الحملة الأمنية الأخيرة في المنطقة جاءت بعد إصدار السلطات السعودية أحكام إعدام بحق متهمين بـ"التخابر مع إيران" في المنطقة؛ ثم إصدار قرار بهدم منطقة المسورة القديمة في البلدة، بحجة أنّ المسلّحين يختبئون في أزقتها، قبل أن تتصاعد حدّة المواجهات لتهجّر 25 ألف شخصاً من البلدة، وسط سقوط قتلى من الجهتين.
يوم أمس، أعلنت السلطات أنها أكملت هدم الحيّ القديم الذي يعود لـ400 عام، وسيطرتها على البلدة. وقد أكّدت مصادر من المنطقة الشرقية لـ"العربي الجديد"، أنّ هدوءاً حذراً يخيّم على المنطقة التي باتت شبه فارغة من أهلها. غير أنّ ذلك لا يعني نهاية الأزمة.
فالحملة الأخيرة في البلدة، ليست إلا فصلا من التوتر في المنطقة الشرقية، الذي لا يلبث أن يهدأ، إلا ويعود ويندلع من جديد، كونه يجري في منطقة تعاني من التهميش، سيما أن أغلب أبنائها ينتمون للأقلية الشيعية، اتخذت من الاحتجاجات حيناً، ومن أعمال العنف حيناً آخر، وسيلة لمواجهة السلطات؛ كما يجري وسط منطقة تنتشر فيها الأسلحة بكثرة، وتتعرّض مراكزها الأمنية لهجمات مسلّحة. وقد واجهت السلطات مشاكلها من خلال القبضة الأمنية، ما يرجّح أن يكون الهدوء الحذر حالياً ترحيلاً للأزمة، خصوصاً أن أهل البلدة نزحوا إلى البلدات المجاورة في المنطقة الشرقية.
تعريف بالعوامية
تقع العوامية على ساحل الخليج العربي في الطرف الشمالي من واحة مدينة القطيف، وتحدّها شمالاً مدينة صفوى التي تبعد عنها حوالي 2.1 كم، وإلى الجنوب تقع مدينة القديح وتبعد عنها حوالي 1 كم. وإلى الجنوب الشرقي تقع مدينة القطيف (عاصمة محافظة القطيف)، وتبعد عنها مسافة 3 كم. ويخترق العوامية طولاً طريق معبّد يربط بين طرفي واحة القطيف الجنوبي والشمالي.
وتسكن بلدة العوامية غالبية من المسلمين الشيعة، الذين يشكّلون غالبية سكانية في القطيف، وأقلية في المملكة العربية السعودية، الأمر الذي جعلهم في وضعية تهميش سياسي.
احتجاجات
لكن هذا الواقع لم يمنع أبناء البلدة من الانخراط في نشاطات سياسية، شملت تنظيم الجمعيات وإصدار بعض المطبوعات المحلية، وتنظيم الندوات، ليصل الأمر أحيانا، خلال السنوات القليلة الماضية، إلى تنظيم التظاهرات ضد حكومة المملكة؛ تصاعدت هذه الاحتجاجات خصوصاً بعد اندلاع احتجاجات البحرين في 14 فبراير/شباط 2011.
المطالب
يقول المحتجون في المنطقة إنهم يعانون من التهميش والتمييز، ويصفون أنفسهم بأنهم "أقلية مضطهدة"، ويرفعون عدّة مطالب منها ما هو مرتبط بحرية المعتقد، كالاعتراف الرسمي بالمذهب الشيعي، والسماح لهم ببناء المساجد والحسينيات والحوزات العلمية. مع العلم أن المساجد والحسينيات قائمة بالفعل في المنطقة. ويطالبون بإنشاء محاكم مستقلة، وتدريس الفقه الشيعي في المدارس والجامعات، و"سن قوانين وعقوبات ضد التكفير والإساءة للشيعة"، بحسب ما تورد صفحاتهم على مواقع التواصل.
كما يرفعون مطالب مرتبطة بإلغاء التمييز في تقلّد الوظائف والمناصب الرسمية والعسكرية، فضلاً عن الحق في تشكيل الجمعيات السياسية. لكن تصل المطالب عند بعض الأصوات الراديكالية في المنطقة إلى حدّ المطالبة بالانفصال.
أعمال عنف
من جهة ثانية، اتخذ الحراك في المنطقة طابعاً عنفياً مسلّحاً أحياناً كثيرة، بسبب انتشار الأسلحة في المنطقة الشرقية.
بحسب وسائل إعلام محلية، فإنّ المنطقة عرفت ظاهرة انتشار السلاح بعد حرب الخليج الثانية، وتصاعدت خصوصاً بعد سقوط بغداد، بحيث نشطت تجارة الأسلحة بين العراقيين وقوات التحالف الدولي والسعوديين.
وفي مقابل الاحتجاجات المتواصلة، تعتبر المداهمات الأمنية في العوامية مشهداً مألوفاً في المنطقة، فضلاً عن الهجمات التي تستهدف القوات الأمنية، وآخرها جرى أواخر الشهر الماضي، حيث أعلنت المواقع الرسمية السعودية، مقتل رجل أمن وإصابة آخرين. وتتهم السلطات المحتجين في المنطقة بأنهم "مثيرو شغب" والارتباط بـ"أجندات أجنبية"، في إشارة إلى إيران.
إعدام نمر النمر نقطة تحول
في الثاني من يناير/كانون الثاني 2016، أصدرت المملكة أحكاماً بإعدام 47 شخصاً بتهم تتعلّق بـ"الإرهاب" والمساس بالأمن.
وكان أغلب من نفذّت فيهم الأحكام من المنتمين إلى تنظيم "القاعدة"، باستثناء أربعة مواطنين شيعة، على رأسهم رجل الدين نمر النمر، المنحدر من بلدة العوامية، إذ تم اتهامه أيضاً بـ"الإرهاب"، بحسب وزارة الداخلية السعودية.
وبعد تنفيذ الإعدامات، استنكرت إيران إعدام النمر، ووصف المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية، حسين جابر أنصاري، ما حصل بـ"السياسة اللامسؤولة للحكومة السعودية"، متوعّداً بأنّ المملكة "ستدفع بسببه ثمناً باهظاً". واستدعت إيران القائم بأعمال السفارة السعودية في طهران، للاحتجاج على عملية الإعدام، وتم تنظيم مظاهرات أمام السفارة السعودية في طهران، وقنصليتها في مشهد، الخطوة التي نتج عنها اقتحام المتظاهرين للمقار الدبلوماسية السعودية، وقامت بعدها الرياض بقطع علاقتها مع طهران، تزامناً مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات في العوامية ضد سياسات الحكومة السعودية.
وقبل إعدامه، تعرّض النمر للاعتقال عدة مرات. وقد اشتهر بإطلاقه العديد من التصريحات المعارضة للنظام السعودي؛ ففي مارس/آذار 2009 وجّه انتقادات عنيفة للحكومة بسبب أحداث البقيع، وطالب بانفصال المنطقة الشرقية عن السعودية إذا لم تحترم حقوق الأقلية الشيعية.
واعتقل بسبب هذه التصريحات وأفرج عنه لاحقا، وكان النمر يعتبر أبرز قادة الطائفة الشيعية الذين يتهمون السلطات السعودية بتهميشهم في الوظائف الإدارية والعسكرية، خصوصا في المراتب العليا من الدولة. مع العلم أن النمر كان أيضاً من منتقدي النظام السوري، الحليف لإيران، ووصف رئيسه بشار الأسد بالديكتاتور.
وقد شكل إعدام النمر، مطلع العام الماضي، نقطة تحول أساسية في موقف أهالي العوامية تجاه الحكومة في السعودية، إذ تصاعد الاحتقان تدريجيا ليصل إلى حالة مواجهة مفتوحة اليوم بين قوات الأمن والجيش السعودي، ومسلحين محليين لا يعرف مستوى تسليحهم أو أعدادهم أو مصادر دعمهم وتمويلهم على وجه التحديد.
الانفجار الأخير
وجاء الانفجار الأخير للأوضاع بعد قرار المحكمة العليا السعودية بتصديق حكم الإعدام بحق 14 شخصاً يُعرفون بـ"خلية العوامية"، وذلك بتهمة "التخابر مع إيران"؛ وقد حذّرت منظمة العفو الدولية (أمنستي)، من محاكمة جماعية وصفتها بأنها "مجحفة"، تهدف إلى "سحق المعارضة وتحييد أي من المعارضين السياسيين". كما اتخذت السلطات السعودية قراراً بهدم منطقة المسورة، التي تشكّل الحي القديم وسط العوامية، بالكامل، وإجلاء جميع سكانها إلى مناطق أخرى بعد تعويضهم عن قيمة بيوتهم، وذلك بسبب "استغلال المتظاهرين والمسلحين أزقتها الضيقة في الاختباء ومهاجمة القوات السعودية المتمركزة في المنطقة خلالها"، بحسب السلطات.
لتتصاعد بعدها حدّة المواجهات وتأتي على البلدة. وتقول وسائل الإعلام السعودية الرسمية وشبه الرسمية إن اشتباكات العوامية جاءت بعد "قيام مسلحين إرهابيين بالاعتداء بإطلاق النار وقذائف "آر بي جي" على دوريات الأمن السعودية المرافقة للآليات المكلفة بهدم حي المسورة في البلدة القديمة بالعوامية، وتحاول قوات الأمن السعودية، منذ شهر مايو/أيار الماضي، هدم هذا الحي القديم في المدينة، لأنه يشكل معقلاً عصياً للمسلحين الشيعة المعارضين لحكومة المملكة".
في المقابل، أصدرت "مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان" بياناً ذكرت فيه أن ما تقوم به السلطات السعودية في منطقة العوامية يمثل انتهاكاً لحقوق الإنسان، مطالبةً إياها بوقف أعمال الهدم الفورية في حي المسورة الذي يمتد عمره إلى أكثر من 400 عام.
وتسببت المواجهات في نزوح معظم سكان بلدة العوامية، البالغ عددهم نحو 30 ألفا عنها، ليبقى أقل من خمسة آلاف فيها، بحسب التقديرات، ليبقى مصيرهم معلقا مع مصير بلدتهم.
(العربي الجديد)