عودة تحركات "داعش" بالسويداء: مخاوف من تكرار سيناريو 2018

09 مارس 2019
نقاط نشاط "داعش" تتركز في المناطق الوعرة(جاك كوز/فرانس برس)
+ الخط -
يثير رصد تحركات لتنظيم "داعش" على أطراف الريف الشرقي لمحافظة السويداء، جنوب سورية، مخاوف من احتمال تحضير التنظيم لاعتداءات إرهابية جديدة على المحافظة، على غرار الاعتداء الدموي الذي ذهب ضحيته نحو 300 شخص، بين مدني ومقاتل في يوليو/ تموز الماضي.

وقالت مصادر في أحد الفصائل المسلحة المحلية في السويداء، طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الفصائل المحلية العاملة في الريف الشرقي للمحافظة بدأت تلحظ منذ بداية الشهر الماضي، حركة مريبة لمقاتلي التنظيم على أطراف الريف الشرقي، يعتقد أنها بهدف رصد المنطقة". وأضافت أن "هناك معلومات عن أن التنظيم يقوم بالعمل على تجميع أعداد من مقاتليه على أطراف ريف المحافظة، بالقرب من تلول الصفا. وقدر عددهم، الأسبوع الماضي، بما بين 200 و300 مقاتل، مسلحين بأسلحة خفيفة ومتوسطة، إضافة إلى العبوات الناسفة والمواد المتفجرة، في ظل معلومات عن أن أعداداً جديدة تصل إلى المنطقة من البادية في ريفي دير الزور وحمص، وجزء آخر من البادية العراقية". وأوضحت المصادر أن "التنظيم يعمل على توزيعهم على مجموعات صغيرة في عدة مناطق على طول حدود المحافظة، وغالباً ما يكون تنقلهم خلال الليل، ما يسهل عملية تمويه أماكن وجودهم وصعوبة رصدهم عبر الطيران".

وكانت فصائل محلية في الريف الشرقي قد استهدفت في السادس من مارس/ آذار الحالي، تحركات لمجموعة يعتقد أنها تتبع للتنظيم، تقوم بعملية رصد للمنطقة، بالرشاشات المتوسطة، من دون أن تقوم تلك المجموعة بالرد. وكان الطيران الحربي التابع لقوات النظام قد استهدف منتصف الشهر الماضي منطقة خربة الحصن، شرقي قرية طربا، بريف السويداء الشرقي، بعد إبلاغ الفصائل المحلية قوات النظام بوجود تحركات مشبوهة في المنطقة لمجموعة كبيرة من الأشخاص، في حين قالت مصادر محلية إن "الغارات الجوية أتت بعد عدة ساعات من الإبلاغ عن التحرك". وأشارت وسائل إعلام محلية مقربة من النظام، قبلها بأيام، إلى تمكن مجموعة من قوات النظام، تتبع لـ"الفرقة الأولى مدرعات"، من قتل 6 من مقاتلي تنظيم "داعش" ومصادرة أسلحتهم، بعد محاولتهم الخروج من أحد المغاور المنتشرة في منطقة تلول الصفا ببادية السويداء.

في موازاة ذلك، يؤكد مصدر عسكري يتبع للنظام السوري "ورود معلومات تؤكد عودة نشاط التنظيم إلى أطراف الريف الشرقي، وأنه من المرجح أن يكون هناك تجمع يعمل على تشكيله التنظيم بالقرب من منطقة الصفا الوعرة"، فيما تفيد معلومات متقاطعة بأن نقاط نشاط "داعش" الرئيسية تتركز في المناطق الوعرة، مثل الكرع والدياثة، ويمكن القول إنها تحت سيطرة التنظيم بالكامل، إضافة إلى وجود مجموعات في الجزء الشرقي من تلول الصفا المفتوحة على البادية، في حين يشكل سكان المنطقة من البدو الرحل مصدراً رئيسياً لإمداد التنظيم بما يحتاجه عبر مناطق النظام، مستغلين الفساد المتفشي في صفوفه. وبحسب المصدر نفسه، فإنه "بعد معارك تلول الصفا العام الماضي، وإخراج التنظيم إلى عمق البادية التابعة لريف دمشق، انسحبت جل القوات التابعة للنظام من المنطقة، وما تبقى هي نقاط مراقبة متباعدة في ما بينها". ولفت إلى أن "مسألة إغلاق حدود المحافظة بوجه التنظيم بشكل تام أمر في غاية الصعوبة، ويحتاج إلى أعداد كبيرة من المقاتلين والعتاد، غير متوفرة". وتابع أن "احتمال حدوث خرق أمر قائم، فالمنطقة صحراوية ورصد المجموعات الصغيرة أمر غير ممكن، لكن التعويل أن يكون أهالي القرى المنتشرة في الريف الشرقي متنبهين لأي خرق قد يطاولهم". ولفت المصدر إلى أن "قيادة الجيش مطلعة على الأمر (تحركات داعش)، وقد أرسلت إلينا تطمينات بأن الأمر مراقب وتحت السيطرة". لكن هذه "التطمينات" لا يثق بها الأهالي، لا سيما بعدما جرى العام الماضي والاتهامات التي تطاول النظام، بغض النظر عن تمدد "داعش" على أطراف المحافظة.



ويرى متابعون للأوضاع في السويداء أن النظام يعمل على إبقاء جزء من عناصر التنظيم على أطراف السويداء كفزاعة يخيف بها سكان المنطقة، ويستدرجهم إليها في الوقت المناسب كورقة ضغط على سكانها من أجل تطويع المحافظة وبعض فصائلها التي قد تخرج قليلاً عن الخط العام للنظام. كما يمكن استخدام عناصر التنظيم في إقناع الشبان المتخلفين عن الخدمة في المحافظة، والذين يقدر عددهم بـ30 ألفاً، بالالتحاق بالخدمة لحماية محافظتهم، التي يحاول النظام وضع سكانها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بسلطته أو ملاقاة مصير أسود أمام إرهاب تنظيم "داعش".

وعلى صعيد متصل، علمت "العربي الجديد" أن الأمن العسكري يعمل على خلق قنوات اتصال وربط مع الفصائل المحلية، التي تعتبر خارج هيمنته، تحت ذرائع وقف الأعمال المخلة بالأمن، كعمليات الخطف، مقابل حل أي خلاف ينشأ بينها وبين قوى النظام، خصوصاً الأمنية منها، بحسب ناشطين محليين. وأبدى النشطاء مخاوفهم من أن "يكون لدى النظام توجه إلى تدجين هذه الفصائل لتدور في فلكه، وإشغالها بالمكاسب الشخصية وشق صفوفها، إضافة إلى استنزافها بمعارك مع التنظيم في البادية، ومن ثم القضاء عليها". ولفتوا إلى أن "جميع القيادات في النظام، وآخرهم رئيس إدارة الاستخبارات الجوية جميل حسن، الذي زار المحافظة قبل أيام، تحاول أن تطمئن أهالي المحافظة بأن لا نية لدى النظام لإدخال قواته إليها، وأن رئيس النظام بشار الأسد يعارض استخدام العنف ضد أهلها. لكن الأهالي يتهمون، في المقابل، الأجهزة الأمنية برعاية عصابات الخطف والسرقة والتجارة بالمواد المخدرة، إضافة إلى اعتماد سياسة تشويه صورة السويداء أمام السوريين وعزلها عن محيطها وإخراج أكثر من 18 ألف عائلة استقرت فيها هرباً من الحرب، تحت سياسة التخويف من الفلتان الأمني". وأوضحوا أن "النظام، بعد العديد من اللقاءات ومطالبات المرجعيات الدينية والاجتماعية بتسليمهم قائمة بأسماء المسجلين كخطر على أمن المحافظة، سلم قائمة تحتوي على أسماء 18 شخصاً يعتبرهم مجرمين، جزء منهم معروف من قبل الأهالي أنه كان مرتبطاً بجهات أمنية ويحمل بطاقات أمنية".

في غضون ذلك، ترى مصادر متابعة أخرى في السويداء أن أي اعتداء جديد لتنظيم "داعش" على المحافظة يمكن أن يوظف في إطار الصراع الإيراني الإسرائيلي في سورية، خصوصاً بعد الاتفاق الروسي مع إسرائيل على تشكيل لجنة لإخراج القوات الأجنبية من سورية. مع العلم أن المنطقة يفترض أن تكون خالية من القوات الإيرانية و"حزب الله" اللبناني، كما تطالب إسرائيل، لكن إيران حافظت على نفوذ لها داخل المحافظة، سواء عبر تشكيل "حزب الله" السوري الذي أسسته أو من خلال نفوذها داخل الأجهزة الأمنية.