحث في جوانبه الفكرية ومشاريعه المستقبلية لبناء أطروحته السياسية.


(المغرب)